بصمة الموهبة
Imprint of Giftedness
بقلم: د، يحيى أحمد القبالي
تعريف الموهبة:
تتفق المعاجم العربية و الإنجليزية من الناحية اللغوية على أنّ الموهبة تعني : قدرة استثنائية أو استعداداً فطرياً غير عادي لدى الفرد .
إنّ أوّل من تطّرق لمفهوم والموهبة هو ( جالتون1883م) والملقب بجدّ علم تربية الطلبة الموهوبين، حيث كان يعتقد أنّ التفوّق وراثي وثابت في الأفراد، وقد انطلق من تخصّصه في علم الأحياء حيث ألّف كتابه الشهير ( وراثة العبقرية).
ولكن جاء من يعرّف الموهبة بتعريف يناقض ما جاء به( جالتون) مثل: ( لانج وايكوم ،1932م) و (كارتر جول ، 1973 م)
ونلاحظ الخلط قد بدأ بتعريف (جالتون) ؛ لأنّ الحديث بدأ بالموهبة ومن ثم انتهى بالتفوق والعبقرية، واعتبر أنّ الموهبة تفوقًا وعبقريّة.
إنّ مفهوم التفوّق هنا يحتاج إلى تفصيل: هل هو تفوّق عقلي أم تفوق أكاديمي؟ حيث أنّ لكلّ من الموهبة، والتفوّق العقلي، والتفوق الأكاديمي تعريفات و طرق قياس وبرامج وخصائص تُميّز كلًا منهما عن الآخر.
أمّا لما ذهب إليه (جالتون) من مفهوم عبقرية ، فإنّ هذا المفهوم قد عفا عليه الزمن إذ أنّه ارتبط بعصر الجاهلية قبل الإسلام وله علاقة بالخرافة التي تقول : بأنّ في الجزيرة العربية وادٍ يسمّى وادي عبقر نسبة إلى جبل عبقر، يقصده الشعراء لتعلّم الشعر على يد الجن، وحين يُجيد الشاعر الشعر يطلق عليه لقب عبقري، ومن ثمّ ارتبط هذا المفهوم بالذكاء الخارق.
وعودة على بدء فقد كان التناقض واضحًا فيما جاء به (جالتون ) وما جاء به كلّ من ( لانج وايكوم ،1932م) و (كارتر جول ، 1973 م) .
يعرّف( لانج وايكوم ،1932م) الموهبة بأنّها:
قدرات خاصة ذات أصل تكويني لا ترتبط بذكاء الفرد، بل إنّ بعضها قد يوجد بين المتخلفين عقلياً .
ويُعرّف (كارتر جول ، 1973 م) الموهبة : القدرة في حقل معيّن، أو المقدرة الطبيعية ذات الفاعلية الكبرى نتيجة التدرّب ، مثل: الرسم ، والموسيقى، ولا تشمل بالضرورة درجة كبيرة من الذكاء العام.
تعريف (ويثي، 1970م) والذي تبنّته الرابطة الأمريكية للأطفال الموهوبين حيث يًعرف الموهوبين: بأنّهم أولئك الأفراد الذين يكون أداؤهم عالياً بدرجة ملحوظة بصفةٍ دائمةٍ.
ويعرّف كل من ( قبالي، عبد الهادي2018) الموهبة: هي قدرة استثنائية فطرية نفسحركية أو أدائية ، تتكوّن من مجموعة من المهارات المتسّقة الدائمة والحقيقية تفصح عن نفسها ولكنها تحتاج إلى رعاية وصقل وتصنّف إلى مستويات من قبل متخصصين في مجالها، تظهر ملامحها بعد سنّ البلوغ وتتأكّد بعد سنّ الرشد، ومقدّرة من المجتمع ولا تخدمها المناهج المدرسية بشكل كافٍ، ولا توجد مقاييس عامة لقياس الموهبة بل يعتمد الكشف عنها من خلال الملاحظة المباشرة لكلّ مجال من مجالاتها.
تعقيبًا على التعريفات السابقة نستخلص النقاط التالية:
1-الموهبة قدرة فطريّة وليست وراثية، تولد مع الشخص الموهوب من خلال تكوينه الجيني، وهي صفة متنحيّة.
2-الموهبة دائمة: أي تبقى هذه القدرة (الموهبة) من ميلاد الموهوب حتى مماته.
3-الموهبة لا ترتبط بذكاء الأفراد: ليس لعامل الذكاء دخل بظهور الموهبة.
4-لا تخدمها المناهج المدرسيّة.
5-تظهر ملامحها عند سن البلوغ(13تقريبًا) وتتأكّد عند سن الرشد(18) سنة.
6-تتكوّن الموهبة من مجموعة من المهارات المتسقة.
خصائص الموهوبين:
يتصف الموهوبون بخصائص تميّزهم عن غيرهم من أفراد المجتمع تجعل منهم فئة منفصلة تمامًا عن فئة المتفوقين عقليًا وفئة الطلبة المتفوقين أكاديميًا، وهذه الخصائص:
1- بصمة خاصّة لكلّ موهوب:
يتميز كلّ موهوب في إطار الموهبة التي ينتمي إليها ببصمة خاصة تميّزه عن غيره من الموهوبين بنفس مجال موهبته، فعلى سبيل المثال لا الحصر: لا يوجد مطرب يطابق صوته مطربًا آخر بنسبة 100%، ولا يوجد خطاط يطابق خطّه خط خطّاط آخر بنسبة100%، وكذلك الرسامون، و لاعبوا كرة القدم… الخ.
فلكل ّفرد موهوب شخصيته التي تميّزه عن الأفراد الموهوبين في مجال موهبته فلا تطابق بين موهبتين ، فبمجرّد سماع مقطع صوتي لأحد المطربين، أو قارئي القرآن، أو المنشدين، يتمّ التعرّف عليهم بسهولة، ويمكن القياس على باقي المواهب بالأسلوب نفسه.
ومن خلال تجربتي الخاصة كموهوب بالخط العربي فقد كان يلفت انتباهي وانتباه غيري من الخطاطين وجود لوحات إعلانية بخط اليد –قبل اختراع الحاسوب والطابعات الاعلانية – وقد كنت وغيري من الخطاطين نميّز اللوحة الإعلانية المكتوبة بخط اليد من بعيد ونعرف من قام بكتابتها قبل أن نرى توقيعه في أسفلها بخطٍ صغير جدًا، وهذا ما نقصده بالبصمة الخاصّة للموهبة.
ومن خصائص الموهوبين أيضًا:
2-الاهتمام بالتفاصيل.
إنّ أكثر ما يميّز الموهوب عن غيره من الأفراد في مجال موهبته، التفاصيل، وهي اللمسات التي يعجز الأفراد العاديون عن إدراكها، فنجد تلك التفاصيل تبهر المشاهد أو السامع، وينبهر من طريقة توظيفها في الموهبة المحدّدة، فعلى سبيل المثال لو طلبنا من شخص عادي أن يرسم شمعة أو وردة أو غير ذلك، وفي الوقت نفسه طلبنا من رسًام موهوب بالرسم أن يرسم هذه الوردة أو الشمعة، لللمسنا تلك التفاصيل عالية الجودة من أيدي الرسام، وبإمكان أي فرد الحكم والمقارنة بين أداء الشخص الموهوب والشخص غير الموهوب بسهولة، وذلك من خلال الملاحظة منجهة،ومن جهة أخرى فإن الإنسان بشكل عام فطر على تقدير الموهبة، ويمكن القياس على باقي المواهب النفسحركية أو الأدائية ، في الشعر، والرقص، والغناء، والرواية، والألعاب الرياضية… الخ
3-المثابرة من أجل تحقيق الذات.
لا ينفك الموهوب عن المثابرة وهي السعي الحثيث غير المنقطع لتحقيق ذاته والوصول بأقصى ما يملك من موهبة من أجل ذلك، فهو دائم البحث والتجريب لما يوصله إلى قمّة الهرم الذي تنتمي إليه موهبته، فيقضي حياته ونصب عينيه الوصول إلى قمّة الهرم دون منازع، فيقضي جل وقته في تطوير موهبته وزيادة رصيده منها.
4-قدرة نفسحركية.: تآزر عقلي عضلي مرتفع، أوقدرة أدائية: توظيف الحصيلة اللغوية المرتفعة .
لقد وهب الله تعالى أفرادًا قدرات فطرية، أي ولدت في تكوينهم الجسدي تمثّلت في قدرات نفسحركية، بمعنى تآزر عقلي عضلي وهي المواهب التي تحتاج لبذل مجهود بدني مثل: الألعاب الرياضية، الرقص، التمثيل…الخ ، أو قدرات أدائية مثل: الشعر، الرسم، الخط، فن الإلقاء، الرواية، وفن القصة، … الخ
5-قدرة استثنائية فطريّة حقيقية:
تعدّ الموهبة قدرة فطرية ، أي تولد مع الفرد، وتشترك الفطرة مع الوراثة بتكوينها الجيني،غير أن الوراثة ممتدة من خلال أجيال، أما الفطرة فهي صفات جينية متنحيّة ينفرد فيها الموهوب عن آبائه وأجداده، فقد نجد شاعرًا واحدًا من ضمن عائلة ممتدة ، أو خطاطًا.. او مطربًا…الخ وهذا ما نطلق عليه بالفطرة، وقد اختلط الأمر مابين الوراثة والفطرة على كثير من المهتمين بالموهبة،واعتمدوا مفهوم الوراثة بدلًا من الفطرة بالتعبير عن الموهبة مما زاد الخلط واتسع الخرق على الراتق.
وما نعنيه بالقدرة افطريّة الحقيقيّة،أي أن هذه القدرة أصيلة في التكوين الجيني للموهوب لم يغتصبها من أحد، ولا يمكن لأحد أن يستولي على تلك القدرة من الموهوب أو أن ينسبها إلى نفسه، فهي قدرة أصيلة تميّزه عن غيره.
6-ذكاء انفعالي مرتفع:
يتمتع الموهوب بذكاء انفعالي (عاطفي، وجداني) كبير وذلك من منطلق الحرص على قاعدته الشعبية التي توفّر له الدعم وتكنّ لموهبته كلّ تقدير واحترام، فهو يعلم كلّ العلم بأنّ:الغرور مقبرة المواهب، ويظهر ذلك من خلال تفاعله مع مريديه ومحبيه من خلال مشاعر المحبة والاحترام المتبادل، فنجد للموهوبين قاعدة جماهيرية كبيرة جدًا توفّر له الدعم المعنوي والمادي.
7- تقدير ذات مرتفع جدًا:
يتمتّع الموهوب بتقدير ذات مرتفع جدًا من خلال ما توفّره له موهبته المقدّرة من المجتمع ، فالموهبة تجعل الحياة أكثر متعة، وبما أنّ الموهوب يوفّر تلك المتعة لمجتمعه ، كالمطرب، ولاعب كرة القدم، والعازف، والخطّاط، والشاعر، والروائي…الخ، نجد أن تقدير المجتمع لتلك الموهبة تجعل من الموهوب صاحب حظوة كبيرة ويتقرّب له أفراد المجتمع بشتى السبل، وكثيرًا ما كان لهذه العبارة صدى كبيرًا في المجتمعات ومفادها: بموهبتي أرتقي بأمّتي، ولقد لمسنا ذلك واقعا فكثير من الموهوبين رفعوا أسم دولهم عاليًا وأصبح يشار إليها بالبنان ويعرفها كلّ قريب وبعيد بعد أن كانت في طي النسيان أو على هامش التاريخ.
8-دائمة من حين ظهورها لدى الفرد حتى مماته.
تبقى الموهبة دائمة بدوام الموهوب صاحبها ولا تختفي إلًا بطريقتين:
1-احتفاظ الموهوب بموهبته دفينة كامنة داخله ولا يسعى لإظهارها لاعتبارات خاصة أو إعتبارات مجتمعية.
2-تعرّض العضو المسؤول عن هذه الموهبة في حال الموهبة النفسحركية لإصابة ، كبتر قدم لاعب كرة القدم مثلًا، أو إصابة صاحب الصوت الجميل بحنجرته إصابة تمنعه من التكلّم… الخ ويمكن القياس بذلك على باقي المواهب.
وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)