كيف نجعل التعليم منطقياً
بقلم: د. ذوقان عبيدات
تناولت هذه المقالة عن علم المنطق: مفهومه وأنواعه.
ثم تعرضت إلى قوانين المنطق ومبادئه الأساسية، وكان الهدف الأساسي هو توعية القارئ بأهمية التفكير المنطقي. حيث نعيش عصرًا من الفوضى المعرفية تتطلب بناء قدرات منطقية لدى المتعلمين في المدارس والجامعات، وخارج هذه المؤسسات وستتبعها مقالة أخرى عن قضايا المنطق والمفاهيم ذات الصلة مثل الحدود والاستغراق والقياس المنطقي.
قيل في المنطق إنه لغة الفكر وإطار التفكير، والمنطق صفة إنسانية يتفرد بها عن سائر الكائنات حتى أمكن القول إن الإنسان حيوان منطقي، بمعنى أنه يلتزم بالوضوح ويقيل البديهيات، والمنطق هو أداة كل العلماء والباحثين، وأداة كل إنسان عاقل: صغيرا كان أم كبيرا، متعلما أو أميا ومنذ الخليقة، كان التفكير المنطقي هو التفكير المقبول من الجميع، فمن يعترض على المنطق بحاجة إلى أن يفحص قدراته العقلية.
تحول المنطق على يد أرسطو إلى علم له منهاجه وقواعده وأسسه يستخدم المنطق في كل لحظات حياتنا، فحياتنا تقوم على المنطق. وغالبا ما نسمع:
– هذا كلام منطقي أو غير منطقي.
– هناك مغالطات في هذا النص أو الفكرة.
– يتحدث السياسيون بكلام غير منطقي.
– إن كلامك خارج عن المنطق.
– لماذا لا تفكر منطقيا.
إن هذه الأقوال تشير إلى أن المنطق هو القول الصحيح أو المقبول، ولكن المنطق كعلم يعني: البحث عن القوانين العقلية أو المبادئ العقلية أو قواعد التفكير، وإذا راعينا هذه القواعد، فإننا نسير في طريق الصحيح لا في الطريق الخاطئ وقوانين المنطق عادة هي قوانين:
– يسير عليها كل العلماء والباحثين
– ضرورية لكل العلوم
– ضرورية لكل إنسان
فهي التي تعصم الجميع من الوقوع في الخطأ، فمن المنطق أن نقول عبارات مثل:
– الكل أكبر من الجزء
– المسافة القريبة أقصر من المسافة البعيدة.
– الصحة أفضل من المرض.
– كل شيء يساوي نفسه
هذه عبارات واضحة لا تحتاج إلى برهان أو دليل، ولذلك نقول هي عبارات منطقية.
ولقد تحدث العلماء المسلمون عن المنطق وقال عنه التهانوي إنه علم ينقلنا من المجهول إلى المعلوم، وقال السجستاني أنه علم يعلمنا التمييز بين الصواب والخطأ، بل إنه يعصمنا من الوقوع في الخطأ.
والمنطق كما ذكرت هو علم يقدم خدماته لكل العلوم. فعالم الفيزياء والرياضيات والاجتماع يحتاج إلى استخدام قوانين المنطق.
إن المنطق ينقلنا من مقدمات إلى نتائج، فإذا كانت المقدمات صحيحة فإن النتائج صحيحة، فإذا قلنا:
مقدمة: السماء مليئة بالغيوم هذا اليوم
مقدمة: وكل الغيوم ممطرة.
إذن: النتيجة: إن السماء ممطرة.
لأننا سلمنا بالمقدمتين، وتوصلنا إلى النتيجة
أنواع المنطق:
يحدد الفلاسفة ورجال المنطق نوعين للمنطق هما:
اولا – المنطق الصوري: ويعني بصورة الفكر مهما كانت مادته
ثانيا – المنطق المادي: ويعني بمادة الفكر
يسمى المنطق الصوري منطق القياس، أما المنطق المادي فيسمى منطق الاستقراء.
يهتم المنطق الصوري بالشكل أو العلاقة ولا يهتم بالمحتوى ومثال ذلك:
مقدمة: الأرض خضراء
مقدمة: كل أخضر يحتاج إلى ماء
نتيجة: الأرض تحتاج إلى ماء
هذه النتيجة حصلنا عليها من المقدمتين، وهي نتيجة صحيحة لما سبق، وهي نتيجة صادقة إذا كانت المقدمات صادقة، وكاذبة إذا كانت المقدمتان أو إحداهما كاذبة.
ومثال آخر:
مقدمة: كل الكتب مؤلفة باللغة العربية.
مقدمة: كل ما هو مؤلف باللغة العربية غير مفيد.
نتيجة: كل الكتب غير مفيدة.
هذه النتيجة صادقة لأننا حصلنا عليها من المقدمتين.
بغض النظر عن أنها صحيحة من حيث المحتوى أولا.
قوانين المنطق:
قوانين المنطق هي قوانين التفكير، والتفكير المنطقي يستند إلى ثلاثة قوانين من شأنها تنظيم التفكير، وهي قوانين بديهية واضحة بذاتها، ولا تحتاج إلى إثبات ولا أدلة ولا براهين. وهذه القوانين يسميها بعضهم مبادئ التفكير أو قواعده، ومهما كان اسمها فهي التي تنظم تفكيرنا سواء كنا عاديين أو طلابا أو معلمين أو باحثين.
قانون الهوية:
ينص القانون على أن كل شيء يساوي نفسه دون زيادة أو نقصان. فحين نقول:
أ = أ هذه حقيقة صحيحة 100% لا تحتمل أي خطأ أو ضلال أو خداع.
وإذا كانت أ = أ فلا يجوز أن نقول:
أ = أ + 1 أو
أ = أ – 1
فالشيء يساوي نفسه: 5 = 5
6 = 6
وهكذا
فكل شيء كما يقول علماء المنطق يساوي نفسه.
قانون عدم التناقض:
ينص هذا القانون أن كل شيء هو نفسه
ولا يجوز أن نقول إن كل شيء يساوي نفسه ولا يساوي نفسه معا. فإما أن يساوي نفسه أو لا يساويهما.
ولا يجوز أن نقول: إنه يساوي نفسه ولا يساويها معا.
لا يمكن أن نقول: أحمد مجتهد وغير مجتهد
أو: عائشة طويلة وغير طويلة
أو: التفاحة حمراء وغير حمراء
فالجمع يبين المتناقضين في شيء واحد أمر لا يقره العقل.
قانون الوسط المرفوع أو الثالث المرفوع:
ينص هذا القانون على عدم وجود أي حد وسط بين الشيء ونقيضه.
مثال ذلك:
إما أن تكون سيارة أو ليس سيارة، والوردة إما أن تكون حمراء أو ليست حمراء. ولا يجوز أن نضع احتمالا ثالثا متوسطا.
ولأوضح ذلك أكثر أقول:
الوردة: إما أن تكون حمراء أو ليست حمراء.
يعني ليس هناك احتمال ثالث بين الشيء ونقيضه.
ولذلك نقول بكل جرأة: هذا القلم إما أن يكون صاروخا أو ليس صاروخا!
فالجواب طبعا هو غير صاروخ وهو جواب صحيح.
إن هذه القوانين كما قلت بديهيات، لا نحتاج إلى اثباتها. وإذا حدث أن أنكرها أحد، فلا شك أنه بحاجة إلى فحص قدراته العقلية.
أ = أ
أ لا تساوي أ وغير أ معا
أ إما أن تكون ب أو ليس ب
وهذه هي القوانين المنطقية الثلاثة، والتي يسير عليها الفكر أو التفكير المنطقي.
لماذا نريد تفكيرا منطقيا؟
إذا كان المنطق هو العقل والوضوح والتفكير السليم، فإننا بحاجة دائمة له.
– فهو أولا يساعدنا على رؤية الأمور كما هي وفهمها وتفسيرها، فالمنطق يعلمنا التمييز بين الحقيقة والخداع. والكشف عن الخطأ، وعدم الانسياق وراء الأفكار الشائعة.
– والمنطق هو الذي يميز لنا مدى وضوح الأدلة والبراهين وقوتها وضعفها، وبذلك يحمينا من الانجرار وراء معلومات وأخبار لا سند لها، ولا دليل عليها.
– والمنطق يحمينا من خداع الذات، فالإنسان بطبعه يميل إلى ما يوافق آراءه ورغباته، وينفر من المعلومات والحقائق المعارضة، وبذلك يحمينا من الانجرار وراء ما نرغب وإهمال الحقائق الموضوعية.
– والمنطق يعلمنا نقد المسلمات والافتراضات، فلا نسلم بصحة المعلومات غير المعقولة أو المعلومات التي تناقض الواقع. ففي حياتنا كثير من المسلمات التي أخذناها دون فحص، ففي أمثلتنا الشعبية كثير من الأفكار الشائعة غير الصحيحة مثل: الكلام من فضة والسكوت من ذهب! فهل السكوت عن الأخطاء والمظالم من ذهب؟ وتراثنا حافل بمواقف وأمثال شعبية لو عرضناها للمنطق لما سكتنا عنها لحظة واحدة.
– والمنطق يعلمني لغة الفكر، ويجعلني أكثر وضوحا، وأكثر دقة في استخدام المصطلحات. ويحميني من الكلمات التي لها معان مزدوجة أو من الاستعارات اللفظية والمجاز الخاطئ أو التشبيه الخاطئ.
– والمنطق يعطي الإنسان أدوات الحوار السليم ومهارة نقل الأفكار بل وتدعيمها وإقناع الآخرين بها، وبذلك يتفوق عادة من يتقنون المنطق.
– والمنطق يجعلنا نفكر بطرق علمية، لأن مهارات المنطق مشابهة في معظمها لمهارات العلم، فكلاهما يبدأ بالملاحظة ويستخدم الأدوات الدقيقة ويلتزم بالحياد والموضوعية. ولا يصدق إلا النتائج المثبتة.
المنطق والعلوم:
يرتبط المنطق بجميع العلوم، فالرياضيات تقوم أساسا على المنطق بل هي جزء منه، وكذلك بقية العلوم ترتبط بالمنطق. فالعلوم كلها تسير وفق المنهج العلمي الذي يعتمد على:
اولا – الملاحظة، فكل علم يبدأ بملاحظة ظاهرة ما، فالفيزيائي يلاحظ ظاهرة فيزيائية أولا ثم يدرسها. وكذلك الكيميائي والفلكي وعالم النفس والاجتماع.
ثانيا – البحث عن الأدلة لإثبات الظاهرة. فالعالم يبحث عن أدلته ويفحص ما يؤيدها وما يعارضها قبل أن يتوصل إلى النتيجة.
ثالثا – تكرار الدليل. فالعالم لا يقبل نتيجة تأتي صدفة، ولذلك يعيد البحث عن أدلته حتى يتوصل إلى النتيجة.
وإذا كان المنطق يبحث في مبادئ التفكير، ويتركز على الفكر الإنساني فالعلوم تأخذ هذه المبادئ وتلتزم بها، ولا تكتفي بذلك بل تطبقها على الظواهر التي تدرسها. وبذلك يختلف المنطق عن العلم بما يأتي:
– المنطق يبحث في الفكر ومبادئ التفكير والعلم يطبق هذه المبادئ في منهجه لاكتشاف النتائج. فالمنطق صوري رياضي، بينما العلوم مادية تناقش الأشياء والظواهر وتنتج قوانين خاصة بها.
فإذا كان المنطق يلتزم بقوانين الهوية وعدم التناقض فإن العلوم تأخذ هذه المبادئ وتراعيها في كل خطوة. وإذا خرج العلم عن المنطق يصبح غير مقبول، ولا أحد يثق بنتائجه.
ولو قال عالم فيزياء مثلا: إن الخشب ينقل الحرارة، أو إن الحصان أسرع من الصوت، أو إن قدم الحصان أكبر من جسمه لما وثق به أحد.
– إن قوانين المنطق ثابتة لا تتغير، بينما العلم متغير باستمرار فلا يوجد منطق قديم ومنطق جديد، لكن توجد حقائق علمية جديدة ألغت الحقائق العلمية السابقة لها. ولذلك نقول المعرفة العلمية متراكمة، تبنى فوق بعضها، وتلغي بعضها. بينما تبقى قوانين المنطق ثابتة، فلو أخذنا قانون الهوية مثلا:
أ = أ
فلن يتغير هذا القانون أبدا.
وعليه، فإننا نقول كل العلوم تستند إلى المنطق، والمنطق لا يستند إلى العلوم، لأنه أعلى منها، وثابت دائما. كما نقول جميع العلوم مترابطة وتهدف إلى معرفة ما يدور حولنا وبداخلنا، وسلاحها في ذلك مبادئ المنطق، والمنهج العلمي الذي تستند إليه.
فالعلوم تستند إلى التجربة، ومنهاجها تجريبي، بينما المنطق منهاجه عقلي.