لمن الأولوية للتربية أم للتعليم؟
بقلم الدكتور يحيى القبالي
تتسابق الدّول للوصول إلى قمة التصنيفات العالمية لمستوى التعليم ؛ لتثبت لنفسها وللآخرين جودة مخرجات تعليمها والأهداف التي تم تحقيقها من خلال التخطيط والتنفيذ الدؤوب الذي قام على إعداده نخبة من أبنائها المتخصصين في مجال التربية والتعليم، ويمكن الاستدلال بسهولة على مستوى تعليم أي دولة من خلال المخرجات التعليمية والتي تصنّف من خلال درجات رقمية أو مستويات لفظية وذلك بحسب المعايير الدّوليّة المعتمدة المتفق عليها مسبقًا لدى هذه المؤسسات التربوية الحكومية، وعلى ضوء ذلك قد تتقدّم دول وتتأخّر أخرى حسب هذه التصنيفات، ومن السّهولة لأي مطّلع أن يحدّد موقع بلاده على قائمة التصنيف مهما كان مستواه التعليمي، وقد يكون هذا التصنيف محفزا لتطوير الأداء فتسارع الدّول التي احتلت مكانةً متقدمةً على هذا التصنيف للحفاظ على مكانتها وبالمقابل تجتهد دول أخرى للحصول على مكانة أفضل مما حصلت عليه.
يعتبر التغيّر سنّة كونيّة يجعل الحياة تتسم بالحيوية والنشاط، ولقد واكب هذا التغير الكثير من المفاهيم والمصطلحات، ويعتبر مجال التربية والتعليم من أكثر المجالات تطورًا، فلو ألقينا نظرة على هذا المجال نجد أنّ المفهوم التربوي الواحد قد طرأ عليه تطور بما يتناسب والعصر الذي ظهر فيه، فمثلا: كان يُطلق على المشرف التربوي مسميات مثل: المفتش، الموّجه، حتى استقر الأمر أخيرًا على مصطلح المشرف التربوي.
وكذلك كان يُطلق على المُعلّم لقب المؤدب، والمربي، وكان يُطلق على الاختبارات مسمى الامتحانات، وكذلك على ذوي الاحتياجات الخاصة ، المعاقين، والمتخلفين… الخ
لقد تنبهت المجتمعات إلى أهمية التعليم فقامت بمجهودات فردية بإنشاء دور الكتاتيب، ومن ثم ازدادت الضغوطات على الحكومات فكان للمؤثر الأسري متمثلا بدور أولياء الأمور بتبني الحكومة للعملية التعليمية وإنشاء المدارس الرسمية.
وشهد مجال التربية والتعليم تطورات عديدة حتى طالت هذه التغيرات مسمّى الوزارة نفسها فقد كان يُطلق على وزارة التربية والتعليم مسمى وزارة المعارف( جمع معرفة) في كافة الدّول العربيّة ومنها الأردن، وكانت تعرف وزارة التربية والتعليم الأردنية بوزارة المعارف منذ عام 1921م حتى عام 1956م وبعد ذلك تم استبدال المسمّى بوزارة التربية والتعليم ، وقد ورد تعريفها كما يلي: هي هيئة حكومية أردنية مسؤولة عن نظام التعليم في المراحل الابتدائية والأساسية والثانوية تأسست تحت اسم وزارة المعارف سنة 1921م، ثم وزارة التربية والتعليم سنة 1956م.
لم يكن لهذا المصطلح أن يظهر بشكل عفوي بل عن دراسة وتراكم للخبرات في مجال التّعليم، فالتربيّة لا تنفصل عن التّعليم فهما صنوان لا ينفكّان عن بعضهما البعض، والقيم المجتمعية إنما هي أسرية في المقام الأول نابعة من الخلفية الأيدلوجية للأفراد والجماعات ، والأعراف والتقاليد، ولقد تعاظم دور المدرسة وأصبحت شريكًا للأسرة والمجتمع في التنشئة الاجتماعية للأفراد فهي جزء لا يتجزأ من المجتمع وعليها تقع مسؤولية مشتركة لتجذير هذه القيم في نفوس أبنائها وصيانتها وتحصين الطلبة ضد كل فكر دخيل.
لقد كان (جون ديوي ) فيلسوفًا وتربويًا في الوقت نفسه، وكانت أكثر مؤلفاته تركّز حول معالجة مسائل التربيّة وقضاياها ، مثل: ( التربية والخبرة ، الديمقراطية والتربية ، عقيدتي التربوية ، المدرسة والمجتمع ومدارس المستقبل وغيرها )
ولأهمية دور التربية يعتقد (ديوي ) بأنّ “كلّ تربيّة تتم عن طريق مشاركة الفرد في النشاط الاجتماعي عند الجنس البشري وهذه المشاركة تبدأ في الغالب بصورة لا شعورية منذ الولادة” وهي كذلك ” تثير احساساته وانفعالاته ، وعن طريق هذه التربية اللاشعورية يشارك الفرد بالتدريج في الكنوز والذخائر العقلية والخلقية التي ينجح المجتمع في جمعها ويصبح وريثًا للمدنيّة كلها. “
إنّ مهمة التربيّة بحسب ( ديوي) هي إعداد الفرد للحياة ، فالتربية بداية ليست مجرّد وسيلة نحصل بها على المعارف ، بل هي عملية تربوية تهتم بالجانب النفسي والاجتماعي ، ووضع الاهداف التربوية بما يتوافق مع المجتمع ، والتربية التي يطالب بها ديوي تتميز بأنها تركّز على الاهتمام بالتعبير عن الذات ، ورفض القسر الخارجي ، وتأكيدها النشاط الحر، والتخلص من الأهداف والمواد الجامدة وذلك بالاطلاع على عالم متطور ومتغّير ، وقد دعا ديوي الى تجديد التربية لأنه رأى انّ التربيّة التقليديّة ممثلة بالمدرسة التقليديّة قد قتلت روح الابتكار بما تقدّمه من أنشطة تعليميّة لا تتجاوز الحفظ والتسميع( الاستظهار) والنقل والتقليد والتكرار…الخ.
استمرّ العلماء والمختصون في طرح تعريفاتٍ متعددة لمفهوم التربية كلٌّ بحسب وجهة نظره وخلفية تخصصه، ومهما تطورت التعريفات وتعددت فهي جميعها تشير إلى معاني التقدّم والرُّقيّ والكمال والنمو ، كما أنّها لا تقتصر على فترةٍ زمنيّةٍ معيّنةٍ من عمر الإنسان، بل هي عمليةٌ مستمرةٌ معه، ومن هذه التعريفات :
تعريف أفلاطون للتربية (427-347 ق.م): (إنّ التربية هي أن تضفي على الجسم والنّفس كل جمال وكمال ممكن لها).
تعريف جود ديوي (1845-1905 م): (التّربية هي الحياة وهي عمليّة تكيّف بين الفرد وبيئته).
تعريف هربرت سبنسر (1820-1903 م): (التّربية هي إعداد الفرد ليحيى حياةً كاملةً).
تعريف رفاعة الطهطاوي (1801-1873 م): (التربية هي التي تبني خُلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل، وتنمّي فيه جميع الفضائل التي تصونه من الرذائل، وتمكّنه من مجاوزة ذاته للتعاون مع أقرانه على فعل الخير).
يتضح مما سبق أن التربية : هي عملية تفاعل بين الفرد وبيئته تستهدف نقل المعرفة خلال مراحل نموه المختلفة لتتكيف شخصيته مع بيئته وتسير نحو طريق الكمال على مدى سنين حياته.
وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال مفاده هل سيكون في المستقبل مقياسُا للتربية يوازي مقياس جودة التعليم؟
إقرأ المزيد لمقالات التربويون العرب