قراءات قبعات ست وذكاءات ثمان وعصف ذهني

قراءات قبعات ست وذكاءات ثمان وعصف ذهني بقلم الأستاذ وجيه السعيد البنا

القيادة التربوية دفء ووقود (٧) قراءات قبعات ست وذكاءات ثمان وعصف ذهني

بقلم الأستاذ وجيه السعيد البنا

ولازلت في إطار حماسي للجديد ورغبتي في تحول قناعات التربويين نحوه عن يقينٍ يغفلون هم عن وجوده بداخلهم فيميلون دون تدبر إلى الدعة والاستسهال وترك النشاط العقلي والاستسلام للعادة، وتأتي قناعتي لأسباب ذكرتها من ذي قبل وأسباب أخرى تتضامن معها ويحق لي أن أضيفها

وأذكر منها:

& أنه يتسق مع قانون الحياة وقراءات العلم.

& نمو وتطور مفاهيم علم النفس التربوي.

&نجاح العمل به في التخطيط للدرس والنمو المعارفي والإبداعي.

& ولقدرته إلى تحويل بيئة الصف التي هي أولى بيئات التعلم إلى ساحة واسعة تستوعب الوقت وتتخطاه خارجها ولايقف عند حد الصف الدراسي أو مجلس العلم .

& وتفتح الباب للنقاشات ذي النهايات التي لاحد لها مما يزيد مساحات الفكر وثمار العصف.

& ويجيد الإنسان من خلاله فهم نفسه تصالحا معها أولا بما تمتلكه تلك النفس من ملكات تترجم بصدق قول الله تعالى (في أي صورة ماشاء ركبك…) وينعكس ثانيا على تعاملاته مع المحيطين به إيجابًا وقبولًا وتعاونًا وسماحًة و أمانًا من المخاطر وتضييقًا على المشكلات التي لايخلو وسطٌ من المرور بها والوقوع في شباكها والتأذي بها، وتتطلب لذلك طرح الحلول ولاتتأتى الحلول إلا بالتفكير ولايكون التفكير إلا بالتدبر والتعلم وبالتدريب .

& وأزعم أنه الباب الواسع لاستخدام قواعد مختلفةٍ في التفكير استنادا للمنطق تارة (بين الجمع والحفظ والاسترجاع والتنظيم والتحليل وصور أخرى منطقية)، وبين التفكير الإبداعي تارة أخرى (بين طارح للأسئلة وبين ناقد لمايطرح وبين موازن بين الخيارات المطروحة وبين متخذ لقرار وحال للمشكلات…إلخ.)

أقول : لازلت أحاول أن أضع أمام زملائي بعض التأملات التي قد تجد طريقها نحو لمساتهم وإبداعاتهم فتساعدهم على الالتفات إلى مايستطيعون عمله لأنهم يمتلكونه ويقدرون عليه بصورة أو بأخرى

لأسباب كثيرة ومنها :

# أداء رسالتهم للارتقاء بأبنائهم.

# إضافة خبرات جديدة إلى مهاراتهم ودعمها وتثبيتها وترجمتها.

# زيادة أدواتهم في ملء الصف ومعه قناعات طلابهم بالتعلق بهم والتأثر الشديد بطروحاتهم.

# فتح باب المحاكاة والاقتداء على مصراعيه.

# كشف الفارق في التناول بين النمطية والتجديد في المعالجة .

# فضلا عن غزارة النتاجات واكتساب المعارف وتوليدها تبعا لذلك….

ولعل شوق القارئ لمعرفة مانتحدث عنه يثير حفيظته من ناحية خاصة إذا نقلت له أن زميلا ألجأني إلى الرد على سؤال قوي منه ذات مرة وهو يجابهني كأنه يستفزني بقوله : ألفنا التعلم على شيخ العمود بمتعة فائقة وتعلمنا جميعا على شاطئ الجدول والنهر، وأنت تحدثنا عن تعليم علينا أن نبذل من أجله جهودا ونتعب وننصَب له، وتعلّم متمايز تطمح أنت وآخرون إليه، ويقع موضع الحماس منك ومن كتاباتك فيما تنوي طرحه عنه… فكيف إذن تخرجت هذه الأجيال من التعلم الشرعي وشبيهه وغير شبيهه، ولم نكن قد علمنا شيئا عن ذكاءات ثمان وقبعات أو قراءات ست أو عصف ذهني… !؟

فلم يتأخر ردي عليه لحظة حين نبهته إلى ما غفل هو عنه بالتأكيد بعد درس شيخ العمود أو المعلم الملقن في صورة (الرواقات) التي ينقطع فيها الطلاب بعيدا عن الأهل وبعيدا عن المعهد في مساءاتهم المتكررة وفي غرف سكناهم التي كانت الواحدة فيها تضم عددا من الدارسين فرادى كانوا أو غير ذلك، لكن لهم موعد عنه لاينقطعون مع استمرار طلب العلم وماكان يقع في هذا الموعد المتكرر من مثل :

& نقاشات وسجالات

& بحث في أمهات الكتب بشكل جماعي بعد عشائهم أو طعامهم.

& مناقشة المسائل العلمية ذات الطابع الأكاديمي العميق، وبعدد كتبٍ تناولتْه من جهات وزوايا مختلفة تشبه فيما تشبه عدد المذاهب الأربعة أو الكتب الصحاح الست، أو بعدد تفاسير كتاب الله المتنوعة بين البلاغي والتاريخي والفقهي والجامع للأحكام….

& التسلية الماتعة من معايشة العلماء ونتاجاتهم العميقة على هذا النمط الذي تذوب فيه كل مستويات الخلق على تنوعها جنسًا ولونًا ولسانًا، وحجم التفاوت الذهني لمجموعِهِ، فتتحول الأروقة إلى تعلم تعاونى على أرقى مايكون عليه طلب العلم الحديث والنداءات المتحادثة بهذا الأمر؛ كل ذلك دونما تخطيط المعلم أو الشيخ بل هو من تخطيطهم أنفسهم حتى إذا قُضيت جلستهم وانفرد أحدهم بنفسه فلاينفرد إلا على التغنى بموازين العروض وبحور الشعر، أو ألفية ابن مالك موقعا ومنشدا وبارعا دون أن ننبهه إلى أن المستمتع منهم بتلك الخلوة صاحب ذكاء غنائي وموسيقي كشيخه النّظّام من أمثال الفراهيدي أو ابن مالك أو صاحب الشاطبية أو الخريدة في علوم اللغة والفقه والعقيدة والمنطق وغيرها من أصعب العلوم …،ولم أذكر أو لم أغفل عنايتهم بالعلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء التطبيقية في صور : الارسطرلاب وصاحبه أو ابن الهيثم وكاميرته وابن الجزري وخيوطه والساعة الفلكية.

وعلى النظير من ذلك اجتماع أمثالهم من أبناء التعليم المدني على موائد مماثلة في بيوت أحدهم يسهرون ليناقشوا مسألة ما مجتمعين توصل النقاش إلى حلها في فكرة أثارها أحدهم في غير تخطيط (لعصف ذهني) ، لكن الذي عصفهم هو المشكلة التي دعتهم لضرورة التلاقي مع قدح زناد الفكر وإدلاء كل منهم بدلوه، وأذكر كم تعلمنا حل مسائل المعادلات في الجبر وحل رموز المسائل الكلامية وتحويلها إلى فرضيات ومعطيات تقطع نصف الطريق نحو الحلول ، ومع تفتقها تزداد شهيتنا لحل المزيد من المسائل بحب ونهم وإقبال.

كان سبب ذلك اللون من التعلم الممتد خارج الصف في صورة تعلم تعاونى خططت له الحاجة ودعت إليه الرغبة في التعمق في طلب العلوم والوقوع في حبال المشكلة التي تتطلب حلولا وبدائل وفرضيات وموازنة بين تلك الفرضيات،ولازلنا نحن نحلم بنقله داخل الصف تطبيقا لهذا الجو لو أن المخلص تنبه إلى عظيم تأثيره فيمن تتعلق عيونهم به…

ثم هل سجلت براعتك مايمكن وصف تلك البيئة الدراسية به من حيث :

@ الأمن.

@الخلو من السخرية إلا من مزاح يجدد الروح وينشط النقاش.

@ السماح بالبحث وجعله هدفا أساسا.

@ عرض بدائل واحترامها.

@ مقارنة بين الطروحات في تدقيق وتمحيص.

@ الاعتماد فيما تعتمد على التساؤلات (طرح الأسئلة)

@ تجرب وتتخذ قرارا وتصدر أحكاما بعد تمهل…

@ ولك أن تقول : إن الأمر يصل بهم إلى أن يحاكموا مايقرؤون مرة بعد مرة بعد مرة!

ولاعجب ولاغرو أن الإجماع الذي يكونون عليه بشأن من يحببهم في طلب العلم من الأساتذة ويجعلهم يجيدون قضاء الوقت للإشادة به وبأسلوبه بل ويعشقون درسه ومادته ويسارعون للتخصص فيها. وعلى النقيض يمقتون آخر ولاينفكون يذكرون ويعددون معايبه، ولك أن تراقب من تتلمذ في هذا الجو كيف يكون نتاجه المعرفي والعلمي والإنساني بوجه عام وماذا سينتظر رف المكتبة ومؤتمرات البحوث والإضافات المعرفية من تعلمه…

وإذا تحدثت الكتب عن أصحابها فراجع تلك الأجواء تنبئك بالخبر.

ولم يكونوا وقتها قد عرفوا شيئا عن قواعد العصف الذهني من حيث البدء بتعيين الموضوع فالموضوع محدد سلفا،وعدم نبذ الأفكار مهما كانت سطحيتها فهم بين باحث عن وجه الحق أو متأمل فيه، واستمطار أكبر عدد من الطروحات حول الموضوع وهم في ساحة من النقاش ساخنة تحكمهم فيها الأمانة العلمية،والقائد والمنسق فيهم هو صاحب الفكرة في اللقاء وعادة ماتكون المناقشة في غرفته في غالب الأحيان وليس وحده قائدا بل هم كلهم قادة تقريبا تأثرا بمنهجهم اللامحدود في التعلم والذي قد تكون زيارة أستاذهم في بيته لمساعدته في التأليف والرسالة واحدة من مفرداته….

ولايفوتك في درس الأدب والنقد تجليات القبعات الست التي لم يعرفوا عنها شيئا من حيث تحديد العاطفة (حمراء) حول موضوع معروف صاحبه وتاريخ عصره وعدد سطوره وأبياته وظروف ولادته والتعريف بشاعره (حقائق بيضاء) وأثر عاطفته الساخنة والصادقة سلبا وإيجابا في اللفظ والعبارة والأسلوب والصورة والبديع (صفراء للجميل وسوداء للسلبي) وطرح العبارة الأفضل من خلال سؤال : أيهما أجمل؟ ولماذا؟ فتطل (الخضراء) بإبداعاتها… ولا تختفي الزرقاء، فكلٌ معه قلمه وفي يده كراسه يدون ماانتهوا إليه…

نور لايخبو إلا إذا خبا في نفوسنا الإيمان بأن لدينا علماء ومعارف لايصح أبدا أن تغيب الشمس عن السطوع عليها في كل صباح وفي كل عصر… والأمل في الله ثم في المخلصين…

إننا بحاجة إلى مايلي :

– تأمل التعلم الذي أتيح لدينا وإخضاع نتائجه للجديد في علم النفس التربوي الحديث.

– المحافظة على رموز العلم في أوطاننا وتخصيص الوقت للجلوس إليهم للنهل من تراثهم.

– امتداد ساعات التعلم في صورة بحوث ومشاريع ترتبط بالمحتوى وتضيف إليه من مثل جهود الرواقات.

– عقد النقاشات والعناية بمنتديات الحوار الجامعي وغير الجامعي وإشباع نهم أبنائنا عبر القنوات الفضائية وإظهار مواهبهم المتنوعة ودمجهم في نشاطات ورحلات لمدد زمنية تتابع حركة العلم تطبيقا وتعاونا.

– إثراء المباني الجامعية بالمسارح والملاعب والأنشطة المختبرية والمعملية.

– التفكير في نظام جامعي ومدرسي يشجع على الدراسة التعاونية فيما يشبه الرواقات ويعزز السكن الجامعي الداخلي ودعمه برقابة مناسبة تقيه مخاطر قد تضر.

– العناية بمسابقات المواهب والعلوم والمبتكرات والتأليف الأدبي كما العناية بتقويم اللسان عبر تلاوة وقراءة النصوص وتأملها في رصانة ومعايشة.

– مطالعة معلمينا لكل جديد والتدرب عليه في غير استنكاف طالما فيه حكمة تُنْشد…

إلى اللقاء…

انضم إلينا على صفحة فيسبوك 1

You May Also Like