التعليم والسلام وحقوق الإنسان بقلم الدكتور محمود المسّاد

التعليم والسلام وحقوق الإنسان بقلم الدكتور محمود المسّاد

التعليم والسلام وحقوق الإنسان

بقلم الدكتور محمود المسّاد

سفير الأمم المتحدة للسلام وحقوق الإنسان

مدير المركز الوطني لتطوير المناهج في الأردن

إن هذه المعادلة التي تجمع بين التعليم والسلام وحقوق الإنسان معادلة مركبة تسير بخط واحد من جهة، وتسير بخطوط دائرية ومتشابكة من جهة أخرى، فمنطق الأمور يقول أن التعليم هو الأساس الذي يقوم عليه حسن التفاهم وإحلال الأمن وسيادة السلام وشيوع الطمأنينة، مع أنها حقوق مستحقة للإنسان وحاجات أساسية من حاجات حياته الطبيعية، وهذا القول يحكمه المنطق أولًا وأخيرًا، لأن هناك سلوكات لبعض الأفراد أو بعض الدول ما تخالف المنطق ولا تتوافق مع الحكمة، الأمر الذي قد نجد معه بعض سلوكات من أطراف النظام التعليمي والمتعلمين تجرح الأمن والأمان وتنتهك حقوق الإنسان

وبالنظر إلى هذه المعادلة وفقًا للحركة (الدائرية متشابكة الخطوط) قد نجد أن التعليم يصنع السلام ويرسخ حقوق الإنسان بنفس الوقت الذي يعود السلام معه ليرفع من شأن التعليم ويرتقي به إلى مصافَّ متقدمة في حقوق الإنسان الطبيعية وفوق الطبيعية، وهنا نؤكد على أن التعليم هو المبتدأ في العملية (التعليم والسلام وحقوق الإنسان)، وهو في نهاية الطاف مكسبها وإنجازها. فلا يعقل أن نتخيل سلامًا يسود مجتمعًا تحكمه القوانين وينعم بالهدوء والازدهار دون أن يكون مجتمعًا متعلمًا فكرًا وسلوكًا

لكن نحن لا نتحدث عن التعليم الذي لا يكتسب معه المتعلم إلّا المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب، ويحفظ معه كديسًا من المعلومات والبيانات ليسترجعها عند اللزوم، ويرويها في الوقت المناسب وغير المناسب، بل نتحدث عن تعليم يتعلم به ومعه الفرد المهارات والمعارف والاتجاهات التي يوظفها في مواقفه الحياتية بذكاء وحنكة تعود عليه بمردود إيجابي على المستوى الشخصي والفكري، وهنا لا بد من القول أن التعليم هو كل مركب يجمع بين المعرفة والمهارة والاتجاه من جانب، وينقلها إلى المتعلم بطرائق مناسبة لنمط تعلمه وذكاءاته من جانب آخر، وبما يُسّرع في عمليات الاكتساب المتضمنة للقيم المقصودة والرسائل الضمنية والمعرفة والمهارات ذات العلاقة بعد معالجتها بالتحليل والمقارنة والاستنتاج والصياغة بلغة و أفكار أصيلة

وهنا تجدر الإشارة إلى أن السلام وحقوق الإنسان هي أساليب وبنية تحتية ضرورية ولازمة لنوعية التعليم، بمعنى أننا لا يمكن أن نصل بالتعليم إلى النوعية والجودة الذي نطمح إليها دون أن يسود بيئات التعلم والتواصل بين أطراف المواقف التعليمية الهدوء والود والإحساس بالقبول والدعم، ومن جانب آخر أن يحس المتعلمون (طلابًا وطالبات) بعدم التردد أو الخوف من التعبير عن أي رأي أو فكرة أو مبادرة ومقترح دون أن يتعرضوا لتجريح أو نقد

ويرتبط هذا الفهم بالتمايز بين الطلبة وديمقراطية التعليم التي تؤكد على حق المتعلم بأن يتعلم ما يرغب به وفقًا لقدرته وسرعته في التعلم، أي بمعنى آخر أن يتعلم الطلبة ما يرغبون به بحدود سرعة كل منهم ووفقًا لقدراته ومهاراته ودوافعه. وعندها ستكون النتائج مذهلة ويكون التعلم والاكتساب في أعلى درجاته. لهذا فالتعليم النوعي والمجّود متناغم بالأساس مع مفاهيم السلام وحقوق الإنسان ويلبي متطلباتها ويحقق مؤشراتها في معارف الطلبة وسلوكاتهم

وفي هذا الصدد أكدت الدراسات أن الإبداع الذي يحرزه الطلبة في أثناء تعلمهم يكشف عن بيئات التعلم التي تعلموا بها، وقدرات المعلمين ومهاراتهم، وما مارسوه من تواصل إيجابي، وتنويع في أساليب التعليم والتعلم، بحيث أصاب أنماط تعلم الطلبة كأفراد وذكاءاتهم المتعددة، لهذا نستخلص أن التعليم الجيد الفعال يدعم مفاهيم السلام وحقوق الإنسان وديمقراطية التعليم، كما أن، هذه المفاهيم أساسية ولازمة لتحقيق التعلم الجيد. فهي حلقة متشابكة متداخلة تتكامل فيما بينها لإنجاز أهداف هذا التعلم النوعي، أو يبقى التعلم ناقصًا بلا روح يقتصر على الحفظ والتذكر ويعتريه الملل والإحباط

انضم إلينا على صفحة فيسبوك

You May Also Like