السكيما Self – schema

الإدارة الصفيّة ومهارات القيادة

السكيما

Self – schema

مخطط الذات

بقلم: د. يحيى أحمد القبالي

هل مُخطّط الذات فطري أم مكتسب؟ سؤال يبحث عن إجابة صريحة.

ومن هنا تبدأ الخطى نحو الإجابة والتي لن تكون بطبيعة الحال سهلة؛ وذلك بسبب طبيعة النفس الإنسانية التي من الصعوبة بمكان سبر غورها وتفسير كلّ ما يدور فيها، فلكلّ فرد شخصيته التي هي بمثابة بصمة لا يشابهه في تفاصيلها أحد، ويطلق عليها في علم النفس (السكيما ) وتعني : سلسلة نمطية من الأفكار والقناعات والخبرات المتصلبة عن الذات والحياة والآخرين. إذًا هي قالب محدّد وبوصلة شخصيّة ذات اتجاه واحد، وفي كلّ مرة تعاود توجيه البوصلة الشخصيّة إلى نفس الاتجاه مهما عصفت الظروف، فهي منظومة متكاملة من الأفكار والمعتقدات والاتجاهات شكّلت ذلك القالب واستقرّت بداخله، وأصبح ذلك القالب هو المتحكّم الأوحد بتلك الشخصيّة وبمحض إرادة الشخص.

ويُشير المخطط الذاتي إلى مجموعة طويلة الأمد ومستقرّة من الذكريات تُلخّص معتقدات الشخص وخبراته وتعميماته حول ذاته، مُستخلصة من الذكريات الطويلة المدى والثابتة التي تصف نمطاً منسقًا للتفكير أو السلوك، وتلخص بها معتقدات، وتجارب، و أفكار عامّة عن الذات لشخص ما في نطاق سلوكي محدّد..

يُعرّف العالم التربويّ( Cook ) السكيما بأنّها انعكاس سيناريوهات نموذجيّة في الدماغ“.

إن ّكلّ فرد يمتلك مخططًا ذاتيًا ويعتبره مهمًا في حياته بالتعريف بنفسه من الناحية المعرفية أو الخصائص الجسمية، مثل: أنا وسيم، أنا قويوالسّمات الشخصية: أنا لبق، أنا لطيف، أنا خجول.. والاهتمامات والهوايات: أنا أحبّ الشعر والموسيقى والرياضةوهذا ينعكس على سلوكه الاجتماعي، فإذا اعتقد الشخص أنّه اجتماعي فسوف يُبادر إلى حضور المناسبات الاجتماعية، وسيكون له أصدقاء جُدد في كلّ مرة، وسيذكر في أنّه كان في أوّل أيام المدرسة أو الجامعة يستقطب أصدقاء له، وكيف كان يبدأ تعارفه بالآخرين وكيفية مبادلتهم له الشعور نفسه’ وأنه متقبّل لديهم، وعلى هذا المنوال يكون المخطط الذاتي للأفراد(السكيما).

هل المخطوطة الذاتية للأفراد ثابتة أم متغيرة؟

في بعض الأحيان نُصادف مواقف قويّة ومؤثّرة تصل إلى درجة الصدمة، وقد تكون تلك الصدمة مفصليّة في مسيرة حياتنا، ونستجيب لها بدرجة عالية من التردّد تفوق قوّة المخطوطة الأصلية لشخصيتنا مما يدفع بتغير المخطوطة الأصلية أو الإضافة عليها، وربما كان التغير للأحسن أو الأسوأ ويعتمد ذلك على طبيعة الموقف ومعطياته وأسلوب التفاعل والتعاطي معه على الصعيد الفردي أو الجماعي.

ولعلماء النفس المعرفي السلوكي أمثال :(Beck) في (استراتيجية سجل الأفكار) توجّه قي إمكانية التأثير في مخطط الذات من خلال العلاج السلوكي المعرفي والتي تنحصر أهدافه في:

1-زيادة وعي الأفراد بالمعتقدات السيئة وأنماط التفكير السلبيّة التي تؤثر عليهم وعلى جودة حياتهم.

2-التمييز بين الواقع المنطقي والحقائق الواقعية وبين الأفكار الخيالية التي غالبًا ما ينتج عنها سلوكيات لا واعية ولا منطقية.

3-التركيز على المشكلات الحالية التي تسبب اضطرابات نفسية وردود فعل سيئة وسريعة للمواقف حتى لو كانت صغيرة.

4-تطوير طرق إيجابية للتفكير خارج حلقة النمطية التقليدية، ورؤية المواقف من زوايا مختلفة للسيطرة على ردة الفعل الأولية.

وكذا أيضًا في نظرية الأفكار اللاعقلانية عند أليس(Ellis):

يقول( أليس) :إنّ هدف استراتيجيات إدارة القلق يكمن في جعل الفرد قادرًا على التفكير بطريقة عقلانية و منطقية، وقام (أليس) بتصنيف الأفكار اللاعقلانية إلى (12) فكرة لا تخضع للمنطق والتوازن، وهي أفكار تعمل على تثبيط الفرد وتحدّ من فعاليته، وتشكّل الأفكار الأربعة منها خطورة بالغة على مسيرة حياة الأفراد:

 1- القبول من طرف الآخرين: أي يجب على النّاس تقبّل وجودي كما يجب عليهم أن يكنّوا لي مشاعر الحب.

2يجب أن أظهر للآخرين بأنني شخص صاحب كفاءة وقادر على النجاح في جميع الميادين .

3- المتطلبات: تظهر لنا الحياة على أساس أنّها مرعبة ومفزعة وهذا في حالة عدم تلبية الأهداف التي رسمناها.

 4- التوبيخ: وهي اعتبار الناس اللذين ساهموا في ايذائك بمثابة أعداء يجب عليك معاقبتهم بشدة.

 5- التشاؤم: الانشغال بالأفكار السلبية والمفزعة طوال الوقت.

 6- الحل المثالي: القدرة على حل المشاكل التي تواجهنا في حياتنا اليومية بسرعة وفعالية و في حالة عدم حل هذه المشاكل تتحول هذه الحياة إلى كابوس.

 7- الألم: إنّ العالم الخارجي يقلقني و يكوّن عندي الحزن والقلق وأنا غير قادر على التحكم في هذه الانفعالات السلبية.

 8- عدم تحمّل المسؤولية: التهرّب من المسؤولية و عدم القدرة على الانضباط.

 9- الماضي: أي التعلق الشديد بالأحداث الماضية بحيث تأثر هذه الاحداث على سلوكاتنا.

 10- الجمود: أي توهم أنّ السعادة تأتي بالكسل وقلة النشاط والخمول.

 11- التبعية: وهي التعلّق بشخص من أجل البقاء على قيد الحياة.

 12- الخجل: الاعتقاد بأنّك كائن شرير خاصة لو قمت بأمور سيئة.

ويكمل هذا الاتجاه (كريستين باديسكي ) في كتابه (العقل فوق العاطفة) ، والذي بدأه بعبارة:

إن المحار يستطيع تحويل حبّة الرمل المزعجة إلى لؤلؤة ثمينة.

وتفسيرًا لهذه العبارة : كيف نحُّول  الخبرات المؤلمة والحزينة والمعيقة إلى خبرات قيّمة و ثمينة في حياتنا تمامًا كما يفعل المحار مع حبّة الرّمل؟

فحياة الإنسان متأرجحة بين يسر وعسر ولا يوجد إنسان محصّن ضد التغيرات التي تطرأ على الجسد أو بمنأى عن الإصابة بالاضطرابات السلوكية والانفعالية مهما كان دوره في الحياة ومركزه الاجتماعي، فهو كالريشة في مهبّ الريح بين البيئة، والمشاعر، والسلوك ، وردود الفعل الجسدية، وأيّ خلل في هذه الخمس قد يؤدي إلى تغيّر إيجابي أو سلبي في مخطط ذاته من خلال تكيفه وتعاطيه مع المواقف الحياتية المختلفة .

ويسير على النهج نفسه المؤلّف (ناصر المحارب) في كتابه ( المرشد في العلاج الاستعرافي السلوكي) إذ يؤكّد إمكانية تغيير المخطط الذاتي للفرد.

كيف تتكون المخطوطة الذاتية للفرد( السكيما) ؟

تتكون ( السكيما ) من خلال خبرات الفرد السلوكية، التي تصل إليه أثناء تفاعله مع الآخرين والبيئة الاجتماعية عمومًا، وقد بيّنت الدراسات أنّ الفرد يتجنّب التفاعلات الاجتماعية التي تُهدد تقييّمه لذاته، ويميل إلى المواقف التي تساعده على المحافظة عليه، ولعل لنظرية (فرويد) في التحليل النفسي وجهة نظر في تشكيل المخطط الذاتي لللأفراد، إذ اعتمد على افتراض أنّ هناك قوى غير مرئيّة ولا واعية تُؤثر على حياة الأفراد وتحكم تصرفاتهم، وهذه القوى تُعرف بمصطلح “اللاوعي”، وتشمل الرغبات والاندفاعات والتجارب النفسيّة التي لا يكون الشخص واعيًا لها بشكل مباشر، وقد تولت نظرية التحليل النفسي لفرويد لمقياس عالمي معتمد من قبل منظمة الصحة العالمية لقياس تأثير خبرات الطفولة السيئة على صحة الإنسان وجودة الحياة التييعيشها، وأجمعت مراكز الطب النفسي على أهمية تحليل الأحداث في الماضي ودور ذلك في تفسير الأحداث التي تتم في الحاضر ويقول (فرويد) : إن ّخبرات الطفولة المبكّرة هي المفتاح الذي يُفسّر الأنماط السلوكية اللاحقة، وبحسب رأي (فرويد ) فإنّ اكتشاف الخبرات التي مرّ بها الطفل تساعد على توضيح كيفية تكوين شخصيته.

تتنوع الأسباب والعوامل المسؤولة عن الاضرابات والأمراض النفسية لدى الإنسان، إلاّ أنّ التعرّض للصدمات والأزمات النفسّية في مرحلة الطفولة قد تكون أكثر حدّة على نفسية وسلوك الإنسان، مما يترك آثارًا سلبية بارزة عليها طوال طفولته ولن يتركه بعدها، بل يظل يلاحقه كظله طوال حياته أيضًا، حيث يجده في معظم ذكرياته ويجد نفسه يحاربه في أحلامه، ويردف (فرويد): تنبت العقد من صدمة عاطفية ثم ينسى الإنسان سبب الصدمة، ولكن العقدة تظل حيّة في نفسه.

وهناك الكثير من الكتب التي تتحدّث عن إمكانية إحداث تغيير في الخريطة المعرفية الذاتية للأفراد، كما يتعرّض الفرد إلى الكثير من الخطب والمحاضرات والحوارات بل المشاهدات والعبر والقصص والمواقف الجديرة بتعيير سلوكه ومعتقداته، وإن معانيها تستهويه ويظن عبثاً أنّ مجرّد إعجابه بها وقناعته اللحظية قد غيّرت من مضمون مخطوطته أو على الأقل عدّلت عليها، وقد يحاول بما أوتي من عزم تقمّص ذلك الدور الذي استهواه وقد يُوفّق في ذلك لمدة زمنيّة قصيرة ثمّ يعود لما كان عليه.

ومع هذا فإنّه يصعب تغيير المخطوطة الذاتية للفرد بمجرّد قراءة هذه الكتب المختصّة، وذلك ببساطة شديدة لأنّه حينما يقرأها تكون مخطوطته الداخلية هي من تقرأ معه، وهي من ترد على أيّ فكرة تضاد محتواها وتخالف هواها.

فهل الطبع غلب التطبّع؟

يمكن استخلاص ذلك من تراثنا العربي حيث وردت بعض الأحاديث النبويّة وأبيات من الشعر تُشير إشارة واضحة إلى أنّ المخطوطة الذاتية للإنسان لا تتغير، مثل:

قول الرسول محمّد صلى الله عليه وسلّم-: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا.

ويقول المتنبي: يرى الجبناء أنّ العجز عقل وتلك خديعة الطبع اللئيم.

وهنا تجدر الإشارة إلى استخدام الحيل النفسية لتبرير المواقف المختلفة بما يتوافق مع المخطوطة الذاتية للفرد هو ديدن الأفراد على مختلف أجناسهم وبيئاتهم.

هل يمكن تعميم المخطوطة الذاتية على الجماعات؟

يظهر ذلك الأمر جليًا في علم الاجتماع عند (ابن خلدون وغيره) حيث يكون لجماعات أو شعوب مخطوطة ذاتية موحّدة وكأن أفرادها قد تناسخوا فهم على قلب رجل واحد ، فللمناخ تأثير على سلوك الشعوب وللغذاء أيضًا حيث قال: إنّ أهل المدن والأمصار لكثرة ما يتناولون من لحوم تغلب على أطباعهم القساوة والغفلة، بينما اعتبر أنّ تناول البقول أصح للبدن وأنفع للعقل.

ولم يكن (ابن خلدون) الوحيد الذي بحث في تأثير المناخ والتضاريس في شخصية الانسان والتكوين البدني له فقد تناول قبله الفيلسوف الاغريقي الكبير( أرسطو) في كتابه عن السياسة الفرق بين سكان المناطق الباردة في أوروبا وسكان آسيا.

فقال: … فسكان أوروبا كما وصفهم (أرسطو) يتميّزون بالشجاعة التي كانت أساس حريتهم، لكنهم في الوقت نفسه يفتقرون إلى المهارة في الإدارة والتنظيم، وبالتالي يفتقدون إمكانية السيطرة أو الإمساك بزمام الأمورأما سكان (آسيا ) فلديهم الفكر والمهارة الفنيّة لكنهم يفتقرون إلى الجرأة مما جعلهم محكومين بغيرهملكنّه يعتبر قومه الإغريق أمّة وسطاً بين آسيا وأوروبا مما جعلهم يجمعون بين مميزات المجموعتين.

أمّا (أبقراط ) والملقب بأبي الطّب فدوّن آراءه في كتابه (الجو والماء والأقاليم) حيث وصف سكان الجبال المعرّضين للأمطار والرياح بالشجاعة وطول القامة والطباع الحميدة.

وخلاصة القول: لكلّ فرد مخططه الذاتي الذي يقوده، ولكنه في الوقت نفسه قادر على تعديله حتى بوجود التبريرات التي تجعله على فناعة بتصرفاته، ففي الأسرة الواحدة نختلف الآراء والاتجاهات بين أفرادها رغم وحدة الحال التي تعيشها، ويقول الشاعر:

أسير على نهج يرى الناس غيرهلكلّ امرئ فيما يحاور مذهب.

وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)

Loading...
Play ButtonPlay Button

You May Also Like