القيادة التربوية دفء ووقود (١٩)
ولقد تحرك البعوضة الأوراق …
بقلم الأستاذ / وجيه السعيد البنا
هل يصح أن تُفتح علينا ماسورة من الهجوم يطلقها الفيس بوك عبر أفراد ألمعيين يريدون طرح بعض الأفكار السطحية من وجهة نظرهم فتدلي برأيها في مسألة تطوير التعليم وتحكم على رجاله القائمين عليه بلا خلفية معرفية أو خبرة تخطيطية أو ممارسة واقعية دون علمهم بالمعايير التي تخضع لها عمليات بناء التعليم ونهضة الدول ومصيرها في كل المجالات تبعا لذلك…!!؟؟ وإني أزعم أن فيه ملامح لاتفتقد المعنى وإن فتحت علينا باب الهجوم بعض الإشكالات في المبنَى…
ولقد غابت أقلام أهل العلم الحقيقين والمعنيين بالأمر في خضم هذه الفوضى…(وإن هذا لايليق أبدا …)
إن عليكم أن ترحموا البسطاء من أن يعتقدوا أنهم يهدرون جهودهم كلها أو على الأقل يشعرون بأنها تضيع سدى لأن رأيكم المستنير عكف على إلقاء التهم جزافا ونقد كل شيء استخفافا حتى عجزتم عن أن تسايروا وتتفاعلوا مع وتتأملوا عجلة الزمن الذي انتقل بكم خمسة أعوام تغير فيها محتوى المناهج من الروضة وحتى الصف الخامس وأنتم لاتدرون، وإن دريتم فلم تحاولوا الاطلاع على الأسس التي اعتمد عليها التغيير في بناء المحتوى الجديد مما تنادي بها الاتجاهات الحديثة التي تهدف إلى أن يكون المتعلم (محيطا ببيئته )، (متفاعلا معها) ، (متعايشا مع مجتمعه) ، (وذا شخصية تدري من تكون)…وأشغلتم أنفسكم وأشغلتم الطلاب عن أن يركزوا في تعلم الجديد وتشبع المفاهيم في صفوف الثانوية العامة الثلاثة وطريقة تعديل التقويم الختامي إلى ماصار عليه بعد تلك الأعوام مما يتماشى مع إعداد الطالب لمستقبل جديد من حيث تطوير طرق الاستذكار والبعد عن تلقين المعلومات وعدم الوقوف بمستوى التعلم عند الكتاب المدرسي في عالم السماوات المفتوحة والانفجار المعرفي الذي تفننت فيه الدول المتقدمة في ملاحقة الأمراض والأوبئة بعلاجات ناجحة بفضل العلم الذي حصلوه بالطرق الصحيحة ، وتصرون على أن الاختبار لايصح أن يغادر محتوى الكتاب من وجهة نظركم المعتادة وفشلتم في ضبط حركة الانضباط المجتمعي باللهث وراء الدروس الخصوصية واختلال حركة الانضباط التعليمي فنفرتم الطلاب من المدرسة حتى عجز الشارع أن يغرس فيهم القيم وانهزمت داخلهم المبادئ والمثل العليا وأردتم أن تبرهنوا بذلك على فشل التعليم ظلما وتجنيا على تلك الجهود…
ولقد فشلتم أن تنتزعوا الهواتف من بين أيدي أبنائكم وبناتكم ثم وجهتم التهمة للتابلت وهو مجرد وسيط لايتوفر له إمكانات الهاتف الذي مع الأبناء وهذا محل تناقض عجيب… ولقد تحفظت أن أقول إننا لم نفلح في بناء الرقابة الذاتية في طلابنا فقدمنا الدليل على ذلك فزعا وخوفا من تعلقهم بالإنترنت وهي بثرائها وانفتاحها المذهل ككل شيء حديث فيه الحلو وفيه المر…
وهاجمتم السبورة التفاعلية وأنتم لم تصلوا إلى ماتتمتع به من إمكانيات مبهرة تيسر التعلم متى أحسن استخدامها – هذا لو حضر الطلاب– ووقفتم عند بعض الحوادث العارضة– ولاأقول المقصودة– بأن الطلاب يوظفونها للعبث وكان حظكم منها الكتابة بالقلم ليس غير فظلت لوحا…، ورصدتم حركة تكسير بعض الطلاب للمقاعد لتشيروا بها إلى فوضى المدارس التي غيبتم طلابكم عنها (دون أن يناقش الآباء ذلك في مجالس الأمناء المدرسية)
وأوكلتم التدريس لأبنائكم خارج المدرسة في المواد الدقيقة لطلاب علم هواة للتدريس دون أن تلتفتوا إلى نجاح طلابهم معهم في التحصيل الأكاديمي المناسب المؤهل للكليات ذات الشغف وأدرتم ظهوركم للمعلمين المتخصصين الذين يفترض أنهم أفنوا أعمارهم في تأصيل العلوم والارتكاز عليها لبناء طالب علم بالمعنى الحقيقي …
وهي رسالة هنا لكل معلم بألا يكون أول الناقدين للتطوير كونه أساسه المتين وركنه الركين، بل عليه أن يساعد في ذلك نفسه ومجتمعه التعليمي بل مجتمعه كله وطلابه تبعا لذلك بالبحث والتدريب والبناء المعرفي الذاتي الذي هو من صميم بناء المعلم المحترف…
إن المبادرة بنقد الشيء هي من صميم العمل الجيد وفق حريات التعبير غير المَرَضية ، لكن بشروط مخلصة وأصول موضوعية تتجاوز حدود الشخصنة والمصلحة الفردية واستحكام الاستسلام للبعوضة التي تهز جناحها فتطير لها كل الأوراق وتتحرك وراء طنينها المؤذي تيارات العبث واللاوعي …ولقد تسرب إلينا هذا البعوض بفعل فاعل ولأننا نمتلك الكثير مما لايستهان فلقد كنا نقدر بالحكمة أن نُسَيِّر منه النافع ولانساير بجهلٍ وتدابر من أراد وسعى بلؤم أن يتسع الرتق على الراقع….
أنار الله بصائرنا ودروبنا جميعا…