موهوبون ومتفوقون في مهب الريح
إعداد: د. يحيى أحمد القبالي
يجد المتتبّع لمجال الموهبة والتفوق تراكمًا كبيرًا في هذا المجال تمتد جذوره لأكثر من نصف قرن، وتتسارع وتيرة هذا التراكم لدى الغرب بشكلٍ كبير ولكنّها ظلّت بطيئة على المستوى العربي، واقتصرت أكثر المؤلفات العربيّة على الترجمة والنقل – المشوّه في كثير من الأحيان – بشكل حرفي لما يقوم به الغرب من أنشطة في هذا المجال
وعلى مدار الخمسين سنة الماضية أو ما يزيد فقد كان الخلط هو السائد على تلك المؤلفات أو ترجماتها، ولا يقتصر هذا الحال على بلد دون آخر
ومما زاد الأمر تعقيدًا انتشار مراكز التدريب والاستشارات غير المتخصصة في مجال الموهبة والتفوق وتصدّرها للمشهد الثقافي من خلال النقل الحرفي لما جاء في كثير من المؤلفات التي شابها هذا الخلط ، بالإضافة إلى تجارب بعض الدّول غير الناجحة والتي تم تناسخها دون تمحيص أو أدلة علمية تثبت ما فيها على أرض الواقع.
وإذ تتبعنا حركة الموهبة والتفوق في الأردّن ، فإنّ هناك جانب مضيء من الممكن تسليط الضوء عليه تمثّل في إنشاء المجلس العربي للموهوبين والمتفوقين في العاصمة عمان في عام 1996م حيث كان وما زال كمظلة للمهتمين من الدّول العربيّة كآفة واستطاع لم شمل المتخصصين في هذا المجال، وتم عقد أكثر من( 14 ) مؤتمرًا ضم جل الدّول العربية.
من جهة أخرى تعثّرت جهود وزارة التربية والتعليم في تطبيق برامج الموهبة والتفوق في مدارسها لأسباب عدة، من ضمنها، عدم وجود التشاركية مع الجهات التي تهتّم بهذا الجانب ليس على مستوى المجلس العربي للموهوبين والمتفوقين وحسب بل على مستوى الجهات الحكومية والخاصة الأخرى، وكان الخاسر الأكبر هم شريحة الموهوبين والمتفوقين من الطلبة، بالإضافة إلى الضبابية التي سادت أثناء تنفيذ تلك المشاريع.
وتوالت الاحباطات لوجود اختلافات جوهرية في تعريفات الموهبة والتخصص بسبب المرجعة التي انطلقت منها تلك التعريفات بالإضافة لإصرار كثير من الجهات الاستقلال عن المجلس العربي للموهوبين والمتفوقين بنفسها ، وذهبت أكثر الجهود أدراج الرياح.
لقد اختلطت كثير من المفاهيم والمصطلحات واتسع الخرق على الراتق وما زال ذلك الخلط يزداد يومًا بعد يوم ، وتتابعت الجهود بشكل طغت عليه الفردية لنشر ثقافة الموهبة والتفوق دون وجود يد العون، ودون وجود عقد تربوي يجمع الجهات التي تهتم بموضوع الموهبة والتفوق، وتنازعت جهات عدّة محليّة وعربيّة الانفراد موضوع الموهبة والتفوق ونأت جهات أخرى بنفسها عن تلك التجاذبات وطبّقت مبدأ التعلّم بالصواب والخطأ، فكان تأثير هذا الواقع سلبيًا على الدارسين الذين دفعت بهم ميولهم العلمية لدراسة مساقات الموهبة والتفوق في الجامعات، فاصطدموا بالواقع المرير، فكثير منهم لجأ إلى تغيير مسار خطته الجامعية، بل أن الأمر قد ازداد سوء في بعض الجامعات لإغلاق مسار الماجستير الخاص بالموهبة والتفوق لعدم وجود جدوى لتطبيقه.
وليس من الحكمة أن نشير إلى نقاط الضعف دون أن نعالجها، أو نشير إلى الخطأ دون توفير البديل الصحيح .
وما زالت الجهود الحكومية في هذا المجال غير ناضجة حيث يتداول بين المختصين تقييم الجدوى التي وجدت من أجلها مدارس الموهوبين والمتفوقين أو الجهات التي تهتم بهذا الجانب حيث يتمثل عملها في أغلب الأحيان على المسابقات العلمية دون أن يكون لها يد في تلك الموهبة أو ذلك التفوق، وضاعت أكثر الجهود وأنفقت مئات الألف بل الملايين دون فائدة تُذكر وأصبحت المؤتمرات تعقد تباعا من أجل الاجتماع فقد وتكرار لما مضى.
ولكننا ما زلنا نعقد الآمال على تدخل حكومي يجمع كلّ تلك الجهود في بوتقة واحدة ، بمختصين يتمتعون بالكفاءة والمهنية والموضوعية، ولعل المجلس العربي للموهوبين والمتفوقين يكون على هرم تلك الخطة الحكومية الشاملة وينهض بهذا التخصص ويحافظ على هذا الإرث العظيم الذي شيّد بنيانه الأستاذ الدكتور فتحي جروان( رحمه الله) ويكمل مسيرة البناء، لينعم الموهوب بموهبته وينعم المتفوق بتفوقه، وينعم بهم الوطن جميعًا.
إقرأ المزيد لمقالات التربويون العرب