الملل الأكاديمي و المتفوقون أكاديميًا
Academic Boredom
بقلم: د.يحيى أحمد القبالي
يعمل التربويون بجد واجتهاد على أن يكون النظام التعليمي مستثيرًا لانتباه الطالب ومحقّقًا لرغباته ويشعره بحاجة المناهج والاستفادة منها في الحياة الاجتماعية والمهنية بحيث تكون هذه المنهاج منسجمًة مع نمو الطالب المعرفي وليست مفرطًة بالنضج المعلوماتي وحشو الأذهان، وتكون مرتبطة بحواسه ومحفزًة لها ، وتسهم في توفير فرص النمو الفكري والاستقلالية في السلوك والبعد عن الرتابة، ويكون التركيز فيها على الكيف وليس الكم، ومحققًة لنسبة من المتعة تجعل التعليم خبرة مُسرّة للطالب.
وأكّدت دراسة (Thijis & Verkuten, 2009): إلى أنّ المتعة التي تحققها خبرة التعلّم هي أحد العوامل المكونة للإنهماك في التعلّم ،غير أنّ متعة التعلم تُعبّر عن الانهماك الموقفي والذي ينتج عن استجابة بالاستمتاع الذهني نحو موقف تعليمي محدّد يمثل للفرد تحديًا وهذا ما أكّد عليه عالم النفس المشهور (سكنر) واعتبره عاملاً رئيسيًا بالنجاح المدرسي.
يُعدّ الملل صفة إنسانية سائدة، ويشير كلّ من(Kelly & Markos,2001) إلى أنّ الملل عادة يأتي من البيئة غير المثيرة، والوسط الرتيب، والمحيط غير الممتع.
ويُعرّف الملل في علم النفس: فقدان الإثارة والاستمتاع والرضا والحماس والاهتمام.
ويعرّف (Kara, &Gurbuz,2014) الملل : هو حالة عصبية تسبب عدم الشعور بالراحة واللامبالاة تجاه قبول الفرد للمواقف التي يدركها أو المواقف المتشابهة، وهو حالة تمثل الانخفاض في المثيرات المحفّزة .
ويمكن ملاحظة الملل الأكاديمي – وهو حالة خاصّة من الملل العام– من خلال المظاهر التالية : التذمر، والضجر، الامتعاض، وكثرة الشكوى من حجم المواد الدراسيّة ومن تكرارها ومن الامتحانات وصعوبتها وكثرتها، وعدم الانسجام مع المعلّم في أثناء الشرح، والتغيّب من المدرسة، وانخفاض مستوى الدافعية للتّعلّم، ويبلغ الملل منتهاه وهو أشد مظاهر الملل الأكاديمي عندما ينام الطالب على طاولته في الصف ، ويطلق على هذه الحالة (hibernator).
تناولت معظم الدراسات الملل الأكاديمي بشكل عام وتكررّت في هذه الدراسات مظاهر الملل بين طلبة المدارس والجامعات، ومن نافلة القول أنّ الملل الأكاديمي لا يقف على حدّ معين بين الطلبة فهو يظهر بنسب متفاوتة، ولم تشر هذه الدراسات إلى شريحة معيّنة من الطلبة وإنما تنوّعت الدراسات بتناول المراحل الدراسية، ويظهر الملل الأكاديمي بشكل واضح لدى الطلبة المتفوقين أكاديمًا ، فقد أشارات الدراسات بأنّ الطالب المتفوّق أكاديميًا يفقد أكثر من( 50% ) من وقت الحصة الدراسيّة، وبهذه العبارة تبدأ الكتب المهتمة بشأن الطلبة المتفوقين أكاديميًا موضوعاتها، وهذا القول هو صدى لما أثبتته الدراسات المتخصصة، حيث أثبتت هذه الدراسات بأنّ الطالب المتفوّق أكاديمًا لديه قدرة استثنائية أطلق عليها علماء النفس التربوي : الاستعداد الأكاديمي الخاص، وهذا الاستعداد مكتسب ولكنه يحتاج إلى درجة من الذكاء حتى يكون فاعلاً تزيد عن (100) على المنحنى الطبيعي لتوزيع الذكاء، وتفيد هذه الدراسات بأنّ هذه الفئة من الطلبة يمكنهم فهم واستيعاب المادة الدراسية التي يُقدّمها المعلّم داخل الغرفة الصفيّة بنصف المدّة التي يحتاجها أغلب الطلبة، وهنا تجدر الإشارة بأنّ هؤلاء الطلبة مستواهم الدراسي أعلى ممن هم في مثل صفهم وسنهم بسنة دراسية واحدة على أقل تقدير، وقد يتكوّنهذا الملل لديهم لتكرار المعلومات التي تم دراستها في السنوات السابقة.
ومن البديهي أن يكون لهؤلاء الطلبة المتفوقين أكاديميًا خصائص تميّزهم عن غيرهم من الطلبة في المجتمع المدرسي، وعليهم تقديم الدليل على ذلك التفوّق، فأمّا الدليل الذي يتمّ اعتماده عادة هو درجة القطع cut- point)) التي تعتمدها وزارة التربية والتعليم في بلدانهم والتي تُحددّ بنسبة لا تزيد عن (5%) في أعلى حالاتها ولا يمكن تجاوزها بأيّ حال من الأحوال، والتي على ضوئها يتم ترشيح الطلبة إلى برنامج التسريع الأكاديمي الخاص بهذه الفئة من الطلبة.
تعريف التفوّق الأكاديمي: استعداد أكاديمي خاص مكتسب، يحقق الطالب من خلاله مستوى مرتفع من الانجاز، يحتل به مراكز متقدمة تصل إلى( 5%) من مجموع مجتمعه الدراسي( الطلبة الذين هم في مثل عمره وصفه) أو النسبة التي تُحدّدها إدارة التعليم، واعتماد التحصيل الدراسي كمحك أساسي لهذا التصنيف، وقد يكون هذا التفوّق في بعض الحالات غير دائم وغير حقيقي، ويجب أن يخضع لمرحلة الغربلة( اختبارات تحصيلية وزارية مقننّة).
ويُعرّف الاستعداد الأكاديمي: مجموعة من الخصائص يتمتع بها المتفوق أكاديميًا تشمل: دافعية الانجاز ( حب الانجاز، المثابرة، الصبر على انجاز المهمة، هدف يسعى إلى تحقيقه، ومنافسة شريفة)
ومثال على ذلك، في حال اعتماد درجة القطع ب (5%) فإن كلّ طالب كان تحصيله الدراسي في الفصل الدراسي الثاني للصفوف (4، 7، 10) (96% أو %97 أو 98% أو 99 %أو 100%) يمكن ترشيحه لبرنامج التسريع من مدرسته، وفي حال ثبت أنّ ذلك التحصيل حقيقي بعد عملية الغربلة في وزارة التربية و التعليم والتي تعني اجتياز الطالب للاختبارات التحصيلة التي أعدتها الوزارة، وكان تفوقّه حقيقيًا يمكن تسريعه بتجاوز الصف الأعلى من صفه.
يترك الملل الأكاديمي آثارًا سلبية على جوانب شخصية الطالب ، منها:
أثبتت الدراسات وجود علاقة ارتباطية سالبة بين الملل الأكاديمي واستراتيجيات التعلم الفعال effective learning strategies ، وزيادة وتيرة أحلام اليفظة Daydream وضعف المشاركة السلوكية، بالإضافة إلى ضعف المشاركة المعرفية Cognitive engagement ، والمشاركة الوجدانية emotional engagement فالملل عامة هو حالة نفسية فسيولوجية تظهر على الفرد عندما يتعرض لفترات طويلة لمثيرات تتسم بالرتابة Monotonous Stimulus.
وقد يظهر الملل الأكاديمي مبكرًا منذ التحاق الطالب بالمدرسة ، وذلك بسبب التحاقه قبل ذلك برياض الأطفال ، تلك الرياض التي تعمل على ترحيل منهاج الصف الأول الأساسي إلى مرحلة التمهيدي، وفي هذه الحال تؤدّي إلى وجود فراغ كبير في وقت الطالب عندما يتكرر المنهاج في الصف الأول الأساسي ويكون الطالب قد اجتازه بنجاح أصلا، ويصبح هذا الطالب مصدر ازعاج لمعلمه داخل غرفة الصف.
كيف نقضي على الملل الأكاديمي لدى الطلبة؟
يجب العمل بالآتي:
1-مناهج دراسية تتمحور حول الطالب تجعل المعلّم ميسر للمعرفة لا مصدر لها. تجعل الطالب صانع للمعلومة لا متلقي لها.
2-جعل الطالب في وضع المتعلّم: يجب ان يشعر الطالب بإنجازه ويكون لديه تصور كامل حول ذلك الإنجاز.
3-جعل التعلّم ممتعًا من خلال دمج الأنشطة بالتدريس.
4-الحرص على قنوات تواصل فعالة بين الطالب والمعلم.
5-تناسب المهمّة التعليمية ومستوى الطالب المعرفي والجسدي.
6-جعل البيئة المدرسيّة بيئة جاذبة للطالب.
وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)