الإدراك والوعي الذاتي والانفعالي وعلاقتهما بتعلُم الطلبة
بقلم
الدكتورة وفاء فياض الدجاني
دكتوراه مناهج وتدريس
مقدمة
تُعد الرعاية المبكرة أمراً ضرورياً لمساعدة الأطفال على فهمهم لنقاط القوة والضعف لديهم وزيادة شعورهم بالسيطرة على مشاعرهم ورفع مستوى وعيهم الانفعالي والذاتي بما ينعكس إيجاباً على بناء ثقتهم بأنفسهم وجعلهم يشعرون بالرضا عن ذواتهم كونها ذات مساس عميق بنفسية الطفل ولها تأثيرعلى بقية المجالات الحياتية الأخرى؛ فالوعي لدى الطفل يُمثل حالة من الإدراك الذي يجمع بين تفعيل دور العقل والمشاعر بشكل يساعده على فهم ما يدور حوله وتنظيم علاقته بالموجودات المحيطة به، ويرفع من قدراته مع مرور الوقت على تصنيف المثيرات الانفعالية والاعتدال والتسامح في مشاعره، فمستويات الوعي المتدنية تُنتج في أغلب الأوقات أشخاصاً متطرفين سريعي الاندفاع ومتهورين في أحكامهم.
مفهوم الوعي(Awareness)
الوعي في اللغة يدل على فهم الشيء وحفظه وفقهه، وفي علمي النفس والاجتماع له دلالات عديدة، فاكتمال الوعي لدى الإنسان يتطلب العمل على تنميته بشكل مستمر من خلال تطوير القدرات الفكرية وربط تلك القدرات بالتجارب الحسية التي تشكل الخبرات الذاتية في الحياة؛ فالصورة والخلفية التي يكوِّنها الطفل عن نفسه، وما يرتبط بهذه الصورة من إحساس بالرضا أو عدم الرضا عن نفسه منذ الصغر هو ما يُسمَّى بتقدير الذات، ومن هنا يتبين لنا مدى ارتباط المفهومان ببعضهما البعض، فإذا كانت صورة الطفل عن نفسه إيجابية فإنه من الطبيعي أن يشعر بالاعتزاز والرضا بهذه الذات، وإذا كانت صورته عن ذاته سلبية فسوف يكره ذاته ويحتقرها.
وتتعدد أنواع الوعي حسب مجالات المعرفة، ومن أبرز تلك المجالات: الوعي الأخلاقي، والوعي التربوي، والوعي البيئي، والوعي الاقتصادي، والوعي الثقافي، والوعي الاجتماعي، والوعي الصحي، والوعي الفكري.
وتظهر أهمية الوعي الذاتي والانفعالي في مرحلة الدراسة الأساسية لدى الأطفال كونها عامل مهم ورئيسي لمساعدتهم في التواصل بشكل فعّال مع معلميهم وأقرانهم من خلال التعّرف على مشاعرهم وتعابيرهم الجسدية في أي موقف تفاعلي كان، كما أنها تساعدهم على معرفة مشكلاتهم وحالتهم الصحية، فالأطفال الذين يعانون من شكاوى جسدية ومزاجية سلبية كالقلق والاكتئاب سيتمكنون حتماً من تحديد انفعالاتهم وتمييزها بسهولة وبالتالي تساعدهم على سرعة الشفاء.
وسائل وأساليب تنمية التقدير الذاتي لدى الطفل
تُشكل عملية إكساب الطفل للمهارات المختلفة أمراً ضرورياً لتنمية التقدير الذاتي لدى الطفل، فكلما إكتسب الطفل مهارات أكثر كلما زاد تقديره لذاته، فمثلاً المهارات اللغوية مهمة جداً لتنمية التقدير الذاتي للطفل وأفضل ما ينميها تعلم الطفل للقرآن الكريم وكذلك تشجيعه على حفظ بعض الأبيات الشعرية وتشجيعه لإلقائها أمام الجمهور في المناسبات المتنوعة، وكذا الأمر بالنسبة للمهارات الحركية كالسباحة وألعاب الدفاع عن النفس والرياضات المختلفة، والمهارات الاجتماعية كبناءالعلاقات والترحيب بالضيف وغيرها من المهارات التي لها دور في تنمية تقدير الذات لدى الطفل. ومن الأمور الهامة في هذا السياق أيضاً تلبية حاجات الطفل بشكل كافٍ سواء أكانت حاجاته العضوية التي تُمثل الطعام والشراب والملابس والمصروف، أو حاجاته النفسية من مثل الحاجة للأمن والحب وتحقيق الذات.
مصادر الوعي الذاتي
من هنا يتبين لنا أن العقيدة والشريعة التي تؤمن بها الأمة والأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الاتصال المسموعة والمرئية والمقروءة والحي والمجتمع في قيَمه وعاداته ونظمه وقوانينه ومؤسساته الاجتماعية والحكومية تُمثل أهم مصادر بناء الوعي الذاتي للطفل، كما يجب عدم إغفال قدرة الطفل نفسه على تحقيق هذا الأمر من خلال التعلم الخبراتي أو التجريبي؛ فالطفل بما حباه الله من العقل والفطرة السليمة قادر على التفكير الذي يُعتبر مصدراً مهماً من مصادر الوعي الذاتي، لذا فإنه لابد من الاهتمام بالطريقة التي يتم فيها نقل المعارف والأفكار والقيم والاتجاهات للطفل والتركيز على بناء إمكاناته وطاقاته وخبراته وخرائطه الذهنية والإدراك والقدرة على التحليل والاستنباط واتخاذ القرار بقبول الشيء أو رفضه أو التراجع عنه.
مفهوم التعلم الخبراتي أو التجريبي
يقصد بالمفهوم الحديث للتعلم الخبراتي أو التجريبي أنه: العملية التي يتم من خلالها صنع أوتشكيل الدارسين لمعارفهم ومفاهيمهم من خلال انخراطهم في أنشطة ذات تأثير عاطفي وعقلي ضمن بيئتهم الاجتماعية والحيوية. وقد وصف كولب هذا النوع من التعلم بأربعة أفعال كالآتي: “يفكر“؛” يشعر“؛ “يلاحظ “؛ و” يتصرف“.
نظرية كولب التعليمية
هي نظرية تعليمية تجريبية قدمها العالم ديفيد كولب في كتابه «التعلُم التجريبي» تنص على أن «التجربة هي مصدر التعلُم والتطور» وبناءً على هذه النظرية يمكن بناء أساليب التعلُم على اعتبار أنها سلسلة متصلة ترتكز على ثلاثة محاور نقدمها لكم كنموذج للتطبيق العملي كالآتي:
تطوير العملية التعليمية بالاعتماد وبشكل رئيسي على التجربة؛ فالتجربة المادية أساسها الانغماس والمراقبة والملاحظة للظواهر محل الدراسة.
أهمية بناءالأنشطة التعليمية لتنفيذها أثناء التعلُم وصولاً لنظريات تشرح الملاحظات.
التركيز على تنمية الذكاءات المتعددة وخاصةً الذكاء الناتج عن عملية التفاعل بين المتعلم والبيئة واستخدام النظريات في حل المشاكل واتخاذ القرارات.
إن الاتجاهات التربوية الحديثة تركز على جعل الطالب محور العملية التعليمية التعلُمية إذ أكد الباحثون والمربون على ضرورة استخدام أساليب متنوعة وحديثة للتدريس وجعلها أكثر فاعلية. والتعلُم الخبراتي ليس محدوداً فقط في عملية اختبار وتجريب أشياء أو أدوات معينة، أو أحداث أو ظواهر بل إنه يمر بمراحل ضرورية لضمان التأكد من فعالية هذا النوع من التعلُم. وبالمجمل فإن نظرية كولب تعتمد على المهمة ومراقبتها بمعنى (الملاحظة) كنقطة البداية وتنتهي بأداء المهمة المُحددة (الفعل أو الأداء) المُعتمد على التفكير والشعور حيث يكون الشعور أو (المشاعر المستجيبة) والتفكير المبني على أساس رفع قدرة الفرد على التحكم بها نتيجة حتمية للوصول إلى أن تكون (مشاعر مُتحكم بها).