العبارات الذاتيّة وأثرها في التّفكير الإيجابي
تُعتبر العبارات الذاتيّة إحدى محددات الشّخصيّة، ومن خلالها يتشكّل تقدير الذات لدى الفرد. فما هي العبارات الذاتية وما مدى تأثيرها في تقدير الذات؟
إنّ الحديث عن العبارات الذاتيّة يأخذنا عّنوة إلى الحديث عن مفهوم الذات، ومن ثم الحديث عن مفهوم آخر له علاقة به وهو تقدير الذات، هذان المفهومان الّلذان يخلط بينهما كثير من الدارسين
لذا دعونا نتعرف أولاً على مفهوم الذات بصفته ملازمًا لكل فرد في المجتمع وهو الأشمل والأعم وعليه يُبنى تقدير الذات ويعتبر الأساس له
مفهوم الذات self-concept: هو الهوية الشخصيّة للفرد ونعني بذلك: كلّ مكونات الفرد الجسميّة والنفسيّة، ويشكّل الجندر الأساس في ذلك، فإدراك الفرد لنفسه ذكرّا أم أنثى، وصفاته الجسدية، ووعي الفرد على ما هو عليه من صفات، و ملاحظة طريقة تعامله مع الأشخاص المحيطين به كالأم، والأب، والأصدقاء، والمدرسة، والبيئة التي يعيش فيها، وكلّ ما يخصّه من ممتلكات، ومهارات الكلام والتّحدّث، والمواقف التي تواجهه، والتوجهات الاجتماعيّة التي تتشكّل لديه ، ومهنته، وجنسيّته، وانتماءاته وتوجهاته. إنّ مفهوم الشخص عن ذاته له دور في كيفيّة تشكّل سلوكه، سواء كان هذا المفهوم صحيحًا أو خاطئًا، و نعنى بذلك أنّه إذا كان اعتقاده عن ذاته أنّها صادقة، أمينة ، فمن الصعب اعتقاد حدوث سلوك يناقض ذلك الاعتقاد.
وإنّ نعت الشخص لنفسه بعبارات ذاتيّة_ حديث النفس– إيجابية أو سلبية، مثل: أنا ذكي، شجاع، مخلص، متعاون، ناجح، جميل، ضعيف، غبي، غير محبوب… الخ، يعتبر تصوّر شخصيٌّ للفرد ليس بالضرورة أن يكون صحيحًا، كلّ ذلك يمثل مفهوم الذات .
أمّا تقدير الذات Self-esteem –: هو صورة الذّات أو فكرة الشّخص عن ذاته التي يكوّنها عن نفسه في ضوء أهدافه وإمكانياته واتجاهه نحو هذه الصورة ومدى استثماره لها في علاقته بنفسه أو بالواقع، وفي الوقت نفسه صورته في مجتمعه وما يصفه به ذلك المجتمع من صفات، وعلى ضوء تقدير الفرد لنفسه وتقدير مجتمعه له يكون مدى توافقه النفسي مع بيئته وتقديره لذاته.
ويحدثنا ( ماسلو) عن هرم الحاجات ( هرم ماسلو للحاجات) : بأنّ هناك حاجات أساسية للفرد يجب اشباعها، وأنّ عدم إشباعها يؤدّي إلى اضطرابات جسميّة ونفسيّة وعدم توافق نفسي ، ومن ضمنها الحاجة إلى التقدير.
كيف يتم تشكيل العبارات الذاتية لدى الفرد؟
إنّ الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يفضّل العيش والانتماء لجماعة عن الوحدة ، ومن خلال تجاربه( نجاح، فشل) تتكوّن نظرته لنفسه و يكوّن عبارات ذاتيّة عن قدراته الجسميّة والنفسيّة، فهو أعلم النّاس بقدراته، ومن خلال تفاعله مع محيطه الاجتماعي يكوّن عبارات ذاتية تكون نتاج تلك التفاعلات.
إذا تتكون العبارات الذاتية من خلال مسارين : المسار الأول من خلال خبرات الفرد نفسه، والمسار الثاني من خلال تفاعله مع محيطه الاجتماعي، وتعدّ الأسرة من أهم مكونات البيئة الاجتماعية للطفل فهي الحاضنة الأولى له التي تعمل مبكرًا على تشكيل مفهوم الذات بشكل أساسي وتسهم في الوقت نفسه على تكوين تقدير الذات لديه بشكل نسبي ، ويكون تأثير الأسرة بتثبيت مفهوم الذات لدى الطفل مهمًا للغاية، فالأسرة هي التي تصوغ للطفل –حتى سن معينة– مفردات حياته الأولى ، ولكن ويبقى تأثيرها محدودًا –نوعًا ما– في تقديره لذاته ، لأن أسرته ستمنحه الحريّة المقيّدة لاتخاذ قراراته بناء على المعطيات الدينّية والأخلاقيّة والعرف والتقاليد الّتي ساهمت في بناء مجتمعه، ويتبلور مفهوم تقدير الذات لدى الطفل أثناء وجوده في بيئته المدرسيّة ضمن أقرانه وخلال مروره بالمراحل العمرية اللاحقة، حيث تلعب جماعة الأقران دورًا كبيرًا في تشكيل تقدير الذات لديه ، ويساهم المعلّم بالدّور الحاسم والمهم داخل الغرفة الصفيّة بتشكيل هذا المفهوم، فكل كلمة أو حركة أو إيماءة من المعلّم تجاه الطالب تعني الكثير الكثير ، فبمجرد النداء إلى الطالب باسمه من قبل المعلّم يولّد لديه شعورًا بالفخر والاعتزاز، وكلّ عبارة يوجهها المعلّم إليه تُعتبر مرجعيّة محاطة بالقداسة من كل جانب –سواء عبارات المديح اللفظية أو المكتوبة– تكون كفيلة ببث الثّقة وزيادة الدافعيّة لديه لإثبات ذاته وتوكيدها.
فلطالما قام الطلبة بتجميع تلك الملاحظات عن دفاترهم ليفخروا بها أمام زملائهم وأولياء أمورهم، فهذه العبارات عبارة عن شهادة بحقهم وقد عملت كمفعول السّحر في سلوك هذا الطالب أو ذاك في حينها، وقد يحتفظ بها طوال سنين حياته.
وكل صفة يطلقها المعلم على الطّالب تُصبح صفة لصيقة به يكررّها بينه وبين نفسه، ويسمعها من طلبة صفه، وكم من كلمة قام المعلّم بتوجيهها لأحد طلبته بثت الثّقة بقدراته وجعلت منه عالمًا فذًا ، وفي المقابل قد يصاحب بعض العبارات السلبيّة سلوك التّنمر من قبل الزملاء على الطالب المعني، مثل: غبي، مشاغب، كسول.. ويترتب عليها نتائج لا يُحمد عُقباها.
وعلى المعلّم الناجح أن يضع نفسه مكان طلبته ليتعرف على احتياجاتهم وما يؤثر في نفسياتهم، ويتبادل معهم الأدوار كلّ فترة وأخرى، إذ يمكنه من خلال ذلك أن يكتشف مدى حاجة طلبته للتقدير والاحترام وبث الثقة في أنفسهم ،
ويقوم بذلك عمليا من خلال:
1-مدح انجازات طلبته بكافة الأساليب المتاحة وبما يتناسب مع طبيعة الانجاز و عدم الافراط بالمديح.
2-التّعبير عن محبته لطلابه بشكل صريح ومباشر حسب ما يتطلبه الموقف التعليمي دون مبالغة.
3-الاستماع جيدًا لكل طالب، وإعطائه فرصة للتعبير الحر.
4-منحهم الاستقلالية والاختيار سيما في الأنشطة اللامنهجية.
5- توزيع الأدوار عليهم حسب قدراتهم وبث روح التّحدي الشّريف بينهم.
6-تنمية نقاط القوة لديهم وإظهارها وتعزيزها.
7-مساعدتهم في التخلص من نقاط الضعف.
8-بناء علاقة أسريّة معهم يشعروا من خلالها بالأمان.
9-مد يد العون كلما لزم الأمر لكلّ طالب بحسب ما يتوفر من امكانيات.
10-الحوار معهم ومناقشتهم بالأمور المتعلّقة بمادة التّدريس.
11-استغلال جدران المدرسة والغرفة الصفية لكتابة عبارات تربوية، دينية، وطنية ، تنمي في نفس الطالب حبّه لوطنه وأمّته ، وثقته بنفسه.
12-تعزيز الاستجابات المرغوب فيها مباشرة ونسبتها إلى صاحبها.
وتُعتبر العبارات التي تتبناها المدرسة وتخطها على جدرانها بين الغرف الصّفيّة و أسوارها الداخلية أو الخارجية من الطرق التي تشكّل العبارات الذاتية لطلابها، فبمجرد قراءة الطّالب لهذه العبارات يوميا تصبح جزءًا من تفكيره وسرعان ما يتمثلها في حديثه وسلوكه.
وهكذا تساهم هذه العبارات في تشكيل التفكير الإيجابي لدى الطّالب حتى لا يرضى بديلا عن أعلى مستويات التّقدم والنّجاح، ذلك التفكير الكفيل بجعل الطالب يفرّق بين الوهم والحقيقة ويسعى إلى تطوير مجتمعه بصفته عنصرًا فاعلاً ومؤثرا فيه، مما يكون له أكبر الأثر في سلوك الطالب والمعلم والعامل والسياسي والاقتصادي وأفراد المجتمع بشكل عام.
فاحرص عزيزي المعلم على اختيارات عباراتك. وارفع من سقف توقعاتك بأن كل عبارة تتفوه بها في غرفة الصّف مرشّحة بأن تكون عبارى ذاتية لكل طالب تشكّل لديه دستوراً لغد مشرق.