الشباب وثقافة التغيير:”التجربة الأردنية نموذجاً
بقلم
الدكتورة وفاء الدجاني
دكتوراه مناهج وتدريس
مقدمة
تُعتبر مشاركة الشباب في تطویر وتحدیث مجتمعاتهم حقاً إنسانياً أصيلاً من حقوقهم باعتبارهم مواطنین مسؤولين وقوة فاعلة ومؤثرة في مجتمعاتهم ولهم أدوارهم في الارتقاء بالحیاة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة؛ فالشباب هم أمل الأمة وعليهم تقع مسؤولية الإصلاح والتغيير المجتمعي؛ لذلك يقع على عاتق المجتمع تحدياً حقيقياً تجاه هذه الفئة للقيام بتشجيعها وتحقيق تطلعاتها؛ وبالتالي كان من الضروري توفير الخدمات الأساسـية اللازمـة لتمييز شخصيتهم وضمان مشاركتهم الفاعلة واكسابهم القيم المجتمعية الإيجابية؛ ففترة الشباب تُعد مرحلة التحول المهمة في حیاة الفرد، انطلاقاً من انتقاله من الاعتماد على الآخرین إلى الاعتماد على الذات، فيها يكتمل النمو العقلي والجسمي والعاطفي؛ فهي تمثل العمر الحقيقي للإنسان على أساس أن عمر البشر لا يُحسب بعدد السنين، وإنما بعمر التجربـة الحية والفاعلة في حياتهم.
وتجدر الإشارة في هذا السیاق إلى وجود تباین على مستوى السن من حيث التغیر والتحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، الأمر الذي یجعل الشباب في مختلف المجتمعات یتباینون في انتقالهم من مرحلة إلى أخرى، فهناك من تبدأ التغيرات لديهم باكراً وهناك من تتأخر ملامح التغيير لدیهم. ومن خلال الاطلاع على الدراسات الاجتماعية والنفسية وُجدت سمات عامة وأساسية مشتركة بـين الشباب، كان من أهمها الآتي:
الخصائص النفسية والجسدية المميزة لمرحلة الشباب.
المشكلات الرئيسية التي يواجهها الشباب.
ویمكن تقسیم مرحلة الشباب بخصائصها النوعیة إلى مرحلتین:الأولى من سن(13إلى18) سنة أو ما يُعرف بمرحلة المراهقة وما تتمیز به هذه المرحلة من عملية البلوغ الذي یلازم النمو البدني الذي لا یكون منتظماً بالنسبة لأعضاء الجسم كله؛ فعلى سبیل المثال التوافق العضلي یكون أكثر اضطراباً في هذه المرحلة ما یؤدي إلى نتائج یصعُب على المراهق تحملها. أما المرحلة الثانية فتكون من سن (18 إلى 30) سنة أوما يُعرف بمرحلة النضج، وما تتميز به هذه المرحلة من استمرار النمو إلى مستوى النضج التام، ومواجهة تحديات أخرى خاصة كالتحديات المتعلقة بإكمال الدراسة والتعليم ومسألة اتخاذ القرارات الهامة في الحياة كالعمل والزواج، وهو الأمر الذي یجعل من الشاب بحاجة أعلى للتوجیه في هذه الفترة بالذات.
وبالمجمل نجد هذه الفترة مهمة وحرجة من حیث درجة المسؤولیة الاجتماعیة التي يواجهها الشباب، فالشاب مسؤول عن إكمال دراسته وإيجاد فرصة عمل جيدة بالإضافة إلى محاولته تبني حلول خاصة للمشاكل المجتمعية المختلفة، مثل: المشاكل الاجتماعیة والسیاسیة والتربوية باعتبارها تؤثر مباشرة على حیاته الشخصیة ومستقبله الاجتماعي والمالي.
السمات المشتركة بـين الشباب
هناك العديد من السمات المشتركة بـين الشباب تُشكل أبرز ما يميز هذه المرحلة، نذكر منها:
المرحلة العمرية: تُعتبرالمرحلة العمرية أو السن، من أهم العوامل التي تحدد جمهور الشباب، فيؤكد المتخصصون النفسيون أن ثمـة ملامـح عامـة ومشتركة فيما بين المرحلة العمرية من سن(14 إلى 28)سنة بالرغم من التباين وعدم التجانس والاختلافات بين الشباب وفئاتـهم المختلفـة.
انتشار مشاعر القلق والتوتر: ففي مرحلة المراهقة يتقبل اليافعين تقييم المجتمع لهم أما في مرحلة الشباب يبدأ الفرد بإدراك حدود شخصيته والتمييز بين احتمال الصـراع والتباين القائمين بين ذاته المتنامية وبين نظامه الاجتماعي ما قد يخلق الصراعات بين جيل الشباب من جهة وجيل الكبار من جهة أخرى في الكثير من الأحيان.
الميل إلى الانفتاح على ما هو خارج عن ذاته: نجد الشباب في هذه المرحلة لديهم نظرة تتميز بمثالية ورومانسية عالية وربما ببراءة لا توجد بالدرجة نفسها عند الكبار، هم مندفعين وتلقائيين ومتفائلين نظراً لنقص تجربتهم في الحياة، وقد يعود ذلك لعدم ارتباطهم بعد بالعلاقات المقيد والالتزامات الاجتماعية، الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى ترجمة هذا الانفتاح بما يُعرف بحب الاستطلاع للعالم الخارجي ومحاولة التخلص من كافة الضغوط المتسلطة عليهم.
القدرة على الاستجابة للمتغيرات من حولهم: السرعة في استيعاب وتقبل كل ما هو جديد والدفاع عنه تعكس قناعة الشباب ورغبتهم في تغيير الواقع الذي وُجدوا فيه وهذا السلوك جزء من العنفوان الداخلي للشباب والاعتداد بالنفس.
اضطراب اتزان الشخصية وارتفاع مستوى توترها: والتي قد تؤدي إلى أن يصبح الفرد معرضاً لتوترات انفعالية ومتتالية قد تؤدي إلى اختلال العلاقات الاجتماعية فيما بينه وبين الأسرة والأصدقاء وغيرهم.
الشباب وثقافة التغيير
أظهرت نتائج العديد من الدراسات أن الشباب الذین تتاح لهم فرصة المشاركة في بناء مجتمعاتهم یتمتعون بإمكانات أفضل للانتقال إلى مرحلة الرشد والنضج بنجاح، وهو ما یُشیر إليه مفهوم مشاركة الشباب الذي يتمحور حول اندماجهم في صناعة القرارات التي تؤثر على حياتهم من خلال تحدید احتياجاتهم الشخصیة واحتیاجات مجتمعاتهم وطرح الحلول واقتراح أسالیب التدخل التي تساهم في تطویر وتحدیث مجتمعاتهم. ويمكن بناءً على ذلك أن نشير إلى أن الاتجاه العام نحو تعریف ثقافة التغيير يندرج تحت إطار أسلوب الحیاة بحيث يتم التعرُف من خلاله على طرق وآلیات الحیاة التي یتشارك فیها الأفراد؛ وعلیه یمكن تناول هذا المفهوم من وجهتین، الأولى من خلال وصف نموذج معین من المعتقدات والقیم والرموز والممارسات التي يشترك فیها العديد من الشباب، والثانية من خلال الكشف عن الجوانب الوظیفیة لثقافة الشباب بمعنى مشاركة الشباب في إطار مؤسسي معین من خلال تعرضهم لمشكلات اجتماعیة مشتركة.
والحقيقة أن هناك الكثير من الأدوار التي يلعبها الشباب في بناء وتنمية مجتمعاتهم تمتد إلى مجالات أخرى متعددة سواءً الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية؛ إذ لا توجد حدود بالنسبة للشباب لإحداث التغيير المرغوب لأنهم يتقبلون التغيير ولديهم القدرة على التعامل مع الجديد والتكيف بسهولة معه وإيجاد أفكار إبداعية فيه.
أدوار الشباب في إحداث التغيير وتحقيق التنمية المستدامة
يمكن للشباب القيام بأدوار جادة وتحقيق التغيير المنشود الذي يحقق التنمية المستدامة في كافة المجالات بما يُسهم في بناء المستقبل الذي يرغب به أفراد المجتمع وبشكل يخدم الوطن؛ فالعمل التطوعي مثلاً له دور في نشر الثقافة والتعليم وتبادل الأفكار وبناء المشاريع الصغيرة؛ لذلك كان لابد من عدم إغفال دورهم في عملية التغيير وتحقيق التنمية المستدامة للدولة على كافة الأصعدة، فعدم الاستثمار في هذا العنصر المنتج وتركه دون الرعاية المطلوبة سوف ينعكس سلباً على المجتمع إذ أن تهميش الطاقات الشبابية وتركها دون تمكين يحولهم الى عناصر هدامة فلا يمكن لعملية الاصلاح والتنمية أن ترى النور دون العمل جدياً على تمكين الشباب وتوظيف امكاناتهم وطاقاتهم واشراكهم في عملية صنع القرار.
التجربة الأردنية في تمكين الشباب وتنفيذ الخطط التنموية
أكد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في ورقته النقاشية السادسة الصادرة في العام 2016م على أهمية تمكين الشباب وتنفيذ الخطط التنموية بنجاح من خلال تطوير إدارة الدولة وتعزيز سيادة القانون ومساندة مبادئ العدالة والمساواة والشفافية لتحقيق التنمية المستدامة في كافة القطاعات؛ وهو أمر يتطلب التركيز على معالجة الضعف في الجوانب المهارية عند الشباب من خلال تطوير الأنظمة التعليمية التي تولي الأهمية الكبرى للجانب النظري والعلوم التطبيقية مع عدم العناية بالتعليم التقني، وهو ما يتسبب بقلة امتلاك الكثير من شبابنا للمهارات اللازمة لانخراطهم في سوق العمل؛ وبالتالي تفضيل العمل الإداري والمكتبي فضلاً عن العمل اليدوي، وبالطبع الاستمرار على هذا الوضع لا يقيم حضارة ولا ينشئ نهضة. ولأن حوالي 70 في المائة من مجموع سكان الأردن تقل أعمارهم عن 30عام؛ التزم الأردن بتعزيز عملية وضع سياسات مفتوحة تتسم بالتشاركية وتعزز آليات المساءلة من خلال الشراكة الحكومية المفتوحة واعتماد خطط العمل الوطنية والإصلاح اللامركزي وقد كان من أبرزها:
الاستراتيجية الوطنية لتمكين الشباب 2017-2025م: تم وضع رؤية طويلة المدى لتمكين الشباب من المشاركة والمساهمة في تحقيق التنمية الوطنية واسعة النطاق بحيث ستشمل هذه الاستراتيجية الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين سن (15 – 30)سنة بما يمثل (1.29 %) من الأردنيين و (3.26%) من مجموع السكان.
زيادة فرص المشاركة المدنية والسياسية للشباب: وذلك من خلال تحقيق الشراكة الحقيقية بين مختلف الجهات الفاعلة الحكومية والغير حكومية في الأردن من خلال تنظيم دورات تدريبية وتقديم أنشطة تطوعية مثل: معسكرات الحسين التي تنظمها وزارة الشباب لحوالي 25000 شاب وشابة .
توسيع نطاق السلطة على المستوى الوطني لإشراك الشباب في الحياة العامة: تشرف وزارة الشباب على (200) مركز للشباب، منها (110) مركز للشباب ممن تتراوح أعمارهم بين (12 و 24) عاماً، و(90) مركز للشابات من الفئة العمرية من (12-30) عام، وهذه المراكز تدير نشاطات معينة لأعضائها من الشبان والشابات وتوفر البرلمانات الشبابية كآلية يمكن من خلالها الاطلاع على المبادئ والإجراءات الديمقراطية في الوطن.
تشجيع الشباب على التصويت والترشح للانتخابات: تنادي الحكومات الأردنية باستمرار بضرورة مشاركة فئة الشباب في الانتخابات، وهنا لابد من الإشارة إلى أن القراءات تتباين حول واقع المشاركة، فقد أشارت استطلاعات الرأي العام أن الرغبة في الانتخاب زادت لمن هم في سن الخامسة والأربعين فما فوق، وقلت بين فئة الشباب لمن هم في الفئة العمرية من سن (18-34) سنة، وكانت أعلى نسب للمشاركة من سن (17-30) سنة وبلغت (35.6%) وفقاً لتقرير الهيئة المستقلة للانتخاب للعام 2017 م. وبعد إقرار قانون اللامركزية رقم(49) لسنة 2015م وتخفيض سن الترشح وتحديده ب (25)سنة ولتشجيع الشباب على المشاركة،نفذت وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية برامج وأنشطة لزيادة مشاركة الشباب في الانتخابات اللامركزية، كما قامت هيئة شباب كلنا الأردن بتقديم العديد من الجلسات والورش التدريبية حول دور الشباب في العملية الانتخابية وذلك لتشجيعهم على المشاركة الفاعلة في الانتخابات لتكون من الشباب وإليهم.
التصدي للتحدي المزدوج الذي تواجهه الشابات: تشير بيانات البنك الدولي إلى أنه في كل ثانية يوجد ما يزيد عن ثلاث شابات بدون عمل تتراوح أعمارهن بين (15-24) عام بما نسبته (56) في المائة مقابل (29) في المائة من الشبان، لذا تم إيجاد أنظمة خاصة مثل النظام المخصص لمشاركة النساء في البرلمان وفي لمجالس المحلية المنتخبة لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة لمواجهة التحيز السائد والنمطية المتعلقة بالنوع الاجتماعي.
تفعيل الخدمة الاجتماعية في رعاية الشباب
أظهرت نتائج العديد من الدراسات أن الشباب الذین تتاح لهم فرصة المشاركة في بناء مجتمعاتهم یتمتعون بإمكانات أفضل للانتقال إلى مرحلة الرشد والنضج بنجاح، ففي الحالات التي كانت فیها مشاركة الشباب واسعة تمكنت البلدان فیها من الاستفادة من القوى الشبابیة الضخمة والواسعة، بحيث شكل الشباب فیها قوة دافعة في تنمیة مجتمعاتهم، فالاندماج الاجتماعي عزز امتلاك الشباب للمهارات اللازمة لسوق العمل والمشاركة في التنمیة الوطنیة وذلك من خلال المساهمة في توفير الإمكانيات وتوجيه طاقات الشباب وتقديم الخـدمات العلاجية والوقائية والإنمائية؛ بحيث تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف منها:
– العمل على شمول الخدمات لجميع المحتاجين من الشباب.
– إشباع الحاجات الأساسية للشباب.
– التخطيط لتقديم الخدمات الاجتماعية بمشاركة المهنيين المتخصصين.
وترتبط أهداف رعاية الشباب ارتباطاً وثيقاً بأهداف الحياة في المجتمع، وتحقيق قيم المجتمع وفلسفته والمحافظة عليها والعمل على إطلاق طاقات الشباب وصقل مواهبهم، وتنمية قدراتهم على التفكير والعمل على تدريبهم تدريباً مبكراً على القيادة وتحمل المسؤولية وذلك عن طريـق بـرامج ومشـروعات تتضمن الأنشـطة الرياضية والاجتماعية والثقافية والفنية.
مقترحات لتحقيق اندماج أكبر لدى الشباب في مجتمعاتهم
بالمجمل هناك أمور ضرورية لابد من التأكيد عليها لتحقيق اندماج أكبر لدى الشباب في مجتمعاتهم ولتمكينهم من اكتساب القدرة على التغير، أذكر منها:
– على الحكومات أن تعطي الأولوية لقضايا الشباب وتُبقي على الحوار المفتوح معهم وتزيد من اندماجهم الاجتماعي وذلك من خلال إقرار حصص مخصصة للشباب لزيادة تمثيلهم في مواقع صنع القرار.
– لابد من التأكيد على مفهوم المواطنة في المناهج التربوية وفي المدارس والجامعات؛ والتأكيد على أهمية إصلاح وتطوير المناهج الدراسية بدءًا من وثيقة الإطار العام للمناهج الدراسية لتأطير عملية إحدات التعليم النوعي وترجمتها وإيضاحها من خلال تخطيط وتصميم وتطوير المناهج بما يُسهم بفاعلية في إكساب المتعلمين مجموعة من المعارف والمهارات والقيم والاتجاهات التي تُمكنهم من بناء ذواتهم وتفعيل أدوارهم في بناء عائلاتهم ومجتمعاتهم لمواجهة تحديات الحياة.
– التركيز على تحقيق تعليم يقوم على أسس ومعايير تُعنى بتنمية مهارات التفكير وحل المشكلات وتعزيز قيم المواطنة الفاعلة ومهارات القرن الحادي والعشرون من خلال مراعاة حاجات الطلبة وميولهم وغرس مبادىء التعلم مدى الحياة في نفوسهم.
– تصميم الكتب المدرسية لتحقيق الأهداف التعليمية الجديدة التي تركز على كل من المعرفة العامة وعملية التعلُم بما يحقق زيادة الشغف عند الطلبة للتعلم أمراً ضرورياً وخطوة رائدة نحو تمكين الشباب.
– التركيز على أن تكون المواد التعليمية قادرة على ربط مراحل التعلُم المختلفة مع بعضها البعض بسلاسة بحيث تكون المواد مُلهمة وإبداعية، وتتيح الفرصة أمام الطلبة للاستكشاف والمناقشة، وتقديم العروض والابداع.