لماذا لم يتطور التعليم؟

لماذا لم يتطور التعليم؟

بصراحة

لماذا لم يتطور التعليم؟

ليس سراً أن التعليم هو أقل الأنشطة العالمية تطوراً . فالطب مثلاً ، دخل في فتوحات دقيقة جداً. جراحة المنظار، جراحة أعصاب، جراحة دماغ، تصوير طبقي، أدوات جديدة، وأدوية جديدة باستمرار. وكذلك الهندسة والزراعة والخدمات الميكانيكية وغير الميكانيكية. ففي مجال الزراعة، نزرع في الماء، وفي مجال صناعة السيارات، تم صناعة سيارات دون سوّاق، وفي مجال كي الملابس، كي بدون ملامسة المكوى!

وفي مجال التعليم بقينا في : تعليم صفي، كتاب مقرر، معلم ناقل، امتحان – السمكة تصعد إلى الشجرةحقيبة ثقيلة محشوة بمعلومات معظمها عفا عليها زمن وأزمان..

دعوات عديدة لتطوير التعليم لم تغير سوى رتوش بسيطة مثل نتائج امتحان بالكسر المئوي. كتب معلومات بالألوان، معلم لا وسيلة لديه لضبط الصف إلا بالصراخ أو الشكوى. لم يستطع نظام في العالم جذب أفضل الشباب للعمل في التعليم على الرغم من أن بعض الأنظمة قدمت إغراءات ومغريات. فالتعليم عالمياً ليس بخير كبير. ولكن التعليم لدينا ليس بشر كبير مع أنه يمكن أن يكون ببعض خير.

فلماذا التعليم لم يتطور؟

(2) لماذا لم يتطور التعليم

قلت أن التعليم في الأردن ليس حالة خاصة، بل انعكاس للتعليم في العالم، ومع ذلك، فإن عقبات محلية وغير محلية أعاقت هذا التطور، وسأحاول أن أقدم عقبات موضوعية أولاً.

إن جهاز التعليم في الأردن – وأقصد المعلمينفي غالبيتهم من الطبقات الاجتماعية الأقرب إلى البساطة والفقر. وهي طبقات محافظة جداً. ترفض بطبيعتها منطق التطوير والتغير والإصلاح. ورثت نظاماً اجتماعياً تقليدياً واحتفظت به، ورفضت تغييره، ومن مبادئ هذا النظام:

التعليم ينقل عادات المجتمع وتقاليده وقيمه.

وقد يبدو ظاهر هذا المبدأ صحيحاً. ولكن حين طبقناه، حشرنا أنفسنا في مناهج أصيلة: تاريخ، أدب، لغة، ثقافة المجتمع، دين، تاريخ العلوم، وتاريخ الرياضيات.

يتم تنفيذ هذه المناهج بدقة، وصار أي سلوك مختلف عنها خروجاً عن مقدسات المناهج:

ففي الشعر رفضنا الخروج عن بحور الشعر

وفي الثقافة رفضنا تنقية التراث وتجديده.

وفي العلوم، رفضنا مبدأ التجريب والبحث والشكالخ

التزمنا بالعادات والقيم، وصار تجديدها خروجاً غير محمود عن مقدسات، صار كل شخص مقدساً. حتى المتنبي هناك من يمنع نقده فما بالك بغيره.

في التاريخ، قالوا الجاهلية في فترة ظلام دامس، وحين صدرت قراءات تشيد بها على أنها البيئة الحاضنة للإسلامبل البيئة التي أخرجت القادة المسلمين والعظاماعتبروا ذلك خروجاً عن الدين.

وفي الأدب، حين قلنا عرارمصلح اجتماعي، دعا إلى المواطنة والتغيير، قالوا: لا يلزمنا، كان يشرب الخمر.

وفي الفلسفة، حين قلنا بأنها تعلم الفكر والنقد والشك والبحث عن العقل، قالوا: الفلاسفة يجب حرقهم كما فعل أجدادنا، وهكذا.. تم رفض الجديد، تحت شعار: هذا خارج عن قيمنا.

من رفض هم المعلمون. فمن هم هؤلاء؟

(3)

معلمو الأردن

معلمو الأردن هم كل من عملوا في التعليم في الصفوف. بعضهم نما وظيفياً و صار مديراً أو مشرفاً أو مدير تعليم أو مدير في الوزارة ( مع أن النمو الوظيفي في بلادنا لا يقود إلى الوظائف العليا، فهناك خطوط و حظوظ تعرفونها جميعاً ).

وبعضهم نما – بكشف سحريوصار وزيراً للتربية والتعليم. ففي وزارة التعليم ، لم نشهد وزيراً من بيئة غير محافظة. كلهم – باستثناء واحدجاءوا من الطبقات المحافظة.

ولم نشهد وزيراً من عائلة من عائلات عمان التي اشتهرت بأنها غنية أو من الطبقات الراقية. ربما كان خالد طوقان استثناء!

ولا أدري إن كان – عمر الرزاز – كذلك !!

فأبناء الفلاحين من ذوقان الهنداوي حتى وجيه عويس، ستون عاماً تقريباً يحكمها وزراء من طبقات محافظة.

والطبقات المحافظة تنتج فكراً محافظاً بدرجة عالية، وفكراً إصلاحياً بدرجة محدودة، وفكراً إبداعياً بدرجة نادرة!!

وهكذا كان. نما التعليم في هذه الظروف! ولذلك كان الإصلاح بطيئاً .

هذا هو العامل الأول، أم العامل الثاني – والمرتبط بالأولالثقافة المجتمعية التقليدية.

لدينا معلمون تقليديونمحافظونأنتجوا فكراً تقليدياً. ووضوا مناهج تقليدية. وقلت: لا أحد يستطيع الخروج على ثقافة المجتمع، إلا وتعرض لسخط شديد.

قال وزير: على المعلمون أن يهتموا ب……. بدلاً من…. فسجل هذا الوزير في قائمة الممنوعين!! وحين تخضع السلطة السياسية للسلطة الاجتماعية يصبح التغيير مغامرة.

ليس سراً أن مجتمعنا محافظ! ولكن أليس من واجب السلطة إحداث التغيير! طبعاً لم يجرؤ أحد على تحديد طبيعة التغيير بل – اللف والدورانحتى لا يستفز – مختطفي المجتمعوأنصارهم، فالمجتمع يدعو إلى الثبات والأصالة. وهي بأحد معانيها جمود ورتابة والمراوحة في فكر تقليدي. فالصوت الذي يدعو إلى تقديس التعليم والحياة، مقابل من يدعو إلى أنسنة التعليم!

وأنسنة التعليم تدعو إلى الانفتاح، وربط الحياة بحاجات الإنسان، والتحدث عن مشكلاته ودوره وإنجازاته.

وتقديس التعليم يدعو إلى الاكتفاء بما حققنا. وعدم المس بأي مقدس! والمقدس عندهم ليس ما هو مقدس فعلاً ، بل إن كل من تحدث عن المقدس صار مقدساً . حتى سيد قطب وعبدالله عزام وغيرهم كثيرون!!

ولما كان الصوت الأقوى والأكثر تأثيراً هو صوتهم، فقد سكت الجميع وقبلوا بثبات التعليم وعدم تجديده.

وكما قلت إنهم مدعومون بتشريعات قانونية، أو يستغلون مواد قانونية وربما دستورية لإثبات أفكارهم ومنع ما يختلف عنها.

إن المجتمع، ووسائل إعلامه الرسمية تدعم الفكر المحافظ، بل و تروج له، ولا أدري حباً أم خوفاً.

وإن كثيراً مما يخالفون الفكر المحافظ – وأنا منهم –يجاملونه كثراً و ينطلقون منه كمسلمة، خوفاً من الاتهام الخطير!!

هذه هي بيئة التعليم المجتمعية، وهي بيئة معادية أو غير صديقة لحقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، ومعادية للفكر وتعليم التفكير. ومعادية أو غير صديقة لأي تغيير يتعلق بمهارات النقد والشك والتحليل والأدلة العقلية. بيئة تقول بوضوح: الصحيح بيّن وظاهر، والممنوع بيّن وظاهر. فلماذا البحث والتفكير؟!

نحن نفكر عنك! وقد قام أصلاً أجدادنا بالواجب.

إذن، بيئة المجتمع ليست صديقة للتغيير .. فماذا عن العوامل المعيقة الأخرى؟

(5 )

عوامل تعيق تطوير التعليم.

مخطئ من يقول إن البيئة والمحافظة، وتفكير المعلمين، ودعم السلطة الرسمية لهم هي العامل الوحيد للتطوير. فهناك عوامل أخرى مثل صعوبة تطوير التعليم. وقد قيل من الصعب تطوير الإنسان كما تطوير الآلات. فالتطوير المادي أكثر سهولة من تطوير الفكر، لكن علينا أن نعي أن تطوير الفكر مرتبط بتطوير البيئة، والعلاقة بين العقل والنقل قضية جدلية لم تحسم بعد، لكنها تميل مجتمعياً كثيراً لصالح النقل.

ولكي لا نبالغ في قيمة الفكر المحافظ وقدرته عى منع التطوير، فإنني أقول، إن هذا وضع التعليم في العالم، حيث فشل في بناء فكر ناقد.

فقد أوضحت الأزمة الأوكرانية الروسية، أن العالم فقد قدرته على التفكير، وأن الدعاية وأساليب التضليل مازالت الأكثر تأثيراً على الأمريكيين والأوروبيين الذين طالما صدعونا بحضارتهم القائمة على العقل والنقد.

من السهل انقياد الأردني أو الشخصية الأردنية إلى ثقافة القطيع، ولكن أن تنقاد العقلية الأوروبية إلى ذلك فهو أمر عجيب!!

هل الحل في الاستسلام للقطيع أم في الدعوة إلى تعليم التفكير؟؟

لننتظر الإجابة على ضوء تحولات مأمولة في الرأي العام العالمي!!

ملاحظة(1): كيف ثار العالم ، والشخصية الأردنية تضامناً مع أوكرانيا ولم يتضامن أحد مع أي قضية عربية من اسرائيل وغيرها؟

ملاحظة ( 2): لم تتحدث هذه المقالة عن خيارات الحكومة في استخدام المرتزقة لتطوير التعليم..

إقرأ المزيد لمقالات التربويون العرب

Loading...
Play ButtonPlay Button

You May Also Like