الفساد والعمالة
بقلم الدكتور محمود المسّاد
مع أن عنوان هذا المقال أسود ومُؤذٍ، إلّا أن الغاية منه بيضاء تهدف إلى التوعية بحدّ ذاتها، وكما يقال: مثل الدواء مرّ ومزعج، لكن فيه الشفاء لمن يرغب في ذلك ويسعى صادقا للتوبة، والتراجع والحفاظ على بعض الإرث النظيف للأبناء والأحفاد
يُعرَف الفسادُ بأنه مرض عضال يسري سُمُّه في جسد المجتمع فيصيبه بالعطب والعفن، وبسببه تضيع الأموال وتُنتَهك الحقوق، وتستشري العداوة، ويموت الاحترام للذات ومن الآخر. وعندما يصبح الفساد ظاهرة في المجتمع بفضل الفاسدين، يسود فيه الباطل، ويزول الحق، ويغيب العدل، ويفتخر الشخص بانحرافه، ويحلو له الزهوّ بعنتريات مكشوفة، وخوض معارك من نوع الخيال العلمي
أما العماله بمعنى بيع الذمّة والضمير والمبدأ مقابل رضا بعضهم؛ أملا بموقع، أو طمعا بمبلغ زهيد من المال على حساب ضرَر يستهدف صاحب حقّ، أو مجموعة مخلصة، أو وطنا نظيفا، فلم أجد بكل المعاجم معنى مباشرا وصريحا لذلك. فقد ذهبت بعض المعاني للعامل والعمالة والعميل بمعنى الزّبون، ومن يتم استئجار جهده وعقله لتنفيذ عملٍ ما. وهنا وقفت مندهشا لأجد الجذع المشترك الذي يحمل وجهين اثنين: الأول؛ يتحدث عن عمل شريف لعامل عرقُه مجالُ فخر، وأجرُه مالٌ وكَسبٌ حلال، والوجه الآخر؛ غير شريف يجلب لصاحبه العار والترخّص والخزي والمهانة
لقد اعتادت الناس على رؤية فاسد، أو عميل!! غير أنه من الندرة في سابق الأيام أن نجد فاسدا أوعميلا في شخص واحد، أو فاسدا وعميلا في ثوب شريف يذكرك بقول: برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظين ، لكن من المؤسف أن يكون الفساد والعمالة في هذه الأيام ميزة لصاحبه، ومجال فخر تحت مسميات الفهلوة والذكاء الاجتماعي، والدهاء واللعب على الحبال حتى لو تجاوزت هذه المسميات المئة
إن ذلك كله من أمراض هذا العصر الذي انقلب فيه كل شيء بفضل المنحرفين عن جادّة الحق والصواب
يبقى الأمل بالله قائما في صلاح الحال بتجويد التعليم، ورفع نسبة التربية، والتحيز لاكتساب الأخلاق وتفضيل المصلحة العامة على الشخصنة، وسيادة القانون
والله من وراء القصد
إقرأ المزيد لمقالات التربويون العرب