الدراما التعليمية بقلم الدكتور يحيى القبالي

الدراما التعليمية بقلم الدكتور يحيى القبالي

الدراما التعليمية بقلم الدكتور يحيى القبالي

تسعى المجتمعات الإنسانية جاهدة للبحث عن أفضل الاستراتيجيات التي تساعد أبناءها على التعلم وتقّبل هذا التعلم وتيسير عمليات التعلم عليهم لما يمّثله ذلك الاجراء من نفع يعود على العملية التعليمية والرقي بها وتطويرها، منطلقة من هدف التربية الأسمى المتمثل بإيجاد المواطن الصالح بما يتضمنه هذا المصطلح من معنى يحمل في طياته كل قيم الخير التي لا يختلف اثنان على نبلها مهما اختلفت الأجناس والأديان والعروق

ويعتبر أسلوب الدراما التعليمية من الأساليب التفاعلية المحبّبة للطلبة، والذي تظهر أهميته من خلال المواقف المختلفة التي يوظفها المعلّم لتحقيق أهداف موضوعه وما يتخلل تلك المواقف من انفعالات وظهور مشاعر وتعاون بنّاء بين الطلبة، سيما وأن هذا الأسلوب يمكن تنفيذ أنشطته داخل الغرفة الصفّية، والتي من شأنها دفع الطلبة لإظهار مواهبهم دون خوف أو تردد في بيئة مألوفة لديهم بما تشكله من أبعاد مادية ومعنوية، أو خشبة المسرح المدرسي سواء ضمن أفراد يعرفهم أو ضمن فرقة منتقاة من كافة أفراد المدرسة

ولقد عايشت شخصيا أسلوب الدراما في التعليم في عام (1990م) وأنشطة دورة الدراما في التعليم على مدار عام دراسي كامل على يد الفنانتين الأردنيتين: (جوليت عواد، والفنانة عبير عيسى)، بدعم من مؤسسة نور الحسين، حيث قمنا بتطبيق أنشطة هذه الدورة على الطلبة داخل الصفوف من خلال تمثيل بعض دروس في اللغة العربية والتربية الإسلامية ومادة العلوم والتربية الاجتماعية ، في المدارس الحكومية، وكانت النتائج مبهرة

ولا يخفى على المتخصصين بأن المجال التربوي يتسع ويستوعب أساليب واستراتيجيات تعليمية متعددة ، ولا يمكن الاعتماد على أسلوب أو طريقة واحدة في تنفيذ كافة الدروس، فطبيعة مواد المنهاج مختلفة وتتطلب التنوع بالأنشطة الصفية

تعريف الدراما: يُمكن تعريف الدراما Drama) ): على أنّها تصوير للأحداث بنوعيها الخيالي وغير الخيالي من خلال أداء حوار مكتوب، والذي يُمكن أن يكون نثرًا أو شعرًا، ويُشار إلى أنّ الدراما يُمكن تأديتها على المسرح، أو كفيلم على التلفاز، أو عبر الراديو.

و الدراما هي مفهوم يوناني الأصل، ومعناه الحرفي يفعلأو عمل يقام بهثم انتقل المفهوم من اللغة اللاتينية المتأخرة  إلى معظم لغات أوروبا الحديثة وأصبحت مفهوما شائعا في محيط التمثيل .

ولقد عرّف الفيلسوف اليوناني  (أرسطو) الدراما: بأنها محاكاة لفعل إنسان“. ”  ولقد اتخذت الدراما أشكالا مختلفة من عصر إلى عصر، تناسباً مع التطور الطبيعي للمجتمع ومع ما ينتج عن هذه الحركات الاجتماعية من فكر وقيم.

 الدراما في سياق التعليم:

هي أسلوب يستخدم سلسلة من النشاطات التي يقوم بها الطلبة بتوجيه من المعلم؛ لتحقيق أهداف تعليمية محددة( درس، أو موقف ) محورها التفاعل النشط لتجسيد دور معين، من خلال اللعب والمتعة والتعلم( العب وتعّلم) في آن واحد ضمن حرية مقيّدة يمّثل مسرحا مصغّرا داخل غرفة الصف( مسرح صفّي)، أو خشبة المسرح المدرسي.

تبني الدراما التعليمية على شرح الدروس وتفسيرها على ضوء آليات تنشيطية درامية كاستخدام الألعاب، والملابس والأدوات، وتبادل الأدوار، وتقليد الشخصيات، وتتمثل هذه الأسس في تحويل مجموعة من الدروس اللغوية والدينية والعلمية والاجتماعية إلى نصوص درامية قابلة للتشخيص والتمثيل ( محاكاة)، بعد إخضاعها فنيا وجماليا لمتطلبات خاصة من أجل تقديم الدرس في أكثر الأساليب متعة وفائدة، وبأيسر الطرق مع تنشيط التلاميذ ذهنيا ووجدانيا وحركيا مما يسهم في تكامل الشخصية لدى الطلبة بشكل متوازن والحصول على الكثير من القيم الإيجابية والأخلاقية والاجتماعية.

الأهداف التربوية للدراما التعليمية

يقول الأدب التربوي في مجال تطبيق الأساليب والطرق والوسائل التعليمية : أن التعلم يتناسب طرديا مع عدد الحواس المستخدمة

ويظهر من خلال تطبيق أسلوب الدراما التعليمية بأن الطالب يصبح محورا للعملية التربوية ، حيث يكون عليه الدور الأكبر في اكتشاف قدراته وكيفية توظيفها من خلال الدور المنوط به، واستغلال كافة قنواته الحسية: البصرية والسمعية واللمسية وحتى الذوق والشم، ويعمل هذا الأسلوب على

– تنمية القدرة على التعبير عن النفس من خلال مواقف متنوعة بعيدة عن التهديد .

– تنمية القدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات من خلال مواقف الارتجال والمناقشات ولعب الأدوار .

– تحفز على التعلم والبحث وتجعل العملية التعلمية/التعليمية أكثر متعة .

– تحث على العمل الجماعي المنظم الهادف .

– تظهر مواهب الطلبة المختلفة.

تسهم في معالجة الكثير من الاضطرابات مثل: الخجل، الانسحاب، الانطواء، العدوانيةالخ

– تنمي الذوق الفني لدى الطلبة من خلال استخدام الأدوات المختلفة : كاللباس، ووسائل النقل، ووسائل التفاعل الاجتماعي، والأزمنة والأماكنالخ

تسهم الدراما التعليمية في تبسيط المفاهيم المجردة وشرح الدروس بطريقة عملية تطبيقية ممتعة وتحقيق الأهداف بيسر وسهولة.

كسر الجمود والروتين اليومي: يسهم أسلوب الدراما التعليمية في كسر الروتين والرتابة المملة في اليوم الدراسي والابتعاد عن أسلوب المحضرة الذي يكون فيه المعلم هو محور الدرس.

أشكال الدراما التعليمية التطبيقية:

 اولا – الدراما التعليمية كجزء من حصة دراسية : تستخدم الدراما في هذه الحالة في بداية أو نهاية الحصة التدريسية؛ لتعزيز وإثراء مفهوم معين ولتحقيق أهداف الدرس في المقام الأول وكتطبيق فعلي لأحداث الدرس، ويعتبر هذا الأسلوب من أنسب الأساليب للتطبيق في كافة الغرف الصفية وكافة المراحل الدراسية وبأقل جهد وتكلفة

ثانيا – الدراما التعليمية كحصة مستقلة : ويعتمد مضمون الدراما هنا على ما يراه المعلم مناسبًا لطلبته من أفكار تناسب قدراتهم وإمكانياتهم وقابلة للتنفيذ خلال حصة تدريسية تفي بالغرض.

ثالثا – المسرح المدرسي: وفي هذا الأسلوب يقوم المعلم بتدريب الطلبة على لعب الأدوار من خلال نص مكتوب بحيث توزع الأدوار على جميع المشاركين، من صفوف ومراحل دراسية مختلفة.

عناصر الدراما التعليمية:

ونعني به الموقف التعليمي المراد تنفيذه بأسلوب الدراما التعليمية، والذي يقع التخطيط له على عاتق المعلّم ، فهو المعني في اختيار الموضوع وتحديد أهدافه واختيار الأسلوب وتوزيع الأدوار؛ لتحقيق الأهداف المنشودة، ولا يقف دور المعلم إلى هذا الحد فقط فعليه يقوم: التطبيق والحوار والمناقشة والتقويم .

وتتكون عناصر الدراما التعليمية من:

اولا – الموضوع أو الفكرة: تحديد الموضوع وفي الأغلب يكون درسا من دروس المنهاج المقرر للطلبة في مادة دراسية معينة ، يخدم تنفيذه أهداف الدرس، ويسهل من استيعاب وتبسيط المفاهيم التي تخللها موضوع الدرس بأسلوب مشوّق.

 ثانيا – الطالب( لاعب الدور): اختيار الطالب المناسب للدور، وتهيئته نفسيا وجسميا لتنفيذ المهمات الموكلة إليه، وكيفية ممارسته للتفاعل البنّاء مع الآخرين، فهو يمثل العنصر الأهم في تنفيذ أسلوب الدراما التعليمية

ثالثا – النشاط الدرامي: محور النشاط الدرامي هو اللعب، وهو أساس عملية الدراما التعليمية، والتفاعل بحرية مقيدة، بعيدا عن كل المواقف المهددة، وهذا اللعب يستثمر طاقة الطفل الجسمية والعقلية، وينمي جوانب شخصيته ويساهم في اكساب الطلبة خبرة محببة عن التعليم وتزيد من دافعيتهم للتعلم

 

تطبيقات الدراما التعليمية داخل الغرفة الصفية ، أو المسرح المدرسي:

لا يقتصر دور الدراما التعليمية على تجسيد الدروس المقررة في المنهاج فقط، بل يتعدى ذلك إلى أنشطة وأفكار يرى المعلم أن تطبيقها دراميا يفيد طلبته، كاستغلال المناسبات الدينية: شهر رمضان، حادثة الاسراء والمعراج، المعارك الإسلامية، والمناسبات والوطنية : كيوم الاستقلال، عيد ميلاد القائد،أو المناسبات العالمية: كيوم المعلم وعيد العمال وعيد الأمواستخدام كافة الوسائل التعليمية التي تحقق أهداف الموضوع.

ولهذا الأسلوب خصائصه التي يجب تطبيقها بحرفية عالية مثل:

1- لعب الأدوار : يقع اختيار الدور الذي سيقوم الطالب بتجسيده على المعلم وعليه أن يختار الدور الذي يتوقع أن ينجح الطالب في تقمصه وغالبا ما يتقمص الطالب دورًا غير دوره الحقيقي، ويعبّر عن هذا الدور باللغة والأسلوب الذي يناسب الدور الذي تقمصه، حسب ما يتطلبه الموقف الدرامي

2- الإيقاع : ويأتي ذلك من خلال متطلبات الموقف الدرامي من نغمات معينة وتكرار وحركة مصاحبة، ومناسبة انخفاض أو ارتفاع نبرة الصوت للموقف.

3- الحركة و الإيماء : تهتم الدراما التربوية بالحركة اهتمامًا شديدًا لأن الحركة تعمق وعي الأطفال بقدراتهم الجسدية وتجعلهم قادرين على التعبير عن النفس، كما أن للإماءات هو التعبير عن الأفكار والمشاعر بالحركة وتعابير الوجه فقطدور كبير في إيصال الرسالة الصحيحة الواضحة للمستقبل ، ويستخدم هذا الأسلوب لتوصيل الأفكار والمشاعر إلى الآخرين دون استعمال اللغة المنطوقة.

4- الأدوات:وهي كل ما يتطلبه الموقف من بعد زماني ومكاني وما له علاقة بصلب الموضوع من لباس ، وأدوات، وأسلوب حوار، وديكور.

وفي نهاية المطاف يبقى المعلم هو سيد الموقف ويتحكم بمملكته( غرفة الصف) بما يخدم العملية التربوية ويحقق أهدافها بأقل جهد ووقت، وله الحرية التامة باختيار الأسلوب الأمثل لقدرات وإمكانيات طلبته، وعليه أن يتخذ من تبادل الخبرات المفتاح الرئيس لتنويع الأساليب والاستراتيجيات التعليمية، ويعمل على تطوير ذاته ومتابعة كل جديد يسهم في تطوير العملية التعليمية.

أقرا المزيد

You May Also Like