مقدمة للتربويين العرب
بقلم مراد ابومعالي
هل هذا كهف؟ لكن أين الخفافيش؟ وما هي تلك الأشياء الخضراء؟
هل هم على قيد الحياة؟ كم مقاسُهم؟
قد تتفاجأ عندما تعلم أن هذه في الواقع صورة فوتوغرافية لـجزء من جسم الإنسان. هل تعتقد أنه داخل الجسد أم خارجه؟هل تعطيك الألوان أو الأشكال أي أدلة على ماهيتها؟ هل تعطيك الصورة أي فكرة عن الحجم الفعلي لـ “الكهف“؟ إذا كنت على علم بالحجم الحقيقي، هل ستكون قادرًا على التخمين بشكل أفضل حول ما قد يكون؟
ما الأسئلة الأخرى التي تتبادر إلى الذهن حول الصورة؟ العلماء – مثل الآخرين – يطرحون الأسئلة باستمرار ويبحثون عن إجابات. حاوِلْ أن تستمِرَّ في طرح الأسئلة، فهذه هي الطريقة التي يتعلم بها العالم الأشياء، فلماذا لا تفعل ذلك؟ في هذا الطريقه، سوف تتعلم كيفية العثور على إجابات لأسئلتك الخاصة. هل ما زلت تشعر بالفضول حيال هذه الصورة؟ يمكنك الآن أن تسأل التربويين العرب على ما هم عليه، ثم انظر إلى أيّ مدى كان تخمينك جيّدًا.
التفكير في الواقع
السَّحَرة هم الأعلام الأكثرعِلما في فنّ الوهم. إنهم يجعلون الناس يرون أشياء لا تحدث أبدًا. يستخدمون الهلفوت، يصنعون المرايا والشخصيات الخدّاعة، والمقصورات المخفية، والأيدي السريعة، والجيوب الإضافية، والكثير من الكلام السّلِس. لكن يمكنهم أيضًا استخدام عيون الجمهور لكسب الوقت وهم يخلقون الأوهام. تمنحك عينُك باستمرار معلومات عن العالم. وتخبرك عينُك الآن ما هو موجود في هذه الصفحة. أنت تقبل ما تراه عينُك دون سؤال. لقد تعلمت أن تصدّق أن كل ما تراه هو موجود بالفعل، ولكن هذا ليس هو الحال دائما، فيمكنك إثبات ذلك بنفسك. ماذا ترى الآن؟ لا يوجد شيء سوى بقعة سوداء مطبوعة في المساحة البيضاء. هل تصدق؟ وهل تعتقد أنك “رأيت” شيئًا لم يكن؟ إذا كنت لا تستطيع دائمًا الوثوق بما تراه، فكيف يمكنك حقّا معرفة ما يدور حولك؟ يقضي العلماء الكثير من الوقت في تعلّم كيفية النظر إلى العالم، وهذا يساعدهم في التدريب على طرح السؤال الصحيح والعثور على إجابات. قُلْ لي إنك ستتعلم كيف تنظر إلى العالم بعناية للحصول على إجابات لأسئلتك!!
قديمًا، كان العالَم كله عائلة كبيرة، وكان يُدارُ الإنسان فيه بوساطة والِدَين عظيمين (الأب والأم)، فهما يتمتّعان بقوة كبيرة، ولم يكن بمقدور الناس فعل شيء. كان العالم أطفالا مشاغبين يائسين.فإذا شكك أحد الاطفال غير الأسوياء في سلطة الآباء، فإنه سيوبَّخ، وإذا قاموا بالبحث والتنقيب في غرف الآباء، أو حتى في خزائن الملفات السرية، فانهم يعاقبَون ويخبرون بأن من مصلحتهم عدم التسلل إلى هناك مرة أخرى. وحدث في يوم ما، أن جاء رجل إلى المدينة حاملا صناديق عديدة من المستندات السرية المسروقة من غرف الآباء وقال الرجل: “انظروا ماذا كانوا يخبئون عنكم “، نظر الأطفال في ذهول، كانت هناك خرائط ومحاضر من اجتماعات حيث كان الآباء يوجهون الإهانات لبعضهم بعضا، كانوا يتصرفون كالأطفال، وقاموا بارتكاب الأخطاء أيضًا، كالأطفال تمامًا. والفرق الوحيد بينهم هو أن أخطاءهم كانت تُحفظ في كبائن الملفات السرية!!
لم أسرد لكم هذه القصة؛ لأنها متفرّدة في وزارة التربية والتعليم، إنها مثال لصراع الثقافات الذى يحدث في أنحاء العالم جميعه بين أصحاب الباروكات، وأصحاب الجوارب، أولئك المسؤولين الذين يظنون أن بإمكانهم أن يحكمونا دون أيّ تطفّل من العامة. وبعدها، فجأة يصطدمون بالعامة الذين ما عادوا يطيقون ذلك الوهم!! وليس الأمر عدم تحملهم ذلك الوهم فحسب، بل في كثير من الأحيان كانوا يتسلحون بالمعلومات الرسمية نفسها. ولذا، فنحن نعمل على إرساء ديمقراطية المعلومات. وندرك أنهم بشرمثلنا تماما، ليسوا خارقين .. ليسوا سحَرة .. تركز الفساد بشكل كبير حول مراكز القوى، بل حول موظفى الدولة الذين كانوا يختلِسون الأموال العامة؛ لإثراء أنفسهم، وكانوا قادرين على ذلك بسبب السرية الرسمية.
هل ما سُقناه هو انفتاح؟
أقول: لا؛ لأنه في نظري لا يعني التخلى عن السلطة .. المسؤولية .. والمساءله. إنه في الحقيقة يعني أن نكون شُرَكاءَ في القوة، وشُرَكاءَ في المسؤولية، وشُرَكاءفي المساءَلة!!. والأمر الآخرُ هو أن السلطة مغرية بشكل كبير، وأعتقد أنه يجب أن تمتلك صفتين حين يتعلق الأمر بتسوية أمرٍ ما، وأنت تمارس السلطة، أو تتحدث عن السلطة. يجب أن تتصف بالشكوك والتواضع. أريد أن أشاهد براهين تفسّر ذلك: فالتواضع من خصائص البشر، والبشر خطاؤون بالطبع. وإن لم تكن تتحلى بالتشكيك والتواضع، فإن الأمر لن يستغرق منك كثيرمن الوقت لتحول من مصلِح إلى مستبِدّ. وأعتقد أن أقل ما يتوجب عليك فعله هو قراءة رواية: “مزرعة الحيوانات“؛ لتعلَم كيف يمكن للسلطة أن تفسد الناس!! إذن: ما الحل؟
لقد قاموا بإنشاء المركز الوطني لتطوير المناهج عام 2017، صادر بمقتضى المادة (120) من الدستور يهدف المركز إلى تطوير المناهج والكتب المدرسية والامتحانات وفقًا لأفضل الأساليب الحديثة، وبما يتماشى مع احتياجات المملكة ومسيرة التعليم الأمثل، وفلسفة التربية والتعليم وأهدافها الواردة في القانون والثوابت الدينية والوطنية هل هى قصة خيالية أم كابوس حقيقي؟
بعض الكوابيس قد تكون نهاياتها سعيدة .. وبعضها الآخر قد لا تكون. أعتقد أننا كلّنا قد قرأنا قصص جريمس الخيالية ، وهى قصص كئيبة للغاية. ولكن العالم ليس قصة خيالية، ويمكن أن يكون وحشيّا أكثر مما نريد أو نتوقع أن نُقِرّ به. وبالمثل، فيمكن أن يكون أفضل مما جعلونا نعتقد في كلتا الحالتين، يجب أن نراه على ما هو عليه في الواقع بمشكلاته كلها؛ وبالنظر إليه بمشكلاته كلها فقط، سنكون قادرين على حلّها.
في الأردن فقط، كل شيء ممكن! أمّيٌٌ يدير مراكزعلوم الفضاء، وممرّضٌ يدير تطوير الزّراعة، وفلّاحٌ ينظّم سكّة الحديد، وأخيرًا فيروس يدير المناهج!! وحين تنزل بك نازلة وظيفية يعيّنوك سفيرًا، وحين تجرفك سيول يعيّنوك قانونيّا، وحين تقع في الهاوية يعيّنوك لمواجهة كورونا!!
كلّنا يرغب في هداية الإنسانية جمعاء، فاشتركنا بذلك مع الفكر الداعشي! وكلنا يذكر أزمة المناهج الأولى ” كولينز ” وكيف ثار المجتمع انتقامًا للثقافة الوطنيّة المهدورة! وها هي أزمة المناهج الثانية: كتُبٌ تصدُر بلا هُويّة محدّدة، ودون مواطنة تنقل فيروسات إلى كل بيت أردني!!
فيروسات جهل عمياء تطيح بأبرز خبراء المناهج في الأردن: ذوقان عبيدات، ومحمود المسّاد، فهنيئًا للوطن بالفيروسات المتحوّرة بنُسختِها المايكرونية التي نأمل أن لا تكون شديدة الفتك بأبنائنا، وإلّا كيف لطلاب فيروسات يقودون مسالك ومسارات تربوية ليس أقلها المناهج؟ حين تضرب الفيروسات المناهج، ولا يتدخل المجتمع، ولا يتدخل المسؤولون، فما الذي ننتظره؟!
هندسة الجهل والإدارة بالجهل أصبحت هي المبدأ السائد في إدارة كثير من المؤسسات، وصناعة الجهل المتعمّد غدت هي أيضا مبدأ من مبادئ الإدارة بالجهل بهدف خلط الأوراق والتضليل والتعمية، وتوظيف التناقضات، حتى نتعايش مع ممارسات هذه الإدارة من عمليات تضليل وتزوير!!
لدينا اليوم فائض من –الجهابذة – الذين يملكون من حيل التنظير ونادرة هي أفعالهم، والدليل أن المنظرين لا يزالون يمارسون عمليات التضليل على المنصات الإعلامية ببيع المعرفة بالجهل بحكم موقعهم، لا بحكم معرفتهم أو تخصّصهم، فأصبح الجهل منتَجًا يتم صناعته بإشرافهم.
لقد كتب عبيدات قبل يومين كيف يُطوَّع القانون لإلحاق الأذى بعامل، فلم أفهم ما يقصد، وحين كتب المسّاد عن إدارة الجهل، لم أعرف أنه يريد إدارة الجهل، أم الإدارة بالجهل! واليوم وقبل قليل سمعت بالإطاحة بخبراء المناهج واستبدالهم بخبراء
كتب عبيدات قبل سنتين: إن شخصًا اسمه “ولا حدا” هو من يتصدى لحل مشاكلنا. فما أشبه اليوم بالبارحة!!
هل ما زلت تشعر بالفضول حيال هذه الصورة؟ الآن يمكنك أن تسأل التربويين العرب ما هم عليه، وانظر إلى أي مدى كان تخمينك جيّدًا!!
إقرأ المزيد لمقالات التربويون العرب