إدارة رأس المال الفكري في المؤسسات التعليمية بقلم الدكتور يحيى القبالي
يعتبر مصطلح رأس المال الفكري مصطلحا حديثا نوعا ما ، فقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة على يد المؤلف إدفنسون (Edvinsson) عام (1993م) ويعتبر كتاب (رأس المال الفكري الثروة الجديدة للمنظمات) والذي صدر عام (1997م) من أوائل الكتب في هذا المجال، ولقد كان لمعطيات العصر الحديث الأثر الأكبر في ظهوره حيث فرضت هذه المعطيات واقعا مختلفا على المؤسسات التعليمية عما كان الواقع عليه قبل الانفتاح والتطور المعرفي والعولمة وثورة تقنية المعلومات والاتصالات، وفرض هذا الواقع رؤية مغايرة على هذه المؤسسات لتبقى في مجال المنافسة، وتتطلب منها وضع خطط تكفل وجودها وتعمل في الوقت نفسه على السير بها إلى المقدمة بإدارة المعرفة والمحافظة عليها لتضمن سمعتها وكيانها، مدركة بأن رأس المال الفكري هو المورد الأساس للتحول إلى مجتمع المعرفة، منطلقة على أرضية صلبة، من خلال استقطاب الأفراد أصحاب الفكر والإبداع والابتكار الذين يتصفون بالنظرة العميقة الشاملة التي تعمل على استدامة تقدم تلك المؤسسات.
ولرأس المال الفكري قدرة على البقاء فهو يتصف بالديمومة ومواكبة تغيرات العصر بعكس
راس المال المادي والتي تربطه مع الزمن علاقة عكسية، ولا يقتصر دور المؤسسات التعليمية على استقطاب الكفاءات بل على استمرارية تطويرها وضخ الدماء الجديدة فيها، وتهيئة البيئة ماديا ومعنويا للحفاظ على هذه الكفاءات المبدعة، ولا يقتصر رأس المال الفكري على المؤسسات المدرسية فقط بل يتعدى ذلك إلى المنظومة التعليمية برمتها من وزارة ومديريات ومناهج دراسية وأفراد، وبنية تحتية
ولقد أصبح رأس المال المادي المتمثل ب: النقد، والمكائن والبناء…يحتل المرتبة الثانية بعد رأس المال الفكري المتمثل بالأشخاص ذوي القدرات العقلية المنفتحة والمنتجة، فهم عماد التطور ورأس المال الحقيقي ويعتبر أكثر الموجودات قيمة في القرن الواحد والعشرين
وفي هذا الصدد يقول الزائدي(2015م) إن إدارة رأس المال البشري تسهم في جودة نوعية مكاتب التعليم والمدارس الواقعة في نطاق إشرافها، وهذا بدوره يساهم في جودة فرص التعليم التي يتلقاها الطلبة ؛ لأن ما يتعلمه الطلبة يعتمد بشكل جوهري على المعرفة والمهارة للمعلمين والقيادة المدرسية والإشراف التربوي
ومن نافلة القول : يجب على المؤسسات التعليمية – بصفتها عماد المجتمع – المحافظة على رأس المال الفكري لديها ومعرفة كيفية إدارته وتوجيهه التوجيه الأمثل لتوليد معرفة جديدة بقيمة محدّثة لتحقيق القيمة التنافسية على المدى البعيد
وليس من الحكمة التوقف عند حد معين من التنافسية والجمود بحجة نجاح الفترة الحالية، فالزمن لا ينتظر أحد، والإبداع و الابتكار ليس له وطن أو حدود ، والتنافس مشروع ومتاح للآخرين، والتخطيط بعيد المدى لا يعتمد على موجودات الحاضر فلكل زمان دولة ورجال، والتنافسية تحتاج دائما إلى تضحيات ومغامرات محسوبة بحيث لا تتعدى قدرة المؤسسة وتقع فيما لا يحمد عقباه
ولا تقع مسؤولية إدارة رأس المال الفكري على رأس الهرم الإداري في المؤسسات، بل يجب أن يكون للتشاركية دور فاعل من خلال وضع القوانين الناظمة – العالمية والمحلية – لعملية الاختيار، وضمن الامكانيات المتاحة، ولا يمنع ذلك الاستفادة من خبرات مؤسسات مشابهة في هذا المجال وأخذ تجربتها بعين الاعتبار، حيث أورد الشمري( 2013م) : أن إدارة رأس المال الفكري يساعد النظام التعليمي على تحقيق أهدافه وفق معايير محددة لرفع مستوى أداء وتطوير المخرجات التربوية
وكلمة أخيرة في هذه المقدمة: يجب أن تقوم المؤسسات بشكل عام والمؤسسات التعليمية بشكل خاص على الكفاءات وليس على العلاقات، فعندما يكون رأس الهرم في المؤسسات التعليمية ذو كفاءة وقدرات مميزة فمن المنطق أن تكون المخرجات ذات جودة عالية تستحق التقدير، والعكس صحيح ففاقد الشيء لا يعطيه
ويؤكد زرزار(2015م) : أن الفشل في إهمال رأس المال الفكري قد يؤدي إلى سلسلة من الخسائر على مستوى المؤسسة، فالتخصيص غير الكفؤ للموارد ينتج عنه عدم قدرة المؤسسة على تحديد قدرتها والتنبؤ بقيمة أعمالها المستقبلية
أهمية رأس المال الفكري
يعتبر رأس المال الفكري في ظل اقتصاد المعرفة أكثر الأصول قيمة ومصدر التنافسية، وتعتبر إدارته أهم المرتكزات لنجاح أي مؤسسة، و تتضح أهميته بالآتي
استثمار العقول: يمثل استثمار رأس المال الفكري حجر الزاوية في استقطاب الكفاءات واستغلالها في بيئتها التي نشأت فيها لمعرقتها التامة بحاجات مجتمعها، ويساهم ذلك بالحد من هجرة العقول
والتنافس الشريف: إن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من شأنه توفير بيئة آمنة لكل العاملين في المؤسسات التعليمية وغيرها فهو الأقدر على اكتساب ثقة من حوله واستثمار قدراتهم في انجاح مؤسستهم
–عمليات التنمية المستدامة: يساهم رأس المال الفكري في استدامة عمر المؤسسات من خلال البحث الدؤوب عن أمثل الاستراتيجيات لتلبية متطلبات المرحلة
عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية: مما لا شك فيه أن نجاح المؤسسات يلقي بظلاله على نجاح المجتمع برمته من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية ولا يتأتى هذا النجاح إلا باستثمار العقول القادرة على التغيير في الاتجاه السليم
كيفية إدارة رأس المال الفكري
لا يقتصر عمل الإدارة في أي مؤسسة على اختيار رأس المال الفكري وحسب، بل يمتد عملها إلى أبعد من ذلك كما يقول خليل( 2015م) هي استراتيجية متكاملة لاكتشاف وتنمية واستثمار الأصول الفكرية والقدرات المعرفية للعقول البشرية المبدعة، وتهيئة البيئة التنظيمية والاجتماعية الداعمة لها ولعملية تدفق ونشر المعرفة ؛ لتدعيم التطور التنظيمي وتحقيق التميز في الأداء وزيادة كفاءة وفاعلية المؤسسة
ولا يقتصر دور ادارة رأس المال الفكري على موجودات المؤسسة المعنوية والمادية، بل يشمل البيئة المحيطة ومتطلباتها أيضا، وعلى الإدارة الواعية أن لا تغفل دور المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية من حولها، وتوفير البيئة التعليمية الآمنة لطلبتها والأمان الوظيفي للهيئة التدريسية، وبث روح التنافس الشريف بينهم وتقدير كل مجهود ، والسعي إلى تطويرهم مهنيا
الاستراتيجيات العملية لإدارة رأس المال الفكري
وضع توماس( 2004م) كما جاء في الراشدي(2017م) في كتابه ( ثورة المعرفة : رأس المال الفكري ومؤسسة القرن الحادي والعشرين) الاستراتيجيات العملية لإدارة رأس المال الفكري والتي تتكون من أربع خطوات، وهي
اولا – التعرف على الدور الذي تلعبه المعرفة في المنظمة كمدخل ووسيلة إنتاج ومخرج، وذلك عن طريق التعرف على مدى اعتماد المؤسسة على المعرفة ، تحديد الأشخاص الحاصلين على مقابل مادي مساو للمعرفة ، والتوصل إلى المقابل المادي والمسؤول عن تقديمه، ومحاولة معرفة ما إذا كان المالك للمعرفة هو نفسه القادر على تقديم القيمة القصوى
ثانيا – تحليل الأصول المعرفية المولدة لتلك الايرادات والقيام بتحديد الخبرات والقدرات والعلامات التجارية والممتلكات الفكرية والعملية والتعرف على مزيج أصول رأس المال البشري ورأس المال الهيكلي ورأس مال العملاء
ثالثا – وضع استراتيجية للاستثمار في الأصول الفكرية واستغلالها من خلال التعرف على الاستراتيجيات التي تزيد من المعرفة للمؤسسة وأعمالها ،ووضع الطرق والاساليب التي يمكن أن تستخدمها المؤسسة لزيادة قدرتها على تفعيل أصولها الفكرية، والبحث في إمكانية تحسين نتائج المؤسسة عن طريق إعادة هيكلة الأصول الفكرية بتحويل رأس المال الفكري إلى رأس مال هيكلي أو العكس
رابعا – تحسين العمل المعرفي والعاملين المعرفيين
وهناك عدة استراتيجيات يمكن الاعتماد عليها لإدارة رأس المال الفكري
كيف نقيس فاعلية رأس المال الفكري؟
لا بد من توافر معايير ثابتة لرصد وتقييم الأداء، و لكن من الصعوبة بمكان تحديد طريقة واحدة لقياس رأس المال الفكري، بالرغم من وجود عدة مقاييس مثل مقياس جينكس و ألفمان (Jennex&Olfman) الذي يسمى بنموذج التأثيرات الناجحة ، ويشمل على خمس مراحل: وهي: جودة النظام، وجودة المعرفة، ورضا مستخدم المعرفة، والعوائد المتاحة ، والأثر الرجعي.
يبقى قياس نجاح رأس المال الفكري مرتبطا بنجاح المؤسسات وقدرتها على التنافس والبقاء في ظل التقلبات الاقتصادية والاجتماعية.