هل سقطت ورقة التوت عن منظومة التعليم في الأردن؟

هل سقطت ورقة التوت عن منظومة التعليم في الأردن؟

هل سقطت ورقة التوت عن منظومة التعليم في الأردن؟

بقلم: د. يحيى أحمد القبالي

يُجمع العاملون كآفّة في المجال التربوي بأنّ هناك خللًا في منظومة التعليم الأردنيّة أودى برونقها، وفرّغها من مضمونها، ويؤكّد أولئك العاملون بأنّ هذا الوضع لم يكن بمحض الصدفة أو لطارئ ما، بالرغم من تراكم هذا الخلل بوجود جائحة كورونا والتحوّل إلى التّعليم عن بعد والذي لم تكن الأرضية التربوية مهيأة لمثل هذا الظرف، فقد كانت هذه الجائحة بمثابة المسمار الأخير في نعش العملية التعليميّة، وظهر التخبط بشكل جلي واتسع الرتق على الراتق وانفرط عقد التعليم من أول زوبعة صادفته ، وهناك براهين ذات دلالة إحصائية على فقر التعليم الذي بلغ52% قبل جائحة كورنا ووصل إلى 80% أثناء هذه الجائحة باعتراف المسؤولين وتأكيد الدراسات الميدانية على ذلك.

تعريف مصطلح فقر التعليم: أشار تقرير البنك الدولي لعام( 2019م) إلى مصطلح “فقر التعليم” ويقصد به أنّ نسبة كبيرة من الأطفال دون العاشرة لا تستطيع قراءة نص صغير مناسب لهم وفهمه، مما يؤدي إلى قصور في تعلمهم وإعاقة تقدّم بلدانهم في مجال تكوين رأس المال البشري.

ولقد تم التركيز على القراءة في هذا التعريف نظرًا لأن القراءة تشكّل العامل المشترك لكآفة المواد التعليميّة وأسلوب الحياة بشكل عام.

مازالت المدارس الحكومية في الأردن تئن تحت وطأة قلة الامكانات و تشكو من الترهل الإداري وفشل خطط الانقاذ المتتالية، متمثلة في هدر الموارد واستئجار المباني المدرسية ودوام الفترتين، واكتظاظ الغرف الصفيّة والتنمّر ومطالبة المعلمين بزيادة الراتب وتحديات تكنولوجيا التعليم وارتباطها بالتوقعات الضحلة للمسؤولين بقدرة الطلبة على شراء أجهزة الحاسوب والجوالات الباهظة الثمن، وانحدار الجانب القيمي، بالإضافة إلى المباني المدرسية المتهالكةهذا وكيف لو افترضنا جدلاً عدم وجود مدارس الغوث الدولية والمدارس في القطاع الخاص والتي ساهمت بدورها بتخفيف العبء عن ميزانية الدّولة المخصصة للتعليم، إنّ ما نشهده اليوم هو سقوط لورقة التّوت وانكشاف عورة التعليم في الأردن وضحالة البنية التحتية إن هو إلا تراكم فشل عشرات السنوات، وعدم توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح نحو لب المشكلات والبحث عن أسبابها، مما ساهم في تمييع دور المؤسسة التربوية وفقد ثقة المجتمع فيها.

إنّ الفشل في المنظومة التعليمية لا يقتصر على الأردن وحسب بل يشمل كافة الدّول العربية وبشكل عام الدّول النامية، وبمجرّد الضغط على أي محرك بحث في وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان: أسباب فشل التعليم في (…) وإن حاولت توسيع دائرة البحث فبالإمكان تغيير العبارة ب: أسباب فشل التعليم في الوطن العربي، فستظهر لك مقالات ودراسات ومؤتمرات لا يتسع لك الوقت لمطالعتها تدلل على ذلك وتنبؤك بأنّه مهما اختلفت الأسباب فالفشل واحد.

إنّ التّعليم مسؤولية جماعية وهذه المسؤولية تبدأ من الفرد مرورًا بأسرته ومدرسته ووزارته ولا تنتهي بنقطة محددة لسبب بسيط هو: إن التّعليم تراكم خبرات إنسانية تختلط وتتجدد وتتطور في كلّ لحظة، لذا فمن باب أولى أن يكون التخطيط للتعليم متنوّع المصادر و بشكل جماعي، وكذلك البحث عن حلول للفشل فيه أيضا بشكل جماعي.

ونستذكر هنا أهمية التّعليم وجودته بعبارة القائد الفرنسي ( نابليون بونابرت) : “من فتح مدرسة، أغلق سجنًاوقال أيضًا: “تفسد المؤسسات حين لا تكون قاعدتها الأخلاق“.

فكيف بنا إذا تحوّلت المدارس إلى ما يشبه السجون وفقدت مرجعيتها القيمية؟

وكم تألّمت عندما قرأت عنوانًا في إحدى الصحف اليومية ومضمونه: الميدان التعليمي يُجمع على فشل تجربة التعليم عن بعد. وتساءلت بيني وبين نفسي: هل كان التّعليم ناجحًا عن قرب( وجاهيًا) ؟.

لقد طالبت في إحدى المقالات السابقة بضرورة استبدال نموذج المباني المدرسية بنموذج آخر يلبي الاحتياجات المعاصرة للعملية التعليمية، وأزيد هنا تكملة لهذا النداء : ضرورة استبدال نموذج بناء وزارة التربية والتعليم الذي أكل عليه الدهر وشرب بنموذج بناء يلائم مكانتها كمؤسسة اجتماعية تحتل قمة هرم المؤسسات الحكومية بل هي أهم مؤسسة اجتماعية على الإطلاق.

لقد بتنا في وضع لا نُحسد عليه، ودخلت العملية التعليمية في غرفة الانعاش، وتنادى المخلصون لإنقاذ ما تبقى منها على قيد الحياة على شكل لجنة لتجويد التعليم وتفرّع منها لجان وذلك على الصعيد الخاص بعيدًا عن الجهات الحكومية – ليس تنقيصا من قدر هذه الجهاتبل تأكيدًا على أنّ العمل التطوعي يكون في أغلب حالاته أقرب إلى التضحية والإخلاص، وكنت شاهدًا على تشكيل هذه اللجنة ولجانها المتفرعة عنها وازدت شرفا كوني عضوًا فيها ، ولمست الدافعية والحماس للعمل من أفرادها الذين كان لهم باعًا طويلة وخبرات كبيرة في مجال التعليم والإدارة، هرعوا غيرة وحمية من أجل انقاذ المنظومة التعليمية لعلمهم الأكيد أنّها تمس كل فرد في المجتمع وتساهم في الوقت نفسه في دعم المجتمع برأس المال الفكري وتعمل على رفاهيته وتنميته.

إنّ الطريق ليس مزروعًا بالورود، ولابد من ناعق هنا وهناك، سيما وأنّ التصريحات الحكومية وبشكل دائم تُصور للمستمع بأنّ العملية التعليمية بخير من خلال رسم صورة ناصعة بألوان زاهية تُظهر بأنّ التعليم في الأردن ينافس الدول المتقدمة كمًا و نوعًا.

ولعلنا في نهاية مقالنا هذا نوجّه دعوة لرعاة لجنة تجويد التعليم وعلى رأسهم د. ذوقان عبيدات، ود. محمود المسّاد، ، أولئك الغيورون على الأردن وأبنائه وكانوا ومازالوا وكما عهدناهم خبراء يُعتمد عليهم في توجيه دفة سفينة التعليم إلى شاطئ الأمان، وشهد لهم الميدان التربوي شهادة حق نقول لهم: سيروا ونحن معكم وبكم سنحقق الانجازات والله من وراء القصد.

إقرأ المزيد لمقالات التربويون العرب

Loading...
Play ButtonPlay Button

You May Also Like