نوستالجيا التعليم بقلم: د. يحيى أحمد القبالي

الإدارة الصفيّة ومهارات القيادة

نوستالجيا التعليم

بقلم: د. يحيى أحمد القبالي

يشير مفهوم النوستالجيا(Nostalgia) وهو تعبير سيكولوجي أوجده (Johanne Hofer) إلى حيلة دفاعيّة تتمثّل في الحنين إلى الماضي، يستخدمها العقل لتحسين الحالة النفسيّة للفرد ولتحسين المزاج خاصّة عندما تواجهه صعوبات في التكيّف وعند الشعور بالوحدة .

وتُعدّ هذه الحالة من الحالات المهمّة للصحة العقليّة والنفسيّة، ولها فوائد جسدية وعاطفية، فهي أسلوب ناجح في محاربة الاكتئاب وقتيًا، وتعزّز الثقة بالنفس والنضج الاجتماعي.

وتنشأ هذه الحالة بسبب ظروف صعبة يعيشها الشخص في حاضره ، ربّما للهروب من الحقيقة الواقعة، أو لأنّه غير مهيأ لما يحدث له الآن، أو لأنّ له بالفعل تجارب مفرحة في الماضي جعلته سعيدًا ولم يعد قادرًا على إيجاد أسباب تجعله كذلك في الوقت الحاضر، فيلجأ إلى الانتقائية والتعميم والمبالغة المفرطة، ويعتمد التعبير عن هذه الحالة على قدرات الفرد على تصويره للماضي، فمن الأفراد من اختار الشعر سبيلًا لذلك ومنهم من اختار الرسم، وأكثرهم إختار تسلسل الأحداث بلباس قصصيٍ ورواياتٍ.

ولو أستعرضنا الواقع التعليمي في الأردن في هذه الأونة، نجد أنّ أكثر ما كُتب ويكتب هو حالة من النوستالجيا، تمثّلت في استرجاع خبرات الماضي التعليمي في الأردن بحرقة وألم لما أصبح عليه الحال من تراجع وضعف في المخرجات كان عنوانها الأميز هو : فقر التعليم، حيث وصل التعليم في الأردن إلى مستويات منخفضة حسب التصنيفات العالمية والعربيّة لم يسبق لها من قبل.

لقد أجمع العاملون في الحقل التربوي على أنّ هناك خللًا في منظومة التعليم أودى بما انجزته من نجاحات على الصعيدين المحلي والعربي، وأخفقت في تحسين تلك الصورة التي كانت ناصعة البياض وأثبتت جودتها بقوة حتى استعانت بخبراتها كثير من الدول رغم ضعف الامكانات يومئذ، و ونادت جهات مختصّة في المجال التربوي لتدارك ما يمكن تداركه في ظل هذا الواقع المأزوم .

إنّ التغنّي بأمجاد التعليم السابقة لا يسمن ولا يغني من جوع، فالأمر يتطلّب جراحة سريعة لما آل إليه حال التعليم اليوم، والبحث والتدقيق في أسباب ذلك الوضع المزري، إنّ وضع الأصبع على الجرح لا يكفي، ولكن لابدّ من علاج ذلك الجرح ليس لشفائه وحسب بل لوضع خطة استشفائية طويلة الأمد لعدم عودة الألم مرة أخرى.

لقد قام بعض المخلصين في المركز الوطني لتطوير المناهج وعلى رأسهم الخبير التربوي د، محمود المساد، والدكتور ذوقان عبيدات، قبل سنوات بوضع خطة لتدارك وضع التعليم في الأردن انبثق عن هذه الخطة تشكيل فريق من المختصين بالمجال التربوي بلجنة أطلق عليها لجنة تجويد التعليم وبلجان فرعيّة تتبعها، وتمّ برمجة لقاءاتها للخروج بصيغة بيان يتمّ توجيهه إلى الجهات العليا؛ من أجل بلورة التوصيات إلى واقع ملموس، تشرفت كعضو في هذه اللجنةوكانت الأسئلة المطروحة على هامش هذه القاءات:

1-هل سيكتب لهذه اللجنة الاستمرارية؟

2-هل ستكون توصيات هذه اللجنة قابلة للتطبيق والحماية؟

ولم تكن هذه الأسئلة وليدة تلك اللحظة، بل انبثقت من رحم تجارب متراكمة لم يكتب لها النجاح.

فواقع الحال يخبرنا: إذا كنّا نبني مالا نستطيع الدفاع عنه ، فلمن نبنيه إذًا؟

ومتى يبلغ البنيان تمامه، إذا كنت تبني وغيرك يهدم؟

وبطبيعة الحال من منطلق القوّة الوظيفية لأعضاء مركز تطوير المناهج وبرئاسة وزير سابق للتربية والتعليم ، كانت تلك الأسئلة في حينها غير مبررّة، ولكن للأسف تمّ محاربة تلك اللجنة ، ووضع العثرات في طريقها، بل التنمّر على من وضع تلك الخطة، حتى آل مآل التعليم إلى هذا الواقع الذي لا يمكن وصفه إلّا بعبارات العزاء.

وأصبحت تلك الأسئلة التي كانت نبوءات حقيقة واقعًا معاشًا وأصبحت الإجابة عليها بلا.

والسؤال المطروح على الساحة التربويّة في هذه الأثناء:

هل سيكون لنا عودة لما كنّا عليه من تميّز يشار إليه بالبنان، وتصدّر الموقف بقوة وعزم؟

لا أرى شخصيًا ما يمنع من ذلك، فما زال هناك انتماء يسري في دماء الغيورين على الوطن ومكتسباته، وفي الوقت نفسه هم قادرون على التغيير للأفضل، باستمرارية إن توفّرت لهم الحماية .

وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)

Massad CRM

Loading...
Play ButtonPlay Button

You May Also Like