القيادة التربوية دفء ووقود ٤ نحو تقويم بديل
بقلم الأستاذ وجيه السعيد البنا
كان صغيرا في السن وربما لم يكن يعلم معلمه وقتها مفاهيم حديثة للتقويم البديل، ولم يكن يعرف أن ثمرة العمل الجماعي سوف تكون بهذه المتعة بعيدا عن العمل الفردي الذي قد تكون المتعة فيه من نوع مختلف وفي مهمة أخرى تناسب التأمل أو يناسبها الانقطاع لتعميق بحث فكرة ما….
نادى مدير المدرسة في صف الصباح بضرورة مشاركة الأبناء في خدمة المجتمع بمطاردة اسراب الطيور التي تهدد محصول القمح فكان الطبيعي أن يثور سؤال : وماعلاقة ذلك بتعلم الطلبة؟ فرد المدير دون أن يسأله أحد: وسنكافئ الحريصين على ذلك بإعلان أسمائهم في قوائم التفوق ولوحات الصحافة وسيكون دليل نبوغ وتقدم عند المقارنة بين عمل المجموعات وقياداتها وبالتالي رصيد القناعة بالنقل لدراسة كتاب أعلى وفي صف أعلى من خلال رصد أعمال الطلاب مرحليا…
وفي المساء حدثه أخوه الجندي في إجازته عن مشروعهم للرماية الحرة خارج مقر الكتيبة وكان الحماس باديا عليه لدرجة الاستغراق، وقابل ذلك من المدربين ترقية المبرزين ومكافأتهم وما صاحب ذلك من حكايات وشعور بالفخر…
ثم مالبث أخوه في الصف الثاني الإعدادي (الثامن) أن أخذ دوره في الحديث عن مهمته هو وأصدقاؤه في تصنيف كم غير عادي من الصخور التي جمعوها في رحلتهم إلى الامتداد الصحراوي المجاور للمدينة التي يعيشون فيها والمهمة تطبيقية تقيم مقارنة بين أنواع الأحجار والصخور لتنوع طبيعتها الجيولوجية التي اجتهدوا في جمعها ووضعها في أكياس تعلق على لوحة من الفلين في معمل المدرسة أو في الصف الدراسي واقراح بعضهم وضع نماذج منها في معرض المدرسة …
بينما هناك رفاق آخرون قد يأتون إلى المدرسة مبكرين قد أعد أحدهم مجتهدا كلمة الصباح بأسلوبه الجميل والمعروف به بين أقرانه مبادرا ومتألقا تنجذب إليه قلوب زملائه وأساتذته لأدائه الرصين ولعمق مايتناول، ولنجاحه وأمثاله في تحويل ساحة المدرسة في صف الصباح إلى حصة دراسية متنوعة تفيد كل الحضور مع اختلاف مشاربهم وثقافتهم وأهوائهم، حتى لايسلم من ذلك التأثر والإعجاب عامل المدرسة الذي يراقب نجاحه في عيون إدارته ومعلميه وربما فهم بعض مايقول لانجذابه له من ناحية ولثقافته القليلة التي بها يحكم على الطلاب ويضم لها بعضا من القيم الأخلاقية في الحكم عليه… وربما شجع ذلك إدارة المدرسة دعوة بعض أولياء الأمور لمباركة ذلك والحفاوة به، ولو كان للمعلم القائد والملهم في منتداه الأدبي فرصة لاستخراج من مثل هؤلاء عروضا إبداعية يوظفون فيها تقنية الحاسوب لصنع توجهات فكرية وقيادية تملؤها الثقة وتنطلق نحو الحداثة والإبداع والثقة بالنفس…
ثم هناك ذلك النابغة الذي قد وقع في نصيبه ضمن فريق عمله وضع تصور مجسم (ضمن مشروع) تصميم الجهاز التنفسي وينتابه القلق وهو يراقب الباب انتظارا لأحد أصحابه او بعضهم حيث سيتوجهون إلى الصانع خارج وقت الدوام المدرسي ليصمم لهم من بعض الأدوات المنزلية (علبة سمن فارغة) سيصمم لهم منها نموذج القصبة الهوائية بشعبتيها في الرئتين… والتصور هو مشروع تعليمي لدراسة الجهاز التنفسي ونقله إلى واقع عملي باستخدام زجاجة مصباح (الكلوب) المستديرة وصنع الحجاب الحاجز باستخدام مواد مطاطية من بالون مهترئ أعلى وأسفل الزجاجة يدخل من أعلاه حبكا ماصممه الصانع وقد تعلقت بالونتان محكمتا الربط والإغلاق على طرفي المنفذين من كل ناحية تمثل كل واحدة منها رئة… وكانت الفرحة الغامرة في المعمل عند (إجراء التجربة) وهي شد الغشاء المطاطي من أسف الزجاجة فيدخل الهواء (الشهيق) فتمتلئ الرئتان، ثم يترك الغشاء من أسفل لحدوث (الزفير)… مع الدهشة التي ملأت نفوس أصدقائهم ورفاقهم لما يتابعون ومعلمهم يمتلئ زهوا وفخرا بهم وبحظه في قيادة تلك المجموعة
كيف نفعت تلك النماذج في حدوث التعلم بعيدا عن ضغوط ورقة الأسئلة؟
كيف طورت الأمر من مجرد استدعاء معلومات محفوظة إلى حيز مايسمى (باختبارات الأداء) عبر استخدام مداخل تدريسية محددة عند التخطيط للدرس وصور تخيلية وحقيقة ومن الواقع في ذات الوقت لنهايتات مفتوحة لمتعة التعلم بالمشاركة في مهمات وهو مانسميه فعلا (بالتقويم الحقيقي)
كل ذلك بعيدا عن ورقة الامتحان التي أثقلت على الطلاب وحصرتهم في ركن التقليدية وقتلت الإبداع وقلصت دور الطالب وساوت بين الجميع وأغفلت الموهبة وشجعت على الحفظ لا الفهم…، كما أن تلك الأساليب تقدم نماذج رائعة للتقويم تبدأ في العموم بالتقويم البديل والذي يحتضن بداخله تقييم الأداء ويقدم مايعرف لدى الأوساط التربوية بالتقويم الحقيقي …
ثم إنك وأنت تبحث عن مفهوم البيئة المدرسية الثرية والمحفزة والدالة على الإبداع ستلمس ذلك كله في المناسبات وغير المناسبات ويطلبك المعرض المدرسي لقراءة جهود المدارس المتألقة وتشدك أمور أخرى لنا معها لقاءات وكلها تركز على الكيف لاالكم، وتركز على جوانب الموهبة والأداء والخبرة ومواطن التميز، وتثري المحتوى وتعمقه في خلق تحديات واقعية للطلاب تنمي لديهم الثقة بالنفس والإيمان بما لديهم من ملكات ومهارات تفكير عليا…
ثم اترك لك تخمين مايكون عليه مستوى الوعي الثقافي وبناء الشخصية النافعة والمنتجة والمبدعة وصاحبة الشخصية وماسيكون عليه الوطن…
وإلى لقاء على طريق التطوير…