ماذا بعد الفقر التعليمي؟
بقلم: د.يحيى أحمدالقبالي
يُعرّف علم النفس التعلّم بأنّه: تغيّر في السلوك.
والمقصود بالتعلّم هنا سواء كان في الاتجاه الإيجابي أم في الاتجاه السلبي، فكلاهما يُعدّ تعلمًا.
والهدف الأسمى للتربية هو بالفعل التعلّم الإيجابي المتمثّل ببناء شخصية الفرد وتكوينها بشكل متكامل ومتوازن من كافة الجهات الشخصية و الجسدية والنفسية .
ومن منطلق المثل الأجنبي : If the plan doesn’t work change the plan but never the goal إذا فشلت الخطة ، فاستبدلها بخطة أخرى، ولا تغيّر الأهداف.
وبناء على ما نعيشه الآن من تراكم خطط تعليمية فاشلة سدت الأفق أمام تغيير حقيقي يكون كفيلًا بإعادة الأمور إلى نصابها وعلى ما كانت عليه دون تجزئة أو تسويف، فمن المنطق أن تتضافر الجهود لخلق بيئة مواتية لهذا التغيير، ويجب الّا نرفع سقف توقعاتنا ، فما اكتسب الحرارة ببطء سيخسرها ببطء، فهذا الحال الذي نحن عليه من ضعف مخرجات التعليم لم يتشكّل بيوم وليلة، بل على فترات امتدت لسنوات، تمّ من خلالها تهميش الكفاءات واستيراد مناهج كان من الأجدر تكييفها بما يناسب مجتمعنا، والاهتمام بالبيئة التعليمية الجاذبة الآمنة التي تنبذ العنف في مدارسنا وتكون المدرسة بيئة تعلّم حقيقية (Learning environment) ونبذ العنف في مجتمعنا الذي هو امتداد للمنهاج الدراسي؛ كي لا يعيش الطالب حالة اغتراب بين ما تعلّمه في مدرسته وبين واقعه المعاش، وتوفير فرص قيادية للمتعلّم من خلال تجويد التعليم ، والوفاء بمتطلبات كلّ شريحة من الطلبة بما يتوائم مع احتياجات الثورة الصناعية الرابعة التي نتفيأ ظلالها، وتقوية الشراكة المجتمعيّة بين المدرسة والمجتمع، وتعزيز البيئة الداعمة للامركزية في التخطيط والمساءلة لبرامج تطوير المدرسة المستدامة، وتهيئة الأجيال للتعامل مع المؤثرات المستقبلية باقتدار من خلال التعاون بين المثلث التربوي : البيت، المدرسة، المجتمع.
فالتعلّم وحده لا يكفي دون ممارسات واقعيّة تدلل على اكتساب ذلك التعلّم، ومن هذه الممارسات: سيادة العدل في البيئة المدرسيّة ، ووضوح الرؤية والرسالة، والانفتاح على الآخر، واستغلال الذكاء الاصطناعي، والاهتمام بالتوجّه المهني للطلبة، والالتزام بالحقوق والواجبات، وتنمية حس الانتماء للوطن والأمّة، وتشجيع الموهبة والإبداع والتفكير الناقد، وتحريك الدافعية الراكدة لدى الطلبة ياستثارة تفكيرهم وتعزيز إنجازاتهم بحيث يصبح الطالب مشاركًا في التعليم ومنتجًا له وليس مستمعًا فقط.
إنّ البيئة المدرسية هي المجال الحيوي لتطبق كافة النظريات ، ففيها الحزم والسيطرة التي لا تتوفّر خارجها، ويجب أن يكون فيها أيضًا ما يلبّي احتياجات الطلبة واختلافهم.
وعلى ما تقدّم فلا نظن بأن ّهناك من يرى غير ذلك ، وإن اختلفت الرؤى فالهدف واحد، ولا يجب أن ننتظر لما بعد الفقر التعليمي، والذي أشار إليه تقرير البنك الدولي وقصد به: أنّ نسبة كبيرة من الأطفال دون سن العاشرة لا تسنطيع قراءة نص صغير مناسب لهم وفهمه ، مما يؤدّي إلى قصور في تعلّمهم وإعاقة تقدّم بلدانهم في مجال رأس المال البشري.
إن اتخاذ البنك الولي القراءة كمقياس للفقر التعليمي لم يأتي من فراغ، فاللغة هي القاسم المشترك للتعلّم والتواصل، ولا غنى عنها لأي فرد من أفراد المجتمع،و يقول (الزيات، 2003م) في هذا الصدد: تلعب اللغة وعوامل اكتسابها دورًا محوريًا بالغ الأهمية في النمو العقلي المعرفي للطفل ، وهي من أعظم المحددّات لآدميّة الفرد وإنسانيته، وبها وعليها يتوقف أي إنجاز إنساني، فهي وعاء الفكر الإنساني بل الفكرالإنساني نفسه، وهي الحضارة الإنسانية عبر تاريخ الجنس البشري ،ولسنا نغالي إذا قلنا هي الحياة الإنسانية بكلّ ما تزخر به من علمٍ ومعرفة وتراث إنساني.
ويتصدّر هذا الحديث السؤال التالي: ما أهميّة القراءة كمدخل من مداخل اكتساب اللغة في النظام اللغوي؟
والواقع إنّ الإجابة على مثل هذه السؤال بات يشكّل ضرورة معرفيّة في ظل التوجهات الحالية لنظمنا التعليمية التي شكّلت عاملًا محوريًا وأساسيًا في التداعيات التي لحقت بالمستوى اللغوي ،ومن ثمّ المستوى العقلي المعرفي والمستوى المهاري لأبنائنا.
وعودة إلى العنوان أعلاه: ماذا بعدالفقر التعليمي؟
لقد دُق جرس الانذار وتلاحقت أخبار تدني نتائج التعليم وانحدر الى مستوى لم نكن نتوقعه، وبتنا بانتظار نتائج التصنيفات التربوية العالمية والإقليمية والعربية ، وما زلنا نختبئ خلف ابهامنا، ونتمنى الأمنيات مع علمنا بأنّ التمني من بعضه المستحيل ولن يحرّك التمني ساكنًا ما دمنا نجلد أنفسنا ونتبادل التّهم.
فلا بدّ من وقفة جادّة بمد الأيدي لمن يمكنه المساهمة في يقظة التعليم، دون تحيّز أومواربة، فكل عام دراسي يمرّ على هذا الحال سيؤخّر مسيرتنا التعليمية أجيالًا متعاقبة ، فأبناؤنا أمانة بأيدينا.
وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)