قراءة مسبقة لجهود تطوير الثانوية العامة الجديدة في جمهورية مصر العربية

قراءة مسبقة لجهود تطوير الثانوية العامة الجديدة في جمهورية مصر العربية بقلم الأستاذ وجيه السعيد البنا

القيادة التربوية دفء ووقود (٨)

قراءة مسبقة لجهود تطوير الثانوية العامة الجديدة في جمهورية مصر العربية

بقلم الأستاذ وجيه السعيد البنا.

وقبل دخول طلابنا وطالباتنا في مصر اختبارات الثانوية العامة خلال ساعات قليلة قادمة، وخوض التجربة التي عايشوها وعاشوها على مدى ثلاثة الأعوام الماضية متبرمين كثيرا ومجبورين كثيرا ومتوجسون كذلك، وفي أجواء غير صحية تركت أثرها على العالم بأسره بإصابة جائحة كورونا لما يزيد على ١٨٣ مئة وثلاثة وثمانين مليون مواطن على مستوى العالم بها، وتركت ماتركت من آثار غاية في الرعب والخوف لما صاحبها من مضار تدميرية لجهود تقدر بالمليارات ، فضلا عما سجلته دفاتر الوفيات من أعداد لايخفى على أحد كثرتها وانتشارها في العالم وتعطيل برامج الاقتصاد وبرامج الإصلاح وبرامج التطوير. وغيرها.

ولست أشك في أن التجربة التي شرعت فيها مصر كانت حتمية وضرورية قيل ماقيل وأعذر أبنائي وبناتي الذين سيعيدون بل أعادوا اكتشاف أنفسهم مع هذه التجربة ؛ ناهيك عن أنها تربويا قد خلقت لدى الطلاب ضربا من ضروب الارتباك والتوجس بل والخوف من المجهول ثم انقلب إلى البحث عن الاتزان في مرحلة عمرية هي بالأساس مرحلة تحول وبناء للشخصية ؛ فلا وصْفُها بالضغط الزائد يأتي صحيحا كون مدارات الحيرة والقلق إحدى بواعث حدوث التعلم والتكيف؛ ولا وصفها بالصحيحة يأتي مجاملة، فكم من اضطرابات وقعت لنا وأحدثت فينا هزات حولت مسار حياتنا ونقلتنا إيجابيا كقطعة النقد تقع فلا تستقر إلا بعد التقلب والدوران…

وقد عشت بعض الوقت مع التجربة وهنا أركز على نوعية الأسئلة مكتفيا بها فقط منتجا للاختبارات الشهرية في مادة اللغة العربية في النظام القديم، وممارسا ومدربا ومتدربا في النظام الجديد، وفي كل هذا كنت مؤمنا بها متحمسا لها، وعملت على تقييمها أول خوضها واستطعت أن أسجل بعض العقبات على عدة مستويات وأقول مخلصا إن ذلك كان في بداية التجربة :

أولا :على أساس الصدق فيما يخص الطلاب؛ فقد اقتنعت بوجود عادات غير مقبولة بل وسيئة وأبرزها ترك بعض الأسئلة عند الإجابة مع بعض التوتر، وهذا طبيعي…

ثانيا : على مستوى لغة الاختبار، فقد جاءت لغته واضحة قوية رصينة غير أن معامل الصعوبة فيها كان مرتفعا وبعيدا عن المحتوى كونه يقيس مهارات غير الحفظ والتطبيق….، وهذا لم يقدره المتعاملون معه أول التجربة وشعروا به واعترفوا بجمال الأسئلة وأن اقتصر تعبيرهم على الدهشة فقط…

ثالثا : وهي الأهم كونها تتعامل مع كيفية تنفيذ الاختبار وإدارته، فقد سجلت الأحداث بعض الاضطراب لاختلاف البيئات والإمكانات التقنية مع انتشار الأخبار عن التابلت كوسيط تقني جديد يرفضه البعض أو يقبلونه وسرعان ماعولج ورقيا احتياطا وفي مرات عديدة حتى لو فسر ذلك (كردة فعل) تبدو مقلقة وتبعث على الارتباك في بداية التنفيذ… كما ساءني وساء غيري تسريبات من هنا أو هناك يشجع عليها متطفلون ومعطلون…

رابعا : التغذية الراجعة حول التجربة، وهنا أؤكد على مرونة كافة الأطراف قدر استطاعتها ونجاح توظيف المتاح لتلافي بعض الملاحظات وغض الطرف عنها واخذها في الاعتبار خصوصا أن أحدا لم يزد على قوله (الاختبارات صعبة) والسبب هو البعد عن محدودية المحتوى … والواضح طبعا ألاعودة للوراء… مع استمرار الدولة في دعم القرار وتنفيذ الخطة باهتمام…

واستمرت متابعتي لنوعيات الأسئلة منذ الصف الأول الثانوي وقبل ثلاثة الأعوام المنقضية، وشاركت في تصحيحها ورقيا، وأزعم أنني أستطيع الحكم عليها، وأدير حوارات مع أكْفَاء ومهرة من زملائي بشأنها من أجل زيادة تعلمي وقدراتي من ناحية…، ومن ثم نشر ثقافة التفاهم المبنى على الإنتاج الفعلي والتقريب الواقعي، وقد ساعدني في ذلك تجربتي الإشرافية التي عُنِيتُ في فترة رائدة من فترات عملي بالمشاركة مع زملاء لي في إنتاج وتحكيم واعتماد بنوك أسئلة على طريق تطبيق برنامج يهدف إلى مثل هذا،

ومع الملاحظة وبسؤال معلمين وطلبة موهوبين… لم يختلف اثنان حول توفر المعايير التربوية اللافتة والمختلفة. وإن لم يكن لدى بعضهم أدوات الحكم الفنية إلا من باب المقارنة وقدرة الأسئلة على تحريك الفكر والأذهان،واتفاق الغالبية وبنسب كبيرة على أنها لايؤخذ عليها إلا بعض مآخذ تركزت حول:

# اقتصارها على الاختيار من متعدد…

# قصور معالجة مهارات التعبير الكتابي الذي صار فيه أبناؤنا مهرة وظيفيا بفضل تواصلهم عبر البرامج التي خلقت للتعبير الوظيفي معنى تفاعليا وجديدا عبر وسائل التواصل

# وربما زعم بعضهم قصور الاختبار عن قياس مهارات الاستماع كمهارة لغوية ينبغي أن تعالج…،ونؤكد أن نظاما قديما قد عالجها في الاختبارات،ونحن نعلم أن المهارات الشفوية خلال رحلة التعلم تسد هذا الباب…. ولقد أنقل عن خبراء إجماعهم على مايلي :

@ تحرر الاختيار للمواد المقروءة بعيدا عن موضوعات محددة وتغير مفهوم المحتوى المرتبط بالكتاب المدرسي وخيرا فعلوا حين سمحوا ويسمحون للطلاب بأصطحاب الكتاب المدرسي .

@ التحول من الحفظ والتطبيق إلى قياس مهارات أخرى كالفهم والاستيعاب والتحليل وغيرها وبأسلوبه مختلف ومتنوع .

@ تكوين المهارات والعلاقات الارتباطية.

@ تربية حس النقد وملكة التذوق.

@ اتساع عمليات العلم كالموازنات والوصف والقياس والتنبؤ والاستنتاج والملاحظة….

بل إنني أؤكد على :

& التغير في طريقة الصياغة.

&تغطية معظم مهارات سلم بلوم.

& تطور (كم وكيف) التحول من أسئلة الحفظ والتطبيق نحو الفهم والتركيب والتحليل. والمهارات الإبداعية والأسئلة التي تتحدى الطلاب

& تغطية وحدات المحتوى وسائر الوحدات الدراسية في كافة المواد وبنسب موزونة .

&العناية بالتعلم القبلي والربط التراكمي للمواد العلمية .

& تكرار تجارب التقويم وبأكثر من طريقة.

& تحول قناعة وعطاء المعلمين وتطور استجابة بعضهم ولاأقول كلهم و حدوث طفرة في مطالعاتهم ومعايشتهم للتجربة مع طلابهم وإن تفاوتت نسبة حماسهم نحو الإيمان بالهدفحفاظا على جو المنافسة العلمية فيما بينهم.

& مرور (بعض الطلاب المتميزين والموهوبين) بتجريب التعلم الذاتي ومواجهة المشكلة والبحث عن حلول لها وخلق فرص للتواصل مع مصادر تعلم كالمعلم والحاسب وبعض المواقع والمنصات فأحدثت التعلم الدائم وقربت مفهوم التعلم للغد وللحياة وأؤكد ان هذا الفعل كان بطيئا وشبه يائس في أول الأمر… وأخشى أن يطول هذا الوصف بل وأتمنى زواله مع ظهور نتائج قياس مرحلتنا هذه…

& الإصرار على تنفيذ التجربة استجابةً لجديد العلم التربوي قللت الالتفات للوراءوأغلقت خيارات : التردد والانصياع والإحباط

& إحداث حالة قلق بدت سلبية ثم تحولت إلى إيجابيةولو بدافع الاستسلاممما أدى إلى البحث عن التوازن وتجاوز خطوط الخوف والدخول بل والانهماك مع الفعاليات….

& دخول نماذج تقويم حديثة في صورة النظام الجديد وتيسير عمليات التصحيح المميكن وأخذ الحيطة لتجاوز ردات أفعال الطلاب وأولياء أمورهم، ونتمنى انعكاس ذلك مصداقيًة وترتيبًا وفرزًا…

كل هذا وغيره ربما وبشكل شبه أكيد سيجعل الأعوام القادمة مختلفة تماما وسيخلق نظاما تعليميا يعتمد فيما يعتمد على :

١تقليل الرهبة من الاختبارات.

٢زيادة مساحة التعلم التفاعلي ولا أقول التقني وإن كانت التقنية أهم أدواته كواحد من ضروريات عصر التكنولوجيا.

٣بداية حقيقية لاختفاء أحادية مصادر العلم المعتمدة على المعلم وحده، و تطور دوره بشكل ما وتنوع صور التبادلية بين المتعلم وأدواته في سبيل حدوث تعلمه .

٤الاستعداد لكل أنواع عمليات العلم ذاتية وجمعية ومع زميل ومنها التعلم التفاعلي.

٥زيادة التأثير الإيجابي في تكوين الشخصية وهو أحد أهداف تعميق المحتوى تحت مسمى: (أتعلم لأكون…)

(أتعلم لأفكر ولأفهم…)

(أتعلم لأتعايش)

(أتعلم لأكتسب مهارات…)

(أتعلم لأنفع نفسي ومجتمعي)… وهذا تجده في المناهج الجديدة والمدارس الحديثة مثل اليابانية ومثيلاتها في التعليم التجريبي والمطور بأنشطته وقاعاته وانتشارها في القُطر…

٦توجه التعلم بعد المرحلة الأساسية نحو المدارس التطبيقية والمهنية التي تجعل سوق العمل أحد مرتكزاتها.

طموحات :

** سيكون بديعا صدور نتائج ذات مصداقية…

** سيكون مفيدا جدا للوسط التربوي خروج نتائج إحصائية صادرة عن مركز القياس تذكر إيجابيات وسلبيات التجربة وتنهض بعمل المشرفين وأصحاب الشأن…

** سيكون رائعا طرح ذلك على مؤتمر تربوي يناقش مدى نجاح التجربة من عدمها ومواحهة سلبياته بكل صدق وتتابع عمليات التغذية الراجعة.

** سيكون جميلا الإعلان عن موعد دخولنا القياسات الدولية خلال السنوات القليلة القادمة لقياس مدى نجاحنا و تقدمنا من عدمه على مدرج تقويم الدول التي تعمل على تطوير تعليمها وتعلمها.

** سيكون مدهشا مشاركة أولياء أمور من الوسط التربوي والأكاديمي الجامعي في تقويم التجربة والإدلاء بأبحاثهم فيها…

كل الدعاء المخلص لأبنائي وبناتي بمستقبل سعيد.

إلى اللقاء…

انضم إلينا على صفحة فيسبوك 1

You May Also Like