القيادة التربوية دفء ووقود
ذات مرة وفي لقاء تربوي وأنا أعمل في إحدى المؤسسات التعليمية في الخليج،همس أحد المسئولين في أذني قائلا : إن الدولة تنفق مليارات على ميزانية التعليم، لكنها تقف عند باب المؤسسة… فالتفتُّ متأملا ماهمس به، وحاولت أن ألتزم مهنيا فأدافع مبدئيا عن بعض المجتهدين، وأعتذر للمقصرين عن تقصير من هم في المستوى الأعلى في رعايتهم من ناحية، ولاأعفي هؤلاء المعنيين في همسته من تقاعسهم في فهم مسئولياتهم والتعرف على أمانة وحقيقة المهمة المنوطة بهم، وكان لابد أن أقيم دوري والاحتياط على الأقل لمقاومة تلك الآفة فيمن يعملون معي إن وُجدوا؛ لكنني رصدت مجتهدا ماينبغى أن يكون حتى لاتضيع تلك المليارات سدى من ناحية كونها أموالا عامة فضلا عما وُظفت من أجله في بناء الأجيال و تشييد الحضارة فكان ماشدني هو أننا كيف نصنع الدفء في العمل ونكون الوقود الذي يشعل حرارة التفاعل
إن هناك جوانب كثيرة تعكس لدينا القناعة بأن التأثير الفردي المتكئ على العلم والخبرة، وبالتالي إدراك المحيط العامل بكل أفراده بأبعادهم المتباينة، هو ذلك البعد الذي تلحظ فيه التفافا وتآلفا وتغيرا وانتقالا في جو العمل من حال إلى حال، يبرز في صدارتها تغير القناعات لدى الأفراد
وهي وإن كانت ملاحظة تبدو متعجلة إلا أنها تأخذ خطوات تبدو وئيدة؛ لكنها تمتلئ ثقة رويدا رويدا من خلال بعد له دعامتان هما (رؤية – رسالة) وتنطلق كل عمليات التحول اللاتقليدي في العمل متحررة من قيود وأغلال الترهل والاستسلام لموروثات أغفلت جوانب الحركة والتطور والحالة المتجددة للأجيال وللحياة بشتى مناحيها، فتلمس ذلك التأثير الدافئ من خلال ترتيبات وتكوينات ولقاءات ومحاور تجذب وتحول كل وحدات العمل إلى خلايا نحل فاعلة، تحكمها الديناميكية وتطرز خيوط جهودها علوم الحداثة الهادفة والواعية لاالهادمة أو المغيرة لخصائص المجتمع. هذا بشكل عام
وعندما تدقق النظر في نتاج هذه القفزة تستطيع أن تجد تفاصيلها عبر محاور هي على النحو التالي
دراسة واقع وأبعاد مادية وبشرية قائمة
محكات واستثارات على مستوى الأفراد تكشف الطاقات والاستعدادات للجديد
استكشاف ورصد ثقة الأوساط المتابعة ومدى رضاها عن الأداء والنتائج
مقارنة الكيان المؤسسي بنفسه عبر فترات زمنية متقاربة من ناحية، وبين الكيان المؤسسي ومثيله من الكيانات المنافسة من ناحية ثانية لبيان مدى التمركز والمكان والمكانة
تتبع مدى التقدم أو الثبات أو التراجع مرتبطا بقراءة أثر عناصر التأثير المهني والفني للربط بين تأثير القيادة في تطوير العمل ونمو أفراده من عدمه
احتضان عناصر الفكر المتطور من خلال البند الثاني والعناية بها ووضع برنامج رعاية ودعم وتوظيف يفيد فكرة الانتقال
رسم التصور الخططي ذي الأبعاد المعيارية التي تحدث الفارق بين العمل العشوائي والعمل المخطط له
وضع التصور الجديد والتوصيف الفني على مستوى الوظائف وتبعيتها ومسئولياتها فيما يعرف بالهيكلة الوظيفية
وضع برامج التنمية والتدريب المهني لكافة العناصر عبر أساليب مباشرة وغير مباشرة
دعم الوظائف ذات الاحتياج بنوع جديد من الدراسات الذاتية التي تضمن المواكبة وتثبت الأثر
ملاءمة الانتقال لإمكانات الأفراد والحرص على التدرج والتحفيز لضمان رفع المعنويات المستمر وبالجد والحرص اللازمَين
إن كثيرا من المؤسسات التربوية القائمة تضل طريقها نحو أداء رسالتها لغياب الدور القيادي الذي يبعث في جنباتها الطاقة المعلمة والدفء الواعي والوقود المحفز لتحقيق أهداف ومعايير رسالة العلم التي تعتمد الأوطان على مرتكزاتها البناءة في بناء نهضتها وتقدمها وحضارتها وقبل ذلك كله أمنها في شتى المجالات التي تصب في صالح المواطن بشكل عام، والتي تنبع من ملكات وفكر وثقافة وفهم ووعي كثيرين ممن يحسنون سياسة وقيادة العاملين في مؤسسات التربية والتي تجيد بمهارة تعويد الحصان أن يشرب وحده بدلا من أن تجره إلى النهر