الذكاء الاصطناعي في التعليم

الذكاء الاصطناعي في التعليم بين القبول والرفض بقلم الدكتور يحيى القبالي

الذكاء الاصطناعي في التعليم بين القبول والرفض

بقلم الدكتور يحيى القبالي

Artificial Intelligence

مهما تعددت المفاهيم والمصطلحات ذات العلاقة بالتقدّم العلمي فإنّ مفهوم التكنولوجيا يبقى هو المفهوم الأبرز في هذا العصر، وما بين الفينة والأخرى يظهر مصطلح أو مفهوم جديد يطغى على ما سبقه، مثل: الثورة الصناعية، الانفجار المعرفي، اقتصاد المعرفة، العصر الرقمي، وعصر التكنولوجياوغيرها من المسميات ويتصدر الواجهة ويحتل مكانة متقدّمة من النقاش والحوار، ولقد حظي مصطلح الذكاء الاصطناعي على مساحة واسعة من عمل المختصين ودخل في العديد من المجالات الالكترونية والرقمية وأشكال الأجهزة المختلفة: الروبوتات، والحاسوب والسيارات ذاتية القيادة، وتوجيه الطائرات آليابحيث يحاكي الذكاء الموجود في العقل البشري، ومجمل القول : إنّ قدرة الإنسان على الابداع والابتكار والاكتشاف ليس لها حدود فلطالما سمح الانسان لخياله بالجموح والخروج عن كلّ ما هو مألوف منذ أن وُجد على هذه البسيطة، ويعتبر التخيّل جزءًا لا يتجزأ من العملية الإبداعية ، ولقد عاشت البشرية في عصر السينما وما قبلها ارهاصات لا زمت الطبيعة البشرية وظهرت أفلام الخيال العلمي وكان منها ما يجسد حلم الانسان بالطيران، والغوص في أعماق المحيطات، والوصول إلى الكواكب والمجرات، والتحليق لأبعد من حدود الكون، وإذا اعتبرنا بأنّ الموهبة تجعل الحياة أكثر متعة، فإن الابداع( الاختراع) يجعل الحياة أكثر يسرًا، وبفضل الذكاء الاصطناعي الذي يحاكي خيال الإنسان واقعًا ملموسًا ولا يمكن انكاره بل يجب التسليم به كواقع حقيقي ، فقد تسارعت وتيرة هذا الذكاء في السنوات الأخيرة وأصبح من السّهل السّيطرة على الكوارث والتنبؤ بحدوثها واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي شرورها، وتقاربت المجتمعات بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت المعلومة في متناول اليد بأقل جهد وعناء

ففي مجال الاكتشاف أصبح ليس من الضروري أن يذهب الفرد بنفسه لاكتشاف ما يطلب منه اكتشافه فقد قام الذكاء الاصطناعي بإحضار البيئة بين أيدينا بأبعاد ثلاثية تضاهي بجودتها الواقع الحي، بل ويمكن إعادة ومتابعة ذلك الاكتشاف مرات ومرات والتمحيص به عن قرب بأدق التفاصيل، فوصل هذا الواقع الافتراضي إلى قمم الجبال وأعماق المحيطات، والتحليق بين المجرّات، وقد أحدث نظام الهيدروليك نقلة نوعية في المجال الصناعي فأصبحت الآلة تنوب عما يقوم به البشر من إنشاءات طالت عنان السماء ، واخترقت طبقات الأرض، واختزلت الوقت والجهد، وكان لاختراع الطابعة ثلاثية الأبعاد والتي بإمكانها بناء المنازل في غضون ساعات معدودة صداه، وبعيدًا عن التلفاز والمذياع وعقد اللقاءات الافتراضية عبر الشبكة العنكبوتية، فقد أصبحت السّيطرة على حركة السير والاسترشاد بخرائط محرك البحث ( جوجل ) توفر الكثير من الوقت والجهد، والسرعة الفائقة في معالجة البيانات، والصواريخ العابرة للقارات والطائرات المسيرة والتوجيه للأسلحة من خلال الليزر والأقمار الاصطناعية متعددة المهاموما زال طموح الإنسان للارتواء من هذا السيل المتدفق من الذكاء الاصطناعي يزداد يوما بعد يوم 

لقد دخل الذكاء الاصطناعي كلّ بيت ومتجر ومدرسة وجامعة، وأصبح شعارًا لهذا العصر ولم يقتصر على دولة دون أخرى، فأبواب التنافس مشرّعة الأبواب، ولكن تفاصيل هذا التنافس تكمن في البيئات الحاضنة له، وبالرغم مما توصّل إليه الإنسان من تقدّم إلّا أنّ علماء النفس يؤكّدون بأنّ قدرات الإنسان أكبر من ذلك بكثير وأنّه لم يستغل أكثر من 5 -10 % من قدراته العقلية

وبالرغم من أنّ الذكاء الاصطناعي سيف ذو حدين ، إلاّ أن الجانب الايجابي منه قد طغى على الجوانب السلبية المتمثلة بسوء الاستخدام مثل: الدعايات التجارية التي تتبع في عرضها البعد النفسي للمشاهد، وكذلك الدعاية الانتخابية وتأثيرها النفسي على تقبل الناخب لشخصية المرشحويعتبر اللعب على وتر الجانب النفسي في تصميم وإخراج الذكاء الاصطناعي من أخطر أنواع الذكاءات الإنسانية

كيفية استغلال الذكاء الاصطناعي في التّعليم الجامعي؟

لعب التّعليم الجامعي جانبًا مهمًا في ظهور التكنولوجيا بشكل عام وظهور الذكاء الاصطناعي بشكل خاص، فقد ازداد العبء على الجامعات واضطرت لإعادة تعريف نفسها كضامن لتوفير رأس المال الفكري المتمثل في الخريجين المسلّحين بهذا الذكاء، وتبذل الجامعات جهدًا مضاعفًا لأثبات نفسها، فمع شدة وتيرة التسارع العلمي باتت الجامعة مضطرة لتوفير كفاءات علمية تجاري هذا الطوفان المتدفق من الابداعات( الاختراعات) والتي تتطلب مهارة عالية في التشغيل والتوظيف، حيث أصبحت الشهادة الجامعية ليست متطلبًا وحيدًا للتوظيف و أصبح الخرّيج بحاجة إلى دورات متتالية لصقل معرفته الجامعية، وباتت السنوات الجامعة الأربع الأولى من عمر الخرّيج غير كافية لمتابعة كلّ جديد ، فأصبحت الدورات التكميلية تعمل على سد الفجوات بل أصبحت ضروريّة للغاية أثناء الخدمة لمسايرة سوق العمل، وقامت الجامعات مضطّرة لفتح مسارات لتخصصات جديدة لم تكن بالحسبان والاستغناء عن تخصصات أصبحت لا تواكب العصر، وإنشاء قسم التدريب والاستشارات لعقد ما يستجد من دورات لتّعليم المهارات الجديدة في المجالات كافة، فقد أدى تسارع الثورة التكنولوجية إلى تناقص أعداد الخريجين الذين يتمتعون بمهارات حديثة يلهث أصحاب العمل للحصول عليها، وانقلبت موازين التوظيف فلم يعد للخبرة الطويل منافسة على الاحلال بالوظيفة بل أصبح ميزان التوظيف لمن يملك مهارات لازمة لسوق للعمل هو المعيار الذي يحتل الأولوية

وما بين القديم والحديث يبرز لنا إنجازًا جديدًا يلغي أو يحجّم دور ما سبقه من انجازات، وما بين القديم والحديث بون شاسع في التطبيق يتطلب مهارات جديدة تجعل من القديم معرفة سابقة لا ينبغي الرجوع إليها، فنحن أمام عالم متسارع متغير لا ينتظر أحدًا ولا يجامل في مجال التقدّم أحدًا

دور المدرسة في استغلال الذكاء الاصطناعي

لا يقتصر دور المدرسة على الجانب النظري لتعريف الذكاء الاصطناعي، بل يجب أن يكون لديها جانبًا تطبيقيًا يوازي ما يتعلمه الطلبة فيها، فاستخدام الألواح الذكية، أصبح جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية، وأصبحت الحواسيب اللوحية بأيدي الطلبة، والتواصل عن بعد بين المعلمين والطلبة أمرًا واقعا كما تم حوسبة الدرجات المدرسية وإرسال الواجبات المنزلية أمرًا اعتياديًا، وتواصل أولياء الأمور بالمدرسة في غاية السّهولة، وأصبح الطلبة مهيأين لتقبل كلّ جديد، فبالرغم من وجود فجوة بين الآباء والأبناء في المجال التكنولوجي إلا أنّ توفر هذه التكنولوجيا بأيدي الكبير والصغير لا يترك مبررًا للتقصير في هذا الجانب، فمجال التّعليم من خلال دورات قصيرة المدة أو من خلال برامج تعليمية تم إعدادها لهذه الغاية يمكن تعلّم تلك المهارات من خلال الحاسوب بعيدًا عن التّعلم الوجاهي إذا توفر عامل الدافعية والوقت.

لقد قام الذكاء الاصطناعي باختزال العالم داخل جوال، يتعلم من خلاله الطالب ويبع ويشتري من خلاله التاجر، ويتابع ويصدر الأوامر من خلاله المسؤول، ويراقب ويقوّم من خلاله شرطي السير، وينبئك بأحوال الطقس ويوثق ويخزن كلّ لحظات حياتك ويرسم لك خط سيرك اليومي ويقرأ ويكتب لك ما تريد وتختار من خلاله كتابك المفضل، وتسمع من خلاله ما تريد من أخبار وتستمتع بوقت فراغك بما يحتوي عليه من ترفيه، وتراقب منزلك ومكان عملك وأنت على سرير نومك

الذكاء الاصطناعي بين القبول والرفض.

في كل المجتمعات قاطبة ثمة من يقاوم كلّ جديد، فهم يعتبرون كلّ تقدم سيفًا ذا حدين يصعب التّحكم بالجانب السلبي منه، وما إن يتمكن المتعلم من اتقان مهارة ما حتى تظهر مهارة أشدّ تعقيدًا تلغي ما سبق، فهم دائمو العودة إلى أساسيات التعليم، فوجود الطالب داخل الغرفة الصفيّة وجها لوجه مع معلمه له أبعادًا نفسية واجتماعية متعددة ومسك القلم والدفتر والكتابة على السبورة لا يعوضها الحاسوب والتّعلم عن بعد، والجوّ الاجتماعي داخل المدرسة من معلمين وإدارة وطلبة يسهم في صقل شخصية الطالب، ولعل الجانب الفيزيائي للمدرسة بما تحتويه من بناء وأثاث ووسائل تعليميّة له تأثيره الانفعالي في نفس الطالب.

لا يختلف اثنان على ما سبق، ولا ينكره كلّ ذي لب، ولكن تهيئة الطالب وتمكينه من مهارات العصر الحديث ضرورة قصوى بل واجب اجتماعي وحضاري فهو لم يُخلق ليعيش فقط في هذه البيئة ، وعليه أن يكون مهيًأ لكافة البيئات العالمية فمجال التبادل الثقافي مفتوح على مصراعيه، وكذلك الجامعات في مختلف أقطار العالم فهي تستقطب كافة الجنسيات والثقافات دون حواجز، وحتى لا يصاب الطالب بصدمة ثقافية لا بد من مواكبة كلّ جديد والاطلاع على كافة المستجدات في هذا العصر المتغير.

تغيـر منهـاج الثـانويـة العـامـة 

You May Also Like