من يعبث بمناهجنا؟ بقلم: د. يحيى أحمد القبالي

أساليب التعليم بين التقليد والتحديث ph

من يعبث بمناهجنا؟

بقلم: د. يحيى أحمد القبالي

نعيش زمن التناقضات على المستويات كآفّة، فالنظرية تخالف التطبيق، حتى أصبح المجتمع بمجمله يعاني من الفصام( الشيزوفرينيا) وما يتعلّمه الطلبة داخل أسوار المدرسة لا يشابه الواقع خارجها، وما يعيشه الطفل داخل أسرته يجده غير مفهوم في مجتمعه، والحياة الاقتصادية كالأسماك يأكل الكبير منها الصغير، ويضع الزبون يده على قلبه قبل شراء السلعة ويدعو الله تعالى ألّا يقع في شباك الغش، ونجد في الجانب الآخر طبقة لا يُبالون بالواقع فكلّ أمنياتهم محقّقة على الأصعدة كافة، والحديث ذو شجون .

ولربما بإمكاننا أن نعزو تلك الأسباب لضياع القيم المجتمعيّة، ويعلم الجميع بأنّ المدرسة بمناهجها هي الحاضنة لهذه القيم ، والسؤال العريض الذي يُطرح على الساحة أين اختفت القيم من مناهجنا ومن ذا الذي يعبث بها ؟ لا نشير بإصبع الاتهام لأحد بعينه ، وظننا بالآخر حسن، ولعل البطالة المبطّنة والترهل الإداري ما تمثّل أهم المتهمين بصناعة هذا الواقع المرير وهما بالطبع وجهان لعملة واحدة ، والنظام التربوي كإنموذج، فالبطالة المقنّعة (المبطنة ) والترهل الإدراي تنشأ من أسباب عدة، منها:

*تهميش الكفاءات.

لعل القائمين على المناهج أشخاص مخلصون ولديهم انتماء للوطن لا يمكن إنكاره ، ولكن ذلك لا يشفع لهم ما تعانيه المناهج من ضعف، وسوء تخطيط،، والانتماء والنيةّ الصادقة لا تكفي دون علم ودراية، والبحث والتواصل مع الكفاءات المشهود لها واجب وطني وديني وأخلاقي.

*التوظيف غير العادل.

ونظام ديوان الخدمة المدنيّة خير شاهد على ذلك، افي نهجه للمحاصصة غير العادلة، فالكل حريص على خدمة وطنه وأمّته، ولكن ليس على حساب الآخرين، فكثير من الموظفين تبوؤا مناصب لم يكونوا لها كفؤًا، ولم يحرّكوا ساكنًا، وهناك من هم أقدر منهم على إشغالها.

وتكتظ المكاتب بموظفيها، وتتنازع السلطة في تنفيذ الأوامر بين أيديهم، وتعلو البيروقراطية التعامل في هذه المكاتب ، وتبقى الأمور على علّاتها لسنوات دون حلول شافية.

*ازدواجية التعامل.

ومن التناقضات العجيبة ، نظام رتب المعلمين، فقياديون في الميدان يديرونهم من هم برتب تعليمية أقل منهم بكثير في المراكز الإدارية العليا في الوزارة ولهم السلطة المطلقة عليهم، فلم تمّ إقرار نظام رتب المعلمين إذًا؟

*هدر الموارد.

غزارة في الانتاج وسوء في التوزع، موقف عايشته شخصيًا قبل سنوات.

المسؤول: أين المدراء الذين تم ّتأهيلهم العام الماضي ليتسلموا زمام المدارس الدامجة؟

الموظف المسؤول: لقد تقاعدوا يا سيدي.

وكثير من المؤتمرات والدورات والمحاضرت المدفوعة الأجر تلزم وزارة التربية العاملين بها بحضورها، والهدف الأسمى من هذا الحضورهو نقل التجارب الناجحة وتطبيقها، ولكن على أرض الواقع فالمشاركة من أجل المشاركة فقط.

*عدم وجود الشفافية والمساءلة.

هناك قرارات صادمة نتج عنها كوارث تربوية، ولا يوجد من يحاسب من قام بها، فكثير من الملفات كتب عليها(يُحفظ).

*وجود المحسوبيات

وضع الشخص المناسب في المكان المناسب هو أساس العدل بغض النظر عن درجة القرابة أو المعرفة، فهذه أمانة ويترتّب على ضياعها ضياع أجيال.

*استغلال أقل قدرات الطلبة العقلية

إنّ المتتّبع للمناهج المدرسيّة يلمس خلو تلك المناهج من مهارات التفكير العليا التي تسهم في تنمية تقكير الطلبة وتحصين تفكيرهم من الأفكار الدخيلة التي من شأنها تقويض أمن المجتمع. التخطيط الفاشل للثانوية العامّة والتوجّه المهني للطلبة تخبّط ستثبت االتجارب فشله.

*الفقر التعليمي المزمن.

لم يكن الفقر التعليمي أمرًا طارئًا بل إنّ الثانوية العامة ونسب النجاح فيها تعكس المسار التعليمي للطلبة، فعلى مدار تأسيس الدولة ونسب النجاح في الثانوية العامة لم تتجاوز نسبة (45%) أي أن مجموع الطلبة الذين حالفهم الحظ ووصلوا إلى الثانوية العامّة شكّل الفاقد التعليمي بينهم ما نسبته (55%) فالمعادلة تقول: الفقر التعليمي يؤدّي إلى فاقد تعليمي ةالعكس صحيح.

كل تلك العوامل بمجملها كان محصلتها البطالة المبطّنة ، وأدّت بدورها إلى ضعف مخرجات التعليم والذي انعكس على شكل ضعف المجتمع، فجميع الكوادر البشرية العاملة هي من مخرجات النظام التربوي، ولعلّ أهم تلك العوامل، تهميش الكفاءات التي بإمكانها قيادة النظام التربوي على أفضل وجه مما يؤدّي إلى مخرجات ذات قيمة تسهم في رفاهية المجتمع وتزيد من انتاجيته.

ماذا خسرت المنظومة التعليمية من تهميش المفكرين؟

إجابة على هذا السؤال: لا يوجد رابح أبدًا من هذه الممارسة، فدورة المجتمع تنبئ بذلك ، فالمجتمع بمثابة الجسد الواحد ولا غنى لبعضه عن بعض ، فتهميش الكفاءات وإبعادها عن الساحة التربوية وهي التي تملك مفاتيح الحلول ليس إلّا إجراء أرعن يزيد الحال سوءًا، فالتقاعد المبكّر سيف مسلط على رقاب الكفاءات يحدّ من فاعليتها ويحبط همّتها ، فلا أمان وظيفي ولا اسقرار ولا انتاجية.

أهل مكّة أدرى بشعابها، فمن خلال خبرتي التربوية والتي ناهزت (35) عامًا رأيت وسمعت من الممارسات الخاطئة ما يمكن أن نُطلق عليه ألفية التربية على غرار ألفية مالك، وكانت وما زالت هناك حلول بيد المفكرين التربويين المهمشين رغم استبعادهم ، ولكن: لا رأي لمن لا طاعة له.

وأخيرًا:

نهيب بالقائمين على وزارة التربية والتعليم بالاستفادة من الخبرات والكفاءات التي خدمت بأمانة وعلم في السنوات الماضية ، بتأسيس نادٍ للكفاءات في وزارة التربية والتعليم والاجتماع بهم دوريًا للاستئناس بأررائهم في تطوير العملية التعليمية.

فكما نرى على أرض الواقع المؤسسة العسكرية لا تدخر جهدًا باستشارة المحاربين القدامى، وكذلك النوادي الرياضية تسعى سعيًا حثيثًا لاستقطاب اللاعبين القدامي ليكونوا مدربين للاعبيها.

وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)

Loading...
Play ButtonPlay Button

You May Also Like