حق الطلبة في إعدادهم ديمقراطيًا بقلم الدكتور محمود المسّاد

حق الطلبة في إعدادهم ديمقراطيًا بقلم الدكتور محمود المسّاد

حق الطلبة في إعدادهم ديمقراطيًا

بقلم الدكتور محمود المسّاد

مما لا شك فيه أن التعليم هو السبب الرئيس في المشكلات التي تعيشها المجتمعات اليوم، كما وأنه المدخل الوحيد لحل هذه المشكلات، فالتعليم هو المسؤول عن البناء الشخصي والإطار الفكري والتمكن من المهارات وكيفيات الاتصال لكل طالب وطالبة في التعليم العام، بل وفي مراحل التعليم الأولى، وعلى رأس هذه المعرفة والمهارات والاتجاهات ما يتصل منها بالممارسات الديمقراطية والمعرفة التي توجهها في عقول الجيل.

وعليه ومن باب التطبيق الفعلي لما يجري في الميدان الحقيقي للتربية والتعليم وهو المدرسة وغرفة لصف، وما يتوقع له أن يجري حال التطبيق الصحيح للفعل التربوي والتوجيه الصحيح للممارسات عمومًا والمعنية بالبناء الديمقراطي بشكل خاص.

وسأعرض مجموعة صور تحدث ونتمنى لها أن تحدث في غرفة الصف:

الصورة الأولى:

توجيه الأسئلة من قبل المعلم، وكيفية طرح المعلم للأسئلة، والزمن المتاح للطالب قبل اجابته على السؤال، جميعها حقوق أساسية للطلبة ينبغي لهم الحصول عليها في أثناء عملية التعلم. فعندما نتحدث عن الهدف الرئيس لعملية التعلّم وأنه متصلاً بتنمية التفكير، عندها لا بد للأسئلة من أن تكون بهذا الإطار (أسئلة مفتوحة تشعيبية تعتمد مهارات التفكير العليا والمركبة)، كما وأن تكون الفترة الزمنية المتاحة قبل الإجابة على الأسئلة مناسبة وكافية.

ومما يجب الانتباه إليه أن تكون الأسئلة المطروحة على الطلبة عامة ومفتوحة تعتمد مهارات التفكير العليا والمركبة، ودون تخصيص بالاسم. وإن كان لابد من التخصيص فينبغي إعطاء الطالب/الطالبة فترة زمنية قبل الإجابة. فبدلاً من أن نسأل عن عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية كسؤال مغلق يحصر الإجابة بصح أو خطأ، علينا أن نسأل: لماذا اختيرت عمان عاصمة؟ وهنا يعرف الطلبة العاصمة، وتتاح لكل طالب/طالبة عملية التفكير بالإجابة، وتتعدد الآراء ويسخن الحوار. وللتذكير تعتبر الإجابة السريعة التي لا يسبقها فترة تفكير مناسبة إجابة خارجة على إطار عملية التفكير المطلوبة. بمعنى أن التفكير قبل الإجابة حق أساسي من حقوق الطالب/الطالبة التي ينبغي على المعلم رعايتها إذا أردنا له أن يفكر، كما هي الحال بتنوع الأسئلة، وتوجيهها دون تخصيص على الأغلب.

الصورة الثانية:

ويعتبر مستوى المعلومة التي يطرحها المعلم في أثناء تفاعله في الموقف الصفي مع الطلبة هاماً في تقدير الحقوق. ونعني بمستوى المعلومة مناسبتها من حيث؛ المفردات المستخدمة لعمر الطلبة، ومستوى عمق المحتوى وسطحيته، وطريقة التناول بين المحسوس والمجرد، وأحياناً تصل العملية المقصودة إلى بنائية التعلم وهل يقوم على التعلم السابق أم لا يقوم عليه. وهنا يؤخذ بالاعتبار أن الطلبة في الصف الواحد مختلفون في القدرات، فمنهم ذوو قدرات محدودة ومنهم ذوو قدرات عالية وآخرون يتراوحون بين هؤلاء وأولئك. وهنا يصبح المعلم متسلطاً يصادر حقوق الطلبة حين يقدّم المعلومات بمستوى واحد، سواء كان ذلك أعلى من مستوى بعض الطلبة أو أقل من بعضهم الآخر. مع أن الأصل في المعلومات أن تكون متفاوتة في مستوياتها بسبب تفاوت قدرات الطلبة الطبيعي في فهمها واستيعابها والتفكير بها وحولها.

الصورة الثالثة:

إن تحرر الطلبة من الخوف، ومن الشعور بالتردد في طرح الأفكار، لأي سبب كان هو حق من حقوقهم. وهنا يبرز دور المعلم في إشاعة أجواء من الأمن والأمان تمكّن الطالب/الطالبة من البوح بما يفكر به دون تردد. باعتبار أن هذا الأمر هو الأرضية السليمة والبنية التحتية اللازمة للتفكير السليم وطرح الأفكار المولدة للإبداع. وهذا لن يكون إلا بممارسات حقيقية صادقة مستمرة من المعلم، تنعكس على الطلبة بتنمية اتجاهات إيجابية تستقر بالتدريج لتستدرجهم إلى طرح الأفكار التي تبدأ بأفكار بسيطة ساذجة لا تلبث أن تتعمق وتنضج حتى تغدو مقبولة ومسموعة ومستساغة وأصيلة.

الصورة الرابعة:

أن التوسع والتعمق بمحتوى الكتاب المدرسي أو تبسيطه يعتبر حقا من حقوق الطلبة، باعتبار أن المحتوى الدراسي في الكتاب المقرر يراعي إلى درجة كبيرة متوسط الطلبة مع الإقرار بأن الطلبة مختلفون. وهنا يبدو الظلم لبعض الطلبة الذين يحتاجون إلى محتوى أعمق وأوسع من الكتاب المقرر باعتبار أن قدراتهم أعلى من ذلك. وتُمكّنهم قدراتهم من قطع المحتوى الدراسي أحياناً بنصف الزمن على الأقل، وهو ظلم أيضاً للطلبة ذوي القدرات الأقل من المتوسط والذين يحتاجون إلى معلومات أبسط وزمن أكبر ليتمكنوا من الاستيعاب. ومع أن هذه الخاصية هي من خصائص المنهاج وأسس بنائه ومعايير نجاحه، إلا أن المعلم في هذا المقام هو المعني بتلافي قصور المنهاج إن وجد ليكون مراعياً لقدرات الطلبة، وأن يصمم من المحتوى الدراسي المقرر أوراق عمل وأدوات تفريد للتعليم تراعي هذا التفاوت في القدرات بين الطلبة، وإلا يكون المعلّم قد سلب حقوق الطلبة أو انتقص منها.

الصورة الخامسة:

إن مستوى فهم الطلبة وإدراكهم للمعرفة المقدمة لهم وطريقة حصولهم عليها في الموقف التعلمية داخل غرفة الّصّف وخارجه تختلف من طالب لآخر. ومرد هذا الاختلاف ليس بالضرورة هنا هو اختلاف قدرات الطلبة، بل الكيفية التي يقدم بها المعلم المحتوى الدراسي للطلبة. وبمعنى أدق تمكّن المعلم من طرق التدريس، ومراحل نمو الطلبة وخصائصهم النمائية، وكيف يفكرون ويتعلمون، وكيف يوظف هذه المهارات في تعليمهم وتعلمهم الفعال. وهنا يبرز حق الطلبة في امتلاك المعلمين لهذه المهارات وإتقانهم لأدائها عملياً. حيث يتطلب الأمر من المعلم أن يعدد وينوع في أساليب تدريسه، وأن يستخدم الاستحضار البصري ووسائل الإيضاح التي تتدرج بفهم الطلبة من المحسوس إلى المجرد. وأن يبني تعليمه للمعرفة الجديدة على متطلباتها السابقة. وبخلاف ذلك يكون المعلم قد درّس لبعض الطلبة وسلب الآخرين حقوقهم في التعلّم. بمعنى أن الطالب/ الطالبة يحتاج من المعلم أن يراعي الكيفية التي يتعلم بها بشكل جيد. وهذه الطريقة مختلفة من طالب إلى آخر أو من مجموعة إلى أخرى. فالمعلم الذي يدرك هذه الحقيقة مضطر إلى التنويع في أساليبه وتصميم أدواته بما يراعي هذا التفاوت وهذا الاختلاف في القدرات، وأنماط التفكير، وأنماط التعلم.

الصورة السادسة:

وتعتبر البيئة المادية المناسبة للتعلًم أحد الحقوق الهامة للطلبة. لِما لها من أثرٍ كبير على جسم الطالب/الطالبة وسلامة نموه، وصحة مِزاجه وفكره. فغرفة الصف يجب أن تكون صحّية من حيث النظافة والتهوية والتشمس والسعة والإضاءة، وكذلك من حيث مناسبة المقاعد والرؤية، إضافة إلى مناسبتها من حيث الألوان والملصقات واللوحات. وبخلاف ذلك نكون قد أنقصنا أو سلبنا بعضا من حقوق الطلبة. هذا من جانب ومن جانب آخر الحق في تكافؤ الفرص في التعلًيم في نفس الظروف المادية التي يتعلم بها طلبة آخرون.

الصورة السابعة:

ويعتبر التعزيز للطلبة ضرورة طبيعية لازمة لتعلمهم، لكن هذا التعزيز يجب أن يكون مختلفاً من طالب إلى آخر. فالتعزيز بالكلمة والموقف والتقدير ربما يكون الأنسب لبعض الطلبة وذا أثر سلبي لآخرين، بينما التعزيز المادي سيكون ذا أثر فعال على بعض الطلبة بينما لن يفيد في تقدم آخرين. وهنا يكون حق الطالب/ الطالبة في أن يأخذ التعزيز المناسب له في ضوء وعي المعلم لنمط شخصيته من جانب، ويرتب على المعلّم أن يغير في أشكال التعزيز بما يحتاجه كل طالب/طالبة من جانب آخر.

الصورة الثامنة:

حق الطلبة في أن يكون معلمهم ذا سمات شخصية تواصلية مريحة من مثل: (التقبل، والابتسامة، والهندام الحسن، والكلمة الحلوة، والفطنة، والتمكن الأكاديمي، والاطلاع المستمر)، كما هو حقهم في أن يكون المعلم قدوة حسنة قابلاً للتقمص أو التقليد. وهنا ندرك أن الطالب/ الطالبة يتعلم من معلمه بطريقة غير مباشرة كما يتعلم منه بشكل مباشر، فهو نموذج حافز على التعلّم بنفس القدر الذي يكون فيه منفراً منه. وبغير ذلك أو بانتقاص شيء منه يكون قد سلب حقاً مشروعاً لطلبته.

هذه أمثلة من الممارسات الديمقراطية التي ينبغي أن تكون في غرفنا الصفية. وهي حقوق للطلبة على مدارسهم ومعلميهم لا شك بها ولا بديل عنها إذا رغبنا في تعليم أبنائنا التعليم اللائق بهم وبتطلعات مجتمعهم منهم. لكن بالمقابل على الطلبة أيضاً واجبات إزاء معلميهم، كما للمعلمين بنفس الوقت حقوق على مدارسهم ومجتمعهم. وهنا نتحدث عن المعلم/المعلمة صاحب الرسالة والمسؤول الأول عن بناء الجيل الذي تقوم عليه طموحات الأمة في التأسيس لمجتمع الغد الواعد القوي، وأن لا ننسى أن هذا المعلم/المعلمة أب لأسرة وعليه مسؤوليات أخرى خارج إطار دوره كمعلم، وأن دوره كمعلم/ معلمة يتطلب منه التفرغ بكامل وقته لهذه الرسالة التي يتحملها بكل متطلباتها من الإخلاص والأمانة وكفايات الدور والهدوء وراحة البال.

فعندما ننعت مهنة التعليم بالرسالة والمعلم بالرسول، فإنما نقصد ذلك ونرفض أن يكون المعلم موظفاً يتحدد عمله بإطار زمني من الساعة الثامنة مثلاً وحتى الثالثة بعد الظهر. فالمعلم/المعلمة يُعلم باستمرار إن تحدث أو صمت، في غرفة الصّف وخارجها، في المدرسة وحرمها وفي الشارع والسوق وغيره من الأماكن، يقلده الطالب في لباسه وطريقة كلامه وأفعاله. لهذا كله فمسؤولية المعلم/المعلمة مسؤولية كاملة عن كونه نموذجاً بطريقة مباشرة وغير مباشرة، الأمر الذي رّتب عليه مسؤولية مضاعفة عليه أن يحملها بنفس راضية ما دام قد قبل أن يكون معلمًا.

وعليه وحتى لا نساهم في كسر هذا النموذج من جهة، وأن نعزز دور المعلم/ المعلمة ليؤدّيه بكفاءة وفاعلية وفق مستحقات التعليم كرسالة ومهنة محترمة راقية، فإن للمعلم/ المعلمة حقوقاً ومترتبات، علينا أن نصونها ونجزي بها كمجتمع بمزيد من الاحترام والتقدير، وكأولياء أمور للطلبة بتعزيز تقدير أبنائنا لمعلميهم من جانب، ودعم توجهات المجتمع والمؤسسة المدرسية رسمية كانت أم أهلية أم خاصة لحفظ هيبة الوظيفة وعوائدها المالية.

انضم إلينا على صفحة فيسبوك

You May Also Like