مفاهيم أساسية في التعليم والمنطق
بقلم: د. ذوقان عبيدات
القضية في المنطق:
القضية هي وحدة التفكير. وهي جملة قصيرة لها معنى. أو كما نقول في اللغة هي جملة مقيدة. وكلامنا هو مجموعة قضايا. وأي مقالة نكتبها هي مجموعة قضايا، وللتوضيح: إذا كانت الأسرة هي وحدة المجتمع، فإن القضية هي وحدة التفكير.
وكما أن الأسرة تتكون من أفراد، كذلك القضية تتكون من كلمات، فحين نطرح القضية التالية:
كل إنسان يعمل.
هذه القضية تتكون من ثلاثة كلمات، وكل كلمة فيها لها معنى خاص.
ومن صفات هذه القضية:
اولا – تحتمل الصدق والكذب. في جملة خبرية، فحين نقول: الطلبة مرهقون بالدراسة، فإن هذه الجملة أو (القضية) تحتمل الصدق والكذب؛ ويمكننا أن نتحقق من صدقها أو كذبها من خلال سؤال نوجهه للطلبة، وبذلك تكون القضية: إما صادقة أو كاذبة
ثانيا – والقضية هي جملة خبرية تقول لنا شيئا يحتمل الصدق والكذب، ولذلك لا نعتبر الجمل الآتية قضايا لأنها لا تحتمل الصدق والكذب.
– الجملة التي تحتوي على أمر مثل:
اقرأ دروسك!
احترم المرأة!
– الجملة التي تنهى عن فعل شيء مثل:
لا تعتدي على حقوق غيرك
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
فهذه لا تحتمل الصدق والكذب، لأن الفعل أو الخبر لم يأت بعد ولم يحصل.
– الجملة التي تحتوي على تمني مثل:
ليت لي خاتم سليمان.
فالفعل هنا أيضا لم يحدث بعد.
– الجملة التي فيها تعجب مثل:
ما أجمل الربيع!
نحن هنا نعبر عن شعورنا وليس عن أحداث تحتمل صدقا أو كذبا.
ثالثا – والقضايا نوعان: تحليلية وتركيبية
أولا– القضية التحليلية:
يقصد بالقضية التحليلية بأن المبتدأ فيها لا يختلف عن الخبر. فحين نقول:
8 = 6+2 فإننا لم نضف شيئا جديدا للمبتدأ وهو 8، إنما حللناها إلى عواملها.
وحين نقول: الشاب الجامعي يحمل شهادة جامعية! فإننا لا نضيف جديدا!
وكذلك حين نقول:
الشهيد من مات دفاعا عن الوطن. فإننا لم نضف جديدا، في مثل هذه القضايا التحليلية كأننا نفسر الماء بالماء!! فليس فيها دهشة. ولذلك من السهل أن نحكم على صدقها أو كذبها، المهم أن تكون القضية متسقة.
8 = 6 + 2 هذه صادقة
8 = 27 + 2 هذه كاذبة
وبشكل عام نحن نصدق القضية التحليلية بسهولة إذا كانت متسقة، والقضايا التحليلية هي القضايا الرياضية والقضايا المنطقية، ففي المنطق:
أ = أ هي قضية صادقة لأنها متسقة
ولكن حين نقول: أ = أ + 2 فإننا نحكم عليها بأنها كاذبة،
وكذلك في الرياضيات:
9 x5 = 45 قضية صادقة لأنها تحليلية.
ومن المهم أن نعرف أن القضية التحليلية يكون صدقها داخليا ولا نحتاج إلى العالم الخارجي وإجراء التجارب لإثبات صدقها.
ثانيا – القضية التركيبية.
يقصد بالقضية التركيبية ما يضيف فيها الخبر إلى المبتدأ شيئا جديدا. فحين نقول:
الحديد يتمدد بالحرارة، فإن كلمات يتمدد بالحرارة ليست من ضمن مفهوم الحديد، بل أضافت له صفة جديدة.
وحين نقول: الضوء أسرع من الصوت، فإن عبارة أسرع من الصوت هي إضافة جديدة ليست موجودة في معنى الضوء.
ولذلك فإن جميع قضايا العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية هي قضايا تركيبية:
في الفيزياء: الحرارة المفقودة تساوي الحرارة المكتسبة.
في الكيمياء: الماء يتكون من هيدروجين وأكسجين.
في الفلك: الشمس أكبر النجوم.
في علم الاجتماع: المجتمع هو مجموعة الناس التي تؤمن بقيم مشتركة.
في علم البيولوجيا: الخلية هي أصغر وحدة في الكائن الحي
كل القضايا في هذه العلوم قضايا تركيبية تحتمل الصدق والكذب. ولكن كيف نحكم على صدقها أو كذبها؟
نتذكر أننا في القضية التحليلية نحكم على الصدق والكذب من خلال تناسق المبتدأ والخبر (الموضوع والمحمول). بينما في القضية التركيبية نحتاج إلى إثبات وأدلة خارجية وربما تجربة، فالصدق والكذب هما خارجيان. والقضايا التركيبية تحتمل الصدق والكذب من خلال دليل خارجي. فنحن نحتاج إلى هذا الدليل من أجل الحكم.
رابعا – والقضايا نوعان: الحلمية والشرطية
أولا– القضية الحلمية:
إن القضايا التي تتكون من مبتدأ وخبر (موضوع وحمول)
هي قضايا حمليه مثل:
الوقت قصير
الماء بارد
الأكسجين منعش
هذه قضايا بسيطة حملنا الخبر على المبتدأ. ففي قضية
الوقت قصير
الوقت: مبتدأ (موضوع الحديث)
قصير: خبر (صفة المحمولة للموضوع)
لذلك نقول قضية حمليه تتكون من موضوع ومحمول. ونحكم على صدقها أو كذبها بمعيار خارجي.
ثانيا– القضية الشرطية أو المركبة:
تتألف القضية الشرطية من قضيتين حلميتين:
القضية الأولى: الجو بارد
القضية الثانية: السماء ممطرة
فالقضية المركبة هي:
إذا كان الجو باردا فالحرارة منخفضة.
لاحظ وجود: أداة الشرط إذا.
كيف نحكم على صدق هذه القضية المركبة؟
الحكم هنا: إذا كانت القضية الأولى (الجو بارد) صادقة والقضية الثانية (الحرارة منخفضة) صادقة.
تكون القضية المركبة صادقة. أما إذا كذبت إذن:
إذا كانت:
الجو بارد صادقة فإن الحرارة منخفضة صادقة
وإذا كانت الجو بارد كاذبة فإن ما يلزم عنها كاذب.
وفي القضايا المركبة:
اولا – إذا صدقت القضية الأولى والثانية فإن ما يلزم عنهما صادق
ثانيا – إذا صدقت القضية الأولى وكذبت الثانية فإن ما يلزم عنهما كاذبة
ثالثا – إذا كذبت الأولى، وصدقت الثانية فإن ما يلزم عنها صادقة أو في حكم الصادقة، لأن الحرارة قد تنخفض لأسباب أخرى مثل ارتفاع المكان، أو وجود جليد قريب.
رابعا – إذا كذبت الأولى وكذبت الثانية فإن ما يلزم عنهما صادق، وذلك لأن الجو الحالي لم يصل إلى البرودة بعد، ففي المستقبل سوف يكون باردا وتنخفض الحرارة، فالجو باردا حاليا والحرارة ليست منخفضة حاليا. أما مستقبلا فسيكون فعلا: إذا كان الجو باردا فإن الحرارة منخفضة.
مكونات القضية:
كما نقول تتكون القضية من موضوع (سميناه المبتدأ) ومن محمول (سميناه الخبر). أما الآن فنسمي الأشياء بأسمائها:
تتكون القضية من حدين هما:
موضوع
محمول
وبين الحدين توجد رابطة تربطهما معا. فالقضية تتركب من حدين بينهما رابطة، لكن لماذا نقول حدين فما هو الحد؟
حين نقول: الجامعة مفيدة.
فإن القضية تبدأ بالجامعة، وهو حدها الأول
وتنتهي بمفيدة، وهو حدها النهائي
فالقضية محصورة بين الحدين. وهكذا كل قضية تتكون من حدين:
مثال:
حقوق الإنسان مصانة.
هذان حدان للقضية: حقوق الإنسان، ومصانة
والحد قد يكون كلمة واحدة أو أكثر.
المرأة عالمة
كل حد يتكون من حكمة واحدة.
أما إذا قلنا:
حقوق الإنسان في أوروبا مصانة بالقانون
حد حد
فإننا نلاحظ أن الحد تكون من عدة كلمات
أنواع الحدود:
تقسم الحدود من حيث الكم إلى قسمين:
– الحد الكلي.
– الحد الجزئي.
كما تقسم من حيث النوع إلى قسمين
– الحد الموجب
– الحد السالب
أولا – الحد الكلي والحد الجزئي:
يكون الحد كليا إذا انطبق على أكثر من فرد مثل
إنسان
نبات
ويكون الحد جزئيا إذا انطبق على فرد واحد مثل
– عمان
– عمر بن الخطاب
فهناك فرد واحد اسمه عمر، وشيء واحد اسمه عمان، بينما كلمة إنسان تنطبق على أفراد عديدين وكذلك كلمة نبات، وعاصمة، ومنزل … الخ
فالحد الكلي قابل للانقسام إلى أفراد عديدين، أما الحد الجزئي فلا يقبل القسمة لأنه يخص فردا واحدا مثل:
ملك البحرين، الخليج العربي، نهر الأردن
ويلاحظ أن كلمة ملك وعاصمة ونهر هي حدود كلية ولكن حين تخصص وتعرف تصبح جزئية:
ملك الأردن، عاصمة السعودية، نهر النيل. فهناك فرد واحد تنطبق عليه كل مما سبق.
وكذلك يتحول الحد الكلي إلى جزئي حين يشار إليه بالتحديد مثل: هذا الملك، هذه العاصمة، هذا النهر.
وكذلك أسماء العلم مثل طه حسين، البحتري، فهي حدود جزئية وحين يعرف الاسم مثل المتنبي، القاهرة العاصمة هي حدود جزئية، لكن حين نذكر اسما علما نكرة مثل: سعيد، عادل، فهي حدود كلية لأن عديدا من الأفراد ينضوون تحت كل اسم.
ثانيا – الحد السالب والحد الموجب:
يكون الحد موجبا إذا حدد صف ما مثل؛ طالب، جامعة، ذكي، ويكون سالبا إذا نفينا عنه هذه الصفة مثل ليس طالبا، غير ذكي، غير نشيط، … الخ فالحد السالب ينفي صفة موجبة دائما.
المفهوم والما صدق:
إن مفهوم الشيء هو ما يميزه عن سواه. فحين نقول جامعة، فهذا يعني بناء واسع، وطلبة وأساتذة، وساحات وبرامج التدريس. هذا هو مفهوم الجامعة، فالمفهوم هو الصفات والخصائص التي تميز الشيء عن غيره من الأشياء، بحيث لا تخلط بين جامعة أو مدرسة أو شارع أو شجرة. فلكل من هذه المفاهيم صفات وسمات وخصائص تميزه عن غيره.
وحين نقول جامعة فإن هذا ينطبق على كل جامعة مثل: جامعة دمشق، جامعة القاهرة، جامعة الظهران، جامعة اليرموك…الخ هذه(الأفراد) التي ينطبق عليها أو يصدق عليها مفهوم الجامعة تسمى ” الما صدق” أي ما يصدق عليه المفهوم.
وحين نقول إنسان فإن هذا المفهوم ينطبق على: عائشة وخالد وسليم والعنود وأحمد ونبيل ولبنى وجود …. الخ هذه الأفراد هي ما صدق عليها مفهوم الإنسان.
إن جميع الجامعات في العالم هي ما صدق لمفهوم الجامعة.
وجميع الأفراد – الناس– في العالم هي ما صدق لمفهوم الإنسان.
وجميع الأزهار: ياسمين، فل، كادي، قرنفل، الخ هي ما صدق لمفهوم الزهر.
فالمفهوم هو الخصائص المميزة لشيء ما، والما صدق هو كل الأفراد الذين يتسمون بهذه الخصائص.
والعلاقة بين المفهوم والما صدق علاقة عكسية فكلما زادت خصائص المفهوم يقل ما صدقه!
مثال:
إن مفهوم كلمة إنسان ينطبق على 10 مليار شخص
وإذا أضفنا وصفا جديدا للإنسان مثل إنسان عربي نزل والما صدق 300 مليون وإذا قلنا إنسان عربي أردني، نزل الما صدق إلى 10 مليون. وإذا قلنا إنسان عربي أردني كبير سن، نزل الما صدق إلى الآلاف. وإذا قلنا: إنسان عربي أردني كبير سن عيونه زرقاء، نزل الما صدق إلى عشرات، وهكذا كلما زادت خصائص المفهوم يقل ما صدق عليه حتى يمكن أن ينزل إلى واحد أو إلى صفر.
فلو قلنا:
رئيس مصر، لكان الما صدق واحد
ولو قلنا:
عربي اخترع دواء كورونا لكان الما صدق صفرا.
إذن هناك مفاهيم فارغة ليس لها أفراد أو ما صدق.
سور القضية:
تتكون القضية الحلمية من موضوع ومحمول.
مثال:
المدارس حديثة
المدارس: موضوع القضية
حديثة: محمول القضية
لكن هذه القضية ناقصة، فلا تشير إلى أننا نتحدث عن كل المدارس أو بعضها، ولذلك تحتاج إلى سور. فحين نقول:
كل المدارس حديثة.
إن كل هي سور للقضية، يشير إلى أننا نتحدث عن كل المدارس.
وحين نقول: بعض المدارس حديثة.
إن كلمة بعض هي سور للقضية أيضا، يشير إلى أننا نتحدث عن بعض المدارس وليس كلها.
ولذلك فإن القضية الحقيقية لها سور. وبذلك يمكن أن نقول:
محمد رسول الله.
فلا نحتاج إلى سور، لأن الموضوع هنا شخص معين
ولا مجال للحيرة أو لسوء الفهم. إن هذه القضية تسمى قضية شخصية، ومن أمثلة ذلك:
أرسطو فيلسوف.
نزار قباني شاعر.
فاتن حمامة ممثلة.
الاستغراق
اولا – حين نقول: كل كتاب نافع، إننا نتحدث عن كل الكتب في الدنيا، سواء الكتب السابقة أو الحالية أو الكتب التي ستؤلف في المستقبل، كما أننا نتحدث عن كتب الجامعة والمدرسة، وكتب اللغة والرياضيات والفن. إن كلمة كتاب هنا مستغرقة بمعنى أنها تعني كل الكتب بأشكالها وأنواعها وموضوعاتها. وكذلك حين نقول:
كل الفنون راقية (الفنون مستغرقة).
كل الملابس جميلة (الملابس مستغرقة)
إننا نتحدث عن كل الفنون وكل المدارس.
لكن ماذا عن المحمول هنا؟
كل الكتاب نافع.
هل نتحدث عن كل الأشياء النافعة؟ طبعا لا
فهناك غذاء نافع ودواء نافع وصديق نافع. ولذلك كلمة نافع هنا ليست مستغرقة لأنها لا تشمل كل الأشياء النافعة، لاحظ الشكل
هنا نقول: كل كتاب نافع، فالدائرة الصغرى هي كل الكتب. والدائرة الكبرى هي كل الأشياء النافعة. ولذلك نلاحظ ما يأتي: كل كتاب نافع ولكن ليس كل نافع كتاب!
وهكذا في قضية:
كل الفنون راقية. ترسم هكذا
في هذا الرسم: إن كل الفنون تقع ضمن دائرة راقية وهي محصورة بداخلها. لكن خارج دائرة الفنون توجد أشياء كثيرة راقية ولكنها ليست فنونا.
ولذلك نقول:
كل الفنون راقية وليس كل راقٍ فنا، فهناك ملابس راقية؛ ومنازل، وأدوات … الخ
فالفنون إذن مستغرقة كلها. بينما الأشياء الراقية ليست مستغرقة.
ثانيا – أما الحالة الثانية فهي حين تكون القضية جزئية. فهل في هذه القضية استغراق؟
لننظر ما يأتي:
بعض الفاكهة لذيذة
إننا هنا لا نتحدث عن كل الفاكهة، بل بعضها. ولذلك الفاكهة ليست مستغرقة.
فالحد المستغرق يجب أن يكون شاملا لكل فرد. والرسم الآتي يوضح قضية:
بعض الفاكهة لذيذة
فواكهه لذيذة
إن أ تمثل فاكهة ليست لذيذة
وج تمثل أشياء لذيذة ولكنها ليست فاكهة
أما ب فتمثل الفاكهة اللذيذة فقط.
ولذلك نقول: أ ليست مستغرقة
وج ليست مستغرقة.
وهكذا حين تكون القضية جزئية. لا يكون موضوعها مستغرقا ولا محمولا.
ثالثا – وفي القضايا الكلية السالبة، مثل:
كل العرب ليسوا أجانب
نحن هنا نتحدث عن كل العرب. فالعرب مستغرقة. ونتحدث عن كل الأجانب، لأننا نفينا أن يكون أي من الأجانب عربيا. ولذلك أجانب مستغرقة.
ففي القضية الكلية السالبة: يكون الموضوع مستغرقا والمحمول مستغرقا. والرسم الآتي يوضح ذلك.
لاحظ نتحدث عن كل العرب وعن كل الأجانب فكل منهما مستغرق
رابعا – وفي القضية الجزئية السالبة مثل:
بعض الشوارع غير معبدة.
ما المستغرق فيها؟
إن الشوارع هنا ليست مستغرقة، لأننا نتحدث عن بعضها أما معبدة فإننا هنا نتحدث عن كل الأشياء غير المعبدة ولذلك هي مستغرقة. لأنها مفصولة تماما عن الشوارع. أنظر الرسم الآتي
بعض الشوارع الشوارع معبدة
الجزء المضلل هو بعض الشوارع، أما الجزء المشترك يشير إلى شوارع معبدة،
ولذلك الشوارع: ليست كل الشوارع
والأشياء المعبدة: نفينا بشكل كامل وفصلنا بين كل ما هو معبد وبين بعض الشوارع، فالشوارع غير مستغرقة بينما معبدة مستغرقة بالكامل.
ويمكن تلخيص كل ما سبق في الجدول الآتي:
جدول الحدود المستغرقة:
نوع القضية | الموضوع | المحمول |
| مستغرق مستغرق غير مستغرق غير مستغرق | غير مستغرق مستغرق غير مستغرق مستغرق |