المتفوقون عقليًا وسمة القيادة

الإدارة الصفيّة ومهارات القيادة

المتفوقون عقليًا وسمة القيادة

Leadership

بقلم: د. يحيى أحمد القبالي

تُشير الدراسات في مجال الموهبة والتفوّق بأنّ مهارة القيادة تُعدّ سمة رئيسيّة من سمات المتفوقين عقليًا – كما يجزم بذلك علم النفس – وتتشكّل تلك السّمة فطريًا وتُسهم البيئة بتوظيفها وتُحدّد أُطرها، ومثل هذا القول يعطينا مؤشرًا صريحًا بأنّ سمة القيادة الحقيقيّة لا يمكن اكتسابها، فليس من المعقول بانّ أصحاب برج الأسد مثلًا يُولدون بشخيصّة قياديّة، أو من كان الابن البكر لأبوية، أو من ولد يوم كذا، أو من يشبه فلانًا سيصبح قائدًا، ولا يمكن أن تأتي القيادة بالتّمنّي، والحديث هنا عن الشخصيّة القياديّة الحقيقيّة وليست القيادة المتوارثة أو بسبب المتغيرات الدخيلة، كالمحسوبيّة والعشائريّة والجهويّة وغيرها، وليس من الصواب بمكان أن تكون القيادة بالقرعة، أو الاستهام، أو المداورة

تُعدّ القيادة سمة من سمات المتفوقين عقليًا وليست خاصيّة ، فالسّمة بشكل عام يمكن أن تتوفر لدى المتفوقين عقليًا أو لا تتوفر، أو لا تدعمها البيئة، أمّا الخاصيّة فهي صفة أصيلة مثل التفكير الإبداعي، لا تتأثّر بتغير الزمان أو المكان، فبدون هذه الخاصيّة ينتفي انتماء الفرد إلى هذه الشريحة من الأفراد

القيادة بين الفطرة والبيئة

قام كثير من الباحثين والدارسين بتحليل القيادة ووصف السّلوك المصاحب للأدوار القياديّة باعتبار القيادة دور اجتماعي مؤثّر في الحياة الاجتماعيّة الإنسانيّة والحيوانيّة على حدٍ سواء، فالقيادة نوعيّة بمعنى أنّ القائد ينتمي إلى المجموعة التي يسيطر على أفرادها، فكلّ نوع من الأحياء يكون له قائد من نفس نوعه الذي ينتمي إليه، ولطالما حلم الإنسان بأن يكون قائدًا لأنواع أخرى من الأحياء التي تشاركه الحياة ، وقصة ماوكلي ، و طرزان، وحي بني يقظان تُؤكد ذلك الحلم، مع الفرق الجوهري بين القيادة الإنسانيّة والقيادة الحيوانيّة، بأنّ القيادة الحيوانيّة تتخذ من القوة والقسوة طريقًا للسيطرة وإثبات الأفضليّة

وتُعرّف القيادة: بأنّها تأثير فرد في أفاعيل ومسالك ومعتقدات ومشاعر فرد آخر أو أكثر، وحفزهم على التعاون الإرادي

وتعرّف القيادة أيضًا: بأنّها عملية تأثير في نشاطات مجموعة ومساعيها للوصول إلى رسم أهداف مشتركة والتحرّك جماعيّا لإنجازها، فالقائد يستمد نفوذه من دوره ومركزه الوظيفي، ولكن سماته الشخصيّة يكون لها حضور دائم وتضفي على مركزه صفة القيادة الفعّالة

دور القائد

ليس من الحكمة ألاّ يعرف القائد دوره، وكذلك ألاّ يدري أفراد المجموعة ما عليهم تنفيذه أو الوقوف عنده، فالقائد يمارس دوره في المجموعة بصفته

الشخص الأكثر تأثيرًا إيجابيًا من وجهة نظر المجموعة

الشخص المركزي الذي يقع في البؤرة من المجموعة وتنغرس شخصيته في مُثل الآخرين، ويصبح تجسيدًا لإرادتهم وتوجهاتهم، فعندما يكون القائد مشاركًا في اتخاذ القرارات فهو مُطالب للتحلي بصفات الجرأة والشجاعة والابتعاد عن الصفات التي تشوّه مكانته أو تسيء إلى موقعه التنظيمي

الشخص الذي يأخذ بيد المجموعة نحو تحقيق أهدافها بصفته القدوة في العطاء والتضحيّة والإيثار، مثل هذا القائد يُجسّد الثقة ويستطيع توجيه الحشود نحو الأهداف المشتركة

الشخص الأقوى تأثيرًا في خلق بيئة للتفاعل بين أعضاء المجموعة واستمرارها، فهو يسعى باستمرار إلى تكامل العمل وتوزيع الأدوار بين أفراد مجموعته حسب قدراتهم الذهنيّة والجسديّة

نظريات القيادة

لا تنشأ القيادة من فراغ، وقد يتبادر إلى أذهاننا عدة تساؤلات تؤكّد هذا القول، ومنها: هل كلّ فرد قادر على القيادة؟ وهل إذا تغيّرت الأحوال والظروف سيتغيّر دوره أو يُؤثر ذلك التغيير على قيادته للمجموعة؟ وما الذي يجعل فردًا قائدًا لمجموعة دون سواها؟ من هذه التساؤلات ظهرت النظريات المفسّرة للقيادة، ومنها

نظرية السمات الشخصيّة( الرّجل العظيم) : وهي أقدم النظريات في هذا المجال، وترى أنّ القائد مفطور على القيادة ، ومجبول على سجايا شخصيّة تُؤهله لهذا الدّور

وقد عبّر عن هذا القول الكاتب الفرنسي ( كارليل،1834م) في كتابه ( الأبطال): أنّ القائد مفطور من خالقه على الحكمة والخير والشجاعة، يتمتع بقوى غير ِعاديّة ، غير خطّاء كما هي حال غيره. وكان كتاب ( كارليل) عبارة عن دراسة أدبيّة اختار لعرضها وتحليلها أرقى النماذج الإنسانيّة، كالنبي مُحمّد( صلّى الله عليه وسلّم) ، ومارتن لوثر، وشكسبير وغيرهم، والعنوان العريض لنظريّة السّمات: إنّ القادة يولدون ولا يُصنعون

النظريّة الموقفيّة: يرى أصحاب هذه النظريّة أنّ الصفات والمهارات التي تُمّيز القائد وتعمل على ابرازه تتحدّد إلى حد كبير بطبيعة المواقف التي تُوجد فيها الجماعة، ويتحدّد الموقف عادة بالعناصر التالية

*بنية العلاقات بين الأشخاص

*مميزات المجموعة من حيث العمر والمستوى الاقتصادي أو العملي مثلًا

*مميزات الثقافة الكليّة التي تُؤمن بها الجماعة

*الظروف الماديّة المحيطة بالجماعة، والمهمّة الموكلة إليها

النظرية السلوكيّة : تركّز هذه النظريّة على سلوك وأفعال القائد لا على سماته وصفاته، وهي تتناقض مع النظريّة السلوكيّة، لأن نجاح القائد يعتمد على سلوكه، فهذه النظريّة تصف استجابة القائد للموقف، وتُؤمن بأنّ القادة يُصنعون ولا يولدون

نظريّة قيادة المعاملات( الإدارة): تدور هذه النظريّة حول الإشراف والتنظيم والعمل الجماعي حيث تعتبر أنّ المكافآت والعقوبات كأساس لأعمال القيادة، وتحفيز الموظفين، وهي شائعة في مجال الأعمال، والوظائف الحكوميّة

وهناك عدة نظريات أخرى تتعلّق بالقيادة ولكنها تدور بفلك النظريات التي تحدثنا عنها أعلاه

الخلاصة: قد يكون مبدأ : وضع الرّجل( الفرد) المناسب في المكان المناسب، هو الحل الفيصل في تبؤ المراكز القياديّة، وقد نميل إلى نظريّة السّمات أكثر من ميلنا إلى باقي النظريات، حيث أنّها أقرب ما تكون إلى ما توصّل إليه المختصون في مجال الموهبة والتفوّق، بأنّ سمة القيادة هي من أهم السّمات التي يتمتع بها المتفوقون عقليًا ؛ نظرًا لقدراتهم العقليّة الفائقة وقدرتهم على التخطيط واتخاذ القرار، بالإضافة إلى السّمات الأخرى التي تُمهّد لهم الطريق لقيادتهم المجموعات، مثل: الشعور بالمسؤولية، المثابرة، الانفتاح على الخبرات الجديدة، التركيز على المهمات، التأثير في المحيط، تقدير انجازات الآخرين، سرعة التأقلم مع المجموعة، المبادرة، أكثر استقلالية وأقل استجابة للضغوط من زملائه، روح دعابة متطوّرة، القدرة على حل المشكلات…الخ

إنّ المتفوّق عقليًا ذوو التفكير الإبداعي، يدرك مدى قدراته فيلزم نفسه بحدودها، ولديه من الحكمة ما يجعله يقدّر عواقب الأمور فلا يسعى للقيادة؛ لعلم الأكيد بثقل المسؤولية وعظم الأمانة، وفي حال تمّ تكليفه بقيادة ما فإنّ إنجازه يكون مختلفا كمًا ونوعًا عمن سواه

وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)

Loading...
Play ButtonPlay Button

 

You May Also Like