رهان تجويد التعليم
بقلم: د. يحيى أحمد القبالي
تجويد التعليم ليس مصطلحًا للتداول والتغنّي بحروفه والاستنفاع بحمل رايته، بل مصطلح تمّ التوافق عليه من أجل التطبيق الفعلي والالتزام الأخلاقي بإصلاح المنظومة التعليميّة، ولن نكون مغردين خارج السرب إذا نادينا بهذا المصطلح وجعلنا منه عنوانًا عريضًا لواقعنا التربوي المترهل، فالمستحدثات التربوية العالمية تفرض واقعًا تربويًا مختلفًا كلّ البعد عن الواقع التربوي الذي نعيشه، لقد بقيت مضامين النصوص التشريعية التي نادت بتجويد التعليم حبيسة الأدراج والرفوف ، وبعيدة كل البعد عن التطبيق الفعلي عن الواقع التربوي ولم يتمّ ترجمتها إلى حقائق؛ لأنها لا ترتبط بحسن النية والرغبات فقط بل ترتبط بمستوى الوعي الذي يمتلكه القادة التربويون الفاعلون.
إنّ تغيير القوانين والمضامين والمفردات التربوية يجب أن تؤدّي بالضرورة إلى تغيير ملازم في السلوكيات والعلاقات والمواقف التعليمية التعلمية.
عدة عوامل ساهمت في تردّي الوضع التربوي الراهن من ضمنها: ضعف الدعم المادي، وفي الوقت نفسه الهدر المادي للقليل الذي تمّ تقديمه، وذلك لسوء التخطط وضعف التتنفيذ.
ومن خلال مقارنة سريعة بين ميزانية وزارة التربية والتعليم وما تنفقه على البحث العلمي وبين ميزانية باقي الوزارات على مستوى القطر الواحد في البلاد العربية ، ناهيك عن المقارنة بالدول المتقدّمة ، نجد أن شعار تجويد التعليم أكذوبة كبرى فالبيئة التربوية وبنية النظام التربوي القائم تفتقر لأدنى مقومات التعليم وتحدّ من التفكير في عملية تجويده أصلًا وغير مهيأة لتقبله، ويؤكّد هذا الأمر عجز المؤسسات التربويّة بالوفاء بما أنيط بها من متطلبات المرحلة.
وعند طرح مصطلح تجويد التعليم على الطاولة نلاحظ اليأس قد تبدّى على ملامح التربويين لعدم معرفتهم من أين يبدؤون، فالاستجابة لمتطلبات تجويد التعليم تلزم تغيير عقول العاملين في المؤسسات التعليمية ، ونظام تقييم المعلّم، ونظام الاختبارات، والبنية المدرسيّة، والتواصل بالمجتمع والأسرة، وتوجيه الأنشطة المدرسيّة…الخ ، كل ذلك بوضعه الحالي يحول دون تحقيق الغايات الكبرى، وما زال المشهد التربوي يتميّز بعدم التطابق بين ما هو معلن رسميا وما هو متحقق على أرض الواقع .
ومن المؤمّل على مخرجات تجويد التعليم تحقيق مدرسة معرفية تتمتع بمرجعية قيمية من خلالها يمكن الانطلاق لتحقيق مجتمع معرفي رقمي ناجح يتشابه مع الأنظمة التربوية العالمية المتقدّمة.
وهذا القول ينطبق على الجامعات كمؤسسات رافدة للمجتمع برأس المال البشري، فالبحث االعلمي الرصين هو لبنة في بناء تجويد التعليم ، فاستبيانات الدراسات الجامعية مكدّسة على مكاتب مدراء المدارس ليتم تطبيقها على أرض الواقع في مدارسنا، والاستعانة بنتائجها ضرورة تفرضه علينا أخلاقيات البحث العلمي ، وهذه الدراسات هي وحدها التي تعكس الواقع التربوي الذي نعيش وهي في الوقت نفسه تضع بين أيدينا الحلول التي تناسب بيئتنا التربوية، فملامستها للجرح مؤشر وخطوة في الاتجاه الصحيح على تشخيصه ومن ثمّ علاجه، ونتساءل كم من دراسة تمّ تطبيقها في الميدان وتمّ الأخذ بتوصياتها؟
إنّ الاستعانة بالدراسات الأجنبية من أبجديات البحث العلمي ، ولكن الالتزام بنتائج تلك الدراسات محكوم بتشابة البيئات التي تمّ التطبيق فيها وبيئة مجتمعنا المدرسي، فالدور الذي تلعبه الدراسات المحلية سواء رسائل الماجستير أو أطروحات الدكتوراه، أو دراسات الترقية الوظيفية وغيرها من الدراسات والأبحاث، دور محوري في تجويد التعليم والارتقاء به ومعالجة نقاط ضعفه، ولكن وبكل صراحة هناك أزمة ثقة بين المؤسسات التربوية في مجتمعنا، ولعل هذه الأزمة نابعة من القياس على بعض الدراسات التي لم تتبع أخلاقيات البحث العلمي عند تطبيقها وبذلك خالف محتواها تحقيق الأهداف التي رسمت خطة البحث على ضوئها ، ولن نكون مبالغين لو قلنا أنّ أكثر 99% من هذه الدراسات لا يؤخذ بنتائجها بالرغم من تحكيمها في مجلّات محكّمة موثوقة ومعترف بها.
المسكوت عنه:
هناك أمور مسكوت عنها بذرائع غير مبررّة ، من ضمنها أنّ القطاع التعليمي قطاع مستهلك وليس قطاعًا منتجًا وداعمًا للاقتصاد.
وبالطبع هذه نظرة قاصرة لا تعبّر عن منظور منطقي عقلاني، فمعظم رأس المال البشري يمثله أفراد تخرجوا من المدرسة والجامعة، حتى أصحاب هذه الدعوة هم أيضًا وبلا شك ينتمون إلى مدرسة وجامعة ما، وتناسوا أن رواتبهم تأتي من خلال الدخل الكبير الذي يعود على الأردن بملايين الدولارات من خريجي الجامعات الذين يعملون في شتى أصقاع المعمورة.
وما دام في مجتمعنا مثل هذه العقول التي مازالت ترى أنّ التربية والتعليم عبء على الدولة فلن ترى الدعوة إلى تجويد التعليم النور أبدًا.
فهل ما زلنا نراهن على تجويد التعليم؟
قد يرى البعض أنّ زمن المعجزات ما زال حاضرًا وقد يتمخض عن معجزة تربوية تحقق للمتفائلين رهانهم على تجويد التعليم، ولعل وعسى يأتي الرجل المناسب في المكان المناسب والزمان المنسب ويحقق تلك الامنيات.
وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)