بقلم الدكتور يحيى القبالي
المدير الّذي نريد
عند الحديث عن الإدارة بشكلها العام والإدارة المدرسية بشكل خاص يجب أن نؤكد بأنّ الدّور القيادي هو الدّور الغالب والسّمة البارزة لمدير المدرسة ، وعلينا أيضا أن نذكر أهم واجبات القيادة أينما كانت ومهما كانت طبيعة العمل الذي تقوم فيه، فوظيفة القائد بالدّرجة الأولى هي إيجاد قادة آخرين يستطيع كلٌّ منهم أن يحلّ مكانه إذا دعت الحاجة لذلك ( فلا يُضير الشّمعة أن تشعل شمعةً أخرى)
ولابدّ أن نتطرق للحديث عن الإدارة التربويّة والتي تشكّل الإدارة المدرسّية جزءًا منها، فالمدرسة هي وحدة البناء في المنظومة التربويّة، وعلى عاتق مدير المدرسة قيادة هذه السّفينة إلى بر الأمان، وذلك بما يملك من صفات شخصيّة ( دوافعه، قيمه، طموحاته، أخلاقه)، وخبرات عمليّة( مهاراته، انجازاته)، فإذا أقتنع العاملون بسمات قائدهم تولّد في أنفسهم الانتماء الوظيفي وحبّ المهنة وبالتالي ستتوالى الانجازات والمشاركات الفاعلة، والسير بخطى ثابتة نجو تحقيق الأهداف، وتستمد الإدارة المدرسية سلطتها وشرعيتها من المسمى الوظيفي، وهذه السلطة ذات حدّين تفرض على مدير المدرسة إمساك العصا من الوسط لا يميل إلى الإفراط في الثواب ولا إلى التفريط في العقاب، وعليه ألا يُغلّب العاطفة على العقل ولا العقل على العاطفة، وينظر إلى الأمور من زوايا مختلفة قبل اتخاذ أي قرار
وتعرض لنا كتب الإدارة التربويّة عدة أنماط للإدارة المدرسيّة، وبطبيعة الحال تنطبق هذه الأنماط على مدير المدرسة بصفته الإداري الأول في المدرسة، ومنها:
أنماط للإدارة المدرسيّة
1-الإدارة الديمقراطيّة.
2-الإدارة الفوضويّة.
3-الإدارة الاستبداديّة.
4-الإدارة الدبلوماسيّة، وهناك العديد من الأنماط ولكنّها بمجملها لا تبتعد كثيرًا عن هذه الأنماط الأربعة.
ويمكن للقارئ تصوّر سلوك كلّ نمط من هذه الأنماط دون التّطرق إلى الشرح الممل.
ومن نافلة القول أنه لا يوجد هناك قالب نستطيع من خلاله تشكيل القائد؛ لأن القائد جوهر ومضمون وليس شكل وجسم، ولكن هناك خطوط عريضة يجب أن ُتمّثل مظلّة لصفات قائد المؤسسة التربوية ونعني هنا : مدير المدرسة، وهذه الصّفات يجب أن تتوافر بحدها الأعلى فلا مجاملة ولا محسوبية يجب أن يكون لهما وجود في هذا الاختيار؛ لأنّ ذلك سيترتب عليه مصير أمّة، فالعملية التربويّة في أيّ بلد ترتبط ارتباطا عضويًا بالسياق السّياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد الذي تنتمي إليه
ومن صفات القائد الناجح
الانتماء إلى مهنته، ففاقد الشيء لا يعطيه، والانتماء ليس شعارات تتردد ولا عبارات تزيّن الجدران، بل سلوك واضح يمكن قياسه إجرائًيا من خلال الانجازات على أرض الواقع
العدل بين العاملين في المدرسة: ونعني بذلك معاملة جميع العاملين في المدرسة بروح القانون وليس بالقانون بحذافيره، فلكل بيئة تربويّة خصائصها ومعطياتها ، ولا يمكن تطبيق القانون حرفيّا على كلّ تفاصيل العمل، فقد ترك المشرّع مرونةً غير مخلّة في تطبيق القانون يمكن لمدير المدرسة استغلالها –في بعض الأحيان– بشرط ألّا يؤثّر ذلك على سير العمل.
من هنا يجب أن يكون مدير المدرسة على مسافة واحدة مع أفراد أسرته التربوية، ومن الضرورة بمكان أن يتخلل اللّين حزمه ولا يترك الحبل على الغارب.
القدوة : إنّ صفة القيادة تجعل من مدير المدرسة قدوة تُحتذى فالقائد دائما في المقدّمة، والقائد دائما أوّل من ينفّذ القانون، والقائد دائما أوّل من يتحمل المسؤوليّة
الثقة: تعتبر الثقة بين العاملين في المؤسسة الواحدة هي حجر الأساس الذي تُبنى عليه العلاقات الإنسانية، وإذا فُقدت هذه الثّقة فقد العمل روحه وضاعت الانجازات، وانحدر الانتاج بل تلاشى، وعلى القائد أن يبثّ الثّقة بين العاملين من جهة وبينه وبينهم من جهة أخرى ، ويُشعر كلّ واحد منهم أنّ عمله مكمل لعمل الآخر، ولكلّ منهم دور في تحقيق أهداف المؤسسة
تطوير الذات: يجب ألا يركن مدير المدرسة إلى مسماه الوظيفي ويجعله غاية رغبته وقمّة طموحه، بل يجب أنّ يدرك بأنّ هذا المُسمى تكليفًا وليس تشريفًا ، وعليه تطوير مدرسته والعاملين فيها وتطوير نفسه في المقام الأوّل، ولا يكون مجرّد رقم في سلسلة المديرين المتعاقبين على قيادة مدرسته يكرّر ويردد ويقلّد الآخرين، بل يجب أنّ تكون له بصمة إيجابية تتحدّث عن فترة قيادته وقدرته على التغيّير.
لن نطيل في سرد الصّفات الواجب توافرها في القائد بشكل عام ومدير المدرسة بشكل خاص، فكل ما يمكن قوله من صفات حميدة يجب أن تكون تحصيلاّ حاصلاّ وبديهية أكيدة في شخصيّة القائد، وفي الوقت نفسه يجب أن نعترف بالجانب الإنساني لمدير المدرسة ومدى تحملّه لضغوط العمل ولا نُصوّره بأنّه ( سوبر مان) قادر على تحقيق المعجزات، فإذا أردت أن تطاع ، فاطلب المستطاع.
والمدير الذي نريد هو ذلك القائد الذي تتوافر فيه الصّفات التي تم ذكرها، وباقي الصفات الحميدة التي لم نذكرها.
المدير الذي نريد هو القائد الذي يحمل على عاتقه تحقيق الأهداف التربويّة لمدرسته بصفتها لبنة من البناء التربوي للدّولة ، ويحسن وضعها في مكانها السّليم ليكتمل هذا البناء على أتم وجه.
المدير الذي نريد هو ذلك الفرد الذي تتشكّل منه الأسرة المدرسيّة بكل ما يحمله مفهوم الأسرة من معنى.
المدير الذي نريد هو ذلك المدير الذي يسعى لتحقيق حلمه بأن تحتلّ مدرسته قمّة هرم التّميز، والمحافظة على ذلك التميز وتطويره.
المدير الذي نريد هو ذلك القائد الذي يجددّ الهمم ويبث الأمل بمن حوله .
وأخيرا : المدير الذي نريد هو ذلك القائد الصغير الجالس على مقاعد الدراسة والذي سنوفر له كل سبل النّجاح ليكون قائدًا مميزًا في المستقبل.