هجـــــــرة العقــــول
بقلم الدكتور يحيى القبالي
يبتهج الفرد عندما يرى تقّدم جامعات وطنه على مقاييس الجامعات العالمية، ويزداد ابتهاجا عندما يسمع بزيادة النفقات على البحث العلمي؛ لأن رأس المال البشري أهم الموارد التي تعتمد عليها الدول على الإطلاق، ولكن حين يتسنى له الاطلاع على التقارير التي تهتم بهجرة العقول، يقف مصدوما من الإحصائيات التي تتحدث عن خسائر الوطن العربي جرّاء هذا السلوك، فقد تجاوزت هذه الخسائر أكثر من( 200) مليار دولار أمريكي
وفي التقارير الصادرة عن : جامعة الدول العربية ومنظمة اليونسكو والبنك الدولي ، تشير أن الوطن العربي يساهم بنسبة الثلث من هجرة العقول من الدول النامية، وأن ما يزيد عن (100) الف من الأطباء والمهندسين والعلماء من ثمان دول عربية تهاجر كل عام إلى خارج بلدانهم
وتشير التقارير إلى أن 50%من الأطباء ، و23%من المهندسين، و15%من مجموع الكفاءات العربية تهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، وكندا.
وفي هذه الأثناء يتساءل المرء : لماذا يقدّم الوطن العربي فلذات أكباده وكفاءاته على طبق من ذهب لهذه الدول؟
ما ذا نعني بهجرة العقول Brain Drain؟
هو مصطلح يطلق على هجرة العلماء والمتخصصين في مختلف فروع العلم من بلد إلى آخر طلبا لرواتب أعلى أو التماسا لأحوال معيشية أو فكرية أفضل.
الأسباب والنتائج:
يقول الخبير الاقتصادي في البنك الدولي (تشالار أوزدن) :”إن الأسباب وراء مغادرة الناس لبلدانهم ترتبط بأوضاعهم الاقتصادية ، فإذا تم تحصين وتنمية البلاد والحياة العامة للمتعلمين فسوف يبقون“.
وتشير تقارير اليونسكو أن هجرة العقول نوع سلبي من أنواع التبادل الثقافي لأنه يتدفق في اتجاه واحد.
أسباب هجرة العقول:
1-الفوارق في الأجور: يمثل هذا الشكل أهم الأسباب التي تدفع بالكفاءات للهجرة ومغادرة بلدانهم وأهليهم، وقد لا يعودون إلى أوطانهم أبدا.
2-عدم تطبيق سيادة القانون ، ويتمثل في سرقة الانجازات.
3-غياب العدالة الاجتماعية، عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
4-البحث عن بيئة اجتماعية داعمة، حيث يتوافر الأمان الاجتماعي والوظيفي، والتعامل مع أي مواطن على أنه رقم مهم في مجتمعه ، ولبنة في بناء المجتمع، وتقدير انجازاته مهما كانت ضئيلة.
أشكال هجرة العقول:
1-السفر للدراسة بالخارج: هناك عدة أسباب متنوعة تدفع بخريجي الثانوية العامة للسفر إلى الخارج ، منها : المنح المقدمة من الحكومات على شكل تبادل ثقافي، ومنها ثقافة الأسرة التي تعتبر أن جودة التعليم في بلد ما أفضل من بلدها، ومنها تدني مستوى التحصيل الأكاديمي أو عدم موافقته للتخصص المطلوب ويمكن دراسته في بلد ما…، ومهما اختلفت الأسباب وتنوعت يبقى مثل هؤلاء الخريجين مصدرا للعملة الصعبة داعما للبلدان التي توجهوا إليها. ونزيفا ماديا بالنسبة للبلدان التي غادروها أبناؤها، وأغلبهم لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية.
2-هجرة الكفاءات للبحث عن مصدر رزق مضاعف: كما أشرنا سابقا بأن أهم أسباب هجرة العقول يتمثل في الفوارق في الأجور، وهو هاجس كل فرد لتأمين مستقبله.
3-هجرة الكفاءات للتمتع بالعدل الاجتماعي وتحقيق الذات والانطلاق نحو الإبداع.
آثار هجرة العقول:
تشير التقارير إلى أن نصيب الدول العربية من براءات الاختراع ضئيل جدا ولا يكاد يذكر بينما تساهم الدول التالية بنسب متفاوتة :
1-أوروبا 47.4%
2-أمريكا الشمالية 33.4%
3-اليابان والدول الصناعية الجديدة 16.3%
وكلمة أخيرة:
إذا أردنا ان نحافظ على مقدراتنا وانجازاتنا فمن الضرورة بمكان أن تكون مجتمعاتنا جاذبة للعقول وحاضنة لها ، و تعمل كفريق متناغم مساند لبعضه بعضا حريصة على انجازات أبنائها، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ويسودها العدل الاجتماعي.