مدرسة رمضان: تعلُّم وترسيخ قيم بقلم الدكتورة وفاء فياض الدجاني

مدرسة رمضان: تعلُّم وترسيخ قيم

بقلم

الدكتورة وفاء فياض الدجاني

يُعتبر شهر رمضان المبارك من أهم شهور العام بالنسبة للمسلمين، فهو شهر البركات والطاعات والحسنات، وهو شهر الصوم والطاعة وتلاوة القرآن الكريم، والشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم وفُرض فيه الصيام الركن الرابع من أركان الإسلام وواحد من الفرائض التي اختص الله بثوابها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:” قال اللهُ عز وجل: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيامَ ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِرواه البخاري.

والكثير من الطلبة تواجههم في رمضان مشكلة عدم التركيز وعدم القدرة على المذاكرة بالمستوى الذي كانوا عليه قبل رمضان، فمن المتعارف عليه أن أي ارتباك في أنظمة الطعام والشراب التي تدخل جسم الإنسان تُحدث تغييراً في آلية العمل التي يعمل بها الجسم والعقل، وهذا بالطبع يحدث بشكل كبير في رمضان في أوقات الصيام. وبعيدًا عن الجدل الفقهي المثار حول حكم إفطار الطلبة للدراسة وعند تقديم الإمتحانات، يرى أطباء وخبراء متخصصون في التغذية، أن للصوم تأثيراً إيجابيًا على تركيز الطالب/ الطالبة وعلى قدرته على الاستيعاب، وذلك على خلاف المشاع بين الجميع؛ فالحرمان من الطعام يزيد اليقظة عند مختلف الكائنات الحية، وهو ما أظهرته الأبحاث العلمية حول دور الصيام في زيادة تركيز الطلبة عند الدراسة. لذا وللإفادة من هذا الشهر الفضيل أعرض لكم مجموعة من الأفكار التي يُمكن أن تُساهم في جعل شهر رمضان المبارك هذا العام بداية تجربة تدريبية حقيقية لا تُنسى وطويلة الأمد لكم ولأطفالكم.

أولاً: تحدث مع طفلك عن الإسلام وعن شهر رمضان

رمضان فرصة عظيمة لتعليم طفلك العقيدة الإسلامية، لذا يمكنك أن تمنح طفلك الفرصة للذهاب إلى المسجد أو القيام بالبحث عن المعلومات المختلفة حول تاريخ الإسلام، وهي فرصة أيضاً للحديث مع أطفالكم والكشف عن الخرافات والمفاهيم الخاطئة الشائعة أيضاً. ذكّروا أطفالكم أنهم يؤدون العبادات لإرضاء الله، اشرحوا لهم لماذا نحتاج إلى إرضاء الله وكيف أن كل عمل بما في ذلك غسل الأطباق أو القيام بالواجبات المدرسية سيساعدنا في تحقيق هذا الهدف وهو إرضاء الله.

ثانياً: كشف الغرض

إذا كان الأطفال لا يرون الغرض أو الأهمية من القيام بعمل ما فلن يكون لديهم الدافع لإكماله، فكثيراً ما نسمع الأطفال يشكون، لماذا يتعين علينا القيام بذلك؟ولسوء الحظ كثيراً ما نسمع ردودًا مثل: “لأنه يجب عليك، أو ستحصل على هدية إذا قمت بهذا العملوهكذا. لذا لابد من الإشارة هنا إلى أهمية توضيح الغرض من طلب الأهل من الطفل القيام بعمل محدد لهم لتجنب الحصول على تعليقات مماثلة من أطفالك حول الصلاة أو الصوم، تأكد من أنهم يفهمون الغرض من فريضة الصيام، وقبل أن تبدأ في أي حديث معهم اشرح لهم بالضبط الأسباب والفوائد التي سيكتسبونها من التزامهم بالصلاة والصيام وغيرها من الفرائض فالأطفال غالباً يشعرون بالاندماج عندما يشرح لهم الأهل من حولهم عن أمورهم الحياتية التي تخصهم.

ثالثاُ: التركيز على الأفكار الكبيرة

احتفظ معظمنا بالقليل جدًا من التفاصيل التي تعلمناها خلال حياتنا، وهذا الأمر سيحدث مع أطفالكم، لذا يجب التأكد من أن القليل الذي يحتفظون به هو بالضبط ما تريدهم أن يتذكروه من خلال التركيز على الأفكار الكبيرة، مثل الوعي بأن الله يراقبنا وأننا نستقي أحكامنا من القرآن والسنة، وأن الصلاة وسيلة لتطهير الذات. ولتحقيق ذلك احرص على تكرار هذه الأفكار كل يوم بطرق مختلفة فبينما يغرس أطفالك هذه المبادئ في أذهانهم، أظهر لهم كيفية التعلُم والوصول إلى المعلومة بمفردهم عندما يحتاجون إليها.

رابعاً: توفير الوقت والمساحة للصلاة

تُعتبر الجهود الروحية مهمة بشكل خاص خلال شهر رمضان المبارك وغالبًا ما يقوم المسلمون الذين لا يؤدون الصلاة في الأيام العادية بالانتظام بها، والذين يصلون بشكل منتظم قد يصلون أكثر خلال هذا الوقت. لذا من المهم توفير الوقت والمساحة المناسبة للصلاة لأطفالكم، وتتمثل إحدى طرق إنشاء هذا النوع من المساحة في تقديم وقت اليقظة الذهنيةوبشكل دوري، حيث يمكن للطفل خلال الصلاة أو التأمل أخذ استراحة ذهنية قصيرة مما يفعله.

خامساً: شارك أطفالك في التعبير عن مشاعرهم

عندما ينخرط الأطفال عاطفيًا في نشاط ما، نادراً ما يريدون تركه، وبصفتنا آباء وأمهات ومعلمين يمكننا استخدام نفس الأسلوب في التدريب. لا تخف من إثارة بعض المرح أثناء متابعة تعلم أبناءك وضع في اعتبارك أن طفلك لن يفقد أي محتوى تعليمي بل على العكس. القصص والأغاني والتمثيليات والألعاب تستحوذ على مشاعر الأطفال؛ فبمجرد أن يهتم الطفل ويتحمس يظل يقظًا حتى النهاية ويتلقى الرسالة التي تريد إرسالها. فمثلما نتذكر أحداثًا في حياتنا كانت ذات أهمية عاطفية، يتذكر الأطفال المفاهيم التي تعلموها من خلال الأنشطة التي كانت ممتعةأو مضحكةأو مثيرةأو مختلفةلهم. مثلاً: أطلب من طفلك كتابة أغنية عن العيد، أو إنشاء صندوق للأحاديث النبوية، أو قم بتنظيم أمسية رمضانية بالتعاون مع أولياء أمور أصدقاء طفلك، ويفيد كثيراً في الشهر الفضيل قراءة قصص عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ورحلة الهجرة النبوية وشهر رمضان المبارك لأطفالك وبشكل منتظم.

سادساً: دعهم يتولون مهاماً قيادية

غالبًا ما يشعر الأطفال بالمسؤولية بجدية أكبر من البالغين. امنح الأطفال القيادة في المهام المهمة واخرج من الصورة، فمثلاً كلف طفلًا واحدًا بإيقاظ جميع إخوته على السحور، ودع طفلاً آخر مسؤولاً عن تحديث وقت الإفطار والسحور كل مساء. السماح للأطفال بالتخطيط والمشاركة في وضع الميزانية وشراء هدايا العيد لجميع الأقارب يعودهم على تحمل المسؤلية ويشعرهم بالسعادة وبأنهم مصدراً لثقة الأهل، لذلك دعهم يختارون المهمة التي يريدون واجعلهم مسؤولين عنها.

سابعاً: الحد من النشاط البدني الذي يُحتمل أن يكون خطيراً

قد يعاني الطفل من انخفاض في نسبة السكر في الدم وضعف عام وأعراض أخرى نتيجةً للصيام الأمر الذي يجعل من قيامه بالنشاط البدني والذهنيى خطيراً في الكثير من الأحيان؛ وقد تؤدي المنافسة والمقارنة المفرطة إلى العجز والافتقار إلى الحافز لدى الأطفال الذين يتعلمون بطرق مختلفة أو بوتيرة أبطأ. اسمح لطفلك الحكم على تقدمه ومقارنة نفسه بمستواه السابق بدلاً من مستوى الآخرين واسمح له بارتكاب الأخطاء وإدراك ما يجب عليه فعله، فالخبرة غالباً تُدرب أفضل من التعليمات.

ثامناً: تجنب تناول الطفل كميات كبيرة من الطعام

خلال شهر رمضان المبارك يُتوقع من جميع البالغين القادرين على الصيام من شروق الشمس إلى غروبها الصيام، وقيامهم بتناول أطعمه غنية بالدهون والشيبس والسندوتشات السريعه كالبرجر وغيرها عند الإفطار تسبب تراكم الدهون في الشرايين المغذية للمخ مما يضعف كميه الدم الواصله للدماغ ويقلل من قدرات الفرد الذهنية، كما أن الإكثار من تناول السكريات يسبب ضعف امتصاص خلايا المخ للغذاء والبروبايوتكس الهام لصحة خلاياه وبالتالي تضعف القدرات الذهنيه، وتناول الطفل طعاماً صحياً غنى بالفاكهه والخضروات والدهون الصحية كالمكسرات يزيد من قدرته على التركيز عند الدراسة.

تاسعاً: التدخين السلبي

إن تعرض الطفل لدخان السجائر الصادر من تدخين والده معه في نفس الغرفة يسبب تلف في خلايا المخ ويُقلل من قدراته الذهنيه ومعدل ذكائه لأن أهم غذاء للمخ هو الهواء النقى الملئ بالأكسجين، فتعرض الطفل للهواء الملوث باستمرار يقلل الأكسجين الواصل لخلايا المخ وبالتالي يقلل من وظيفته ونشاط خلاياه، وهنا قد تجد أنه من المفيد تقديم فرصة للمشي برفقة طفلك لمسافة قصيرة في الخارج لزيادة تعرضه للأكسجين وبنفس الوقت أخذ استراحة من الدراسة مما يساهم في دعم عملية تعلمه.

عاشراً: السهر

إن تعود الطفل على السهر وعدم التمتع بفترات نوم كافيه يُضعف قدره المخ على التركيز؛ فأثناء النوم يجدد المخ خلاياه التالفة ويحفظ كل الأحداث التي حدثت طوال اليوم، وبالتالي يجب الحرص على تعويد طفلك على النوم مبكراً خاصةً في فترات الليل لأنها تزيد من افراز الجسم لهرمون النمو وتجدد نشاط الطفل.

أقرا المزيد

You May Also Like