الدكتور ذوقان عبيدات يكتب العلم الأداتي والتفكير والثقافة

الدكتور ذوقان عبيدات يكتب العلم الأداتي والتفكير والثقافة

(1) العلم الأداتي والتفكير والثقافة

في محاضرة الدكتور عمار علي حسين المفكر المصري المعروف في النادي الأرثوذكسي عام 2019، أوضح مجموعة من الأفكار مثل:

إن العلم التطبيقي كالطب والهندسة يؤدي بالضرورة إلى السير بخط مستقيم، فالطبيب يجتهد لممارسة عمله تطبيقًا حرفيا لما تعلمه من حقائق، والمهندس يرسم نفس الخطوط التي تعلمها، وبذلك ينتج التعليم أشخاصًا حرفيين، تطبيقيين ولعلّ هذا ما يفسّر غياب الأطباء والمهندسين – وأي تقني آخرعن الجوائز العامة، التي يحصل عليها عادة باحثون وعلماء وتجريبيون!! وفي سؤال للأستاذة د. لانا ماكنغ وزيرة الثقافة سابقًا عن سر انتشار التطرف والأفق الضيق بين متعلمين كبار كالأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، أوضح المحاضر د. عمار حقائق أو ملاحظات أساسية:

الملاحظة الأولى: إن أي تعلم دون ثقافة لا يرتقي بصاحبه عن العامة أو الدهماء فأستاذ الجامعة أو الطبيب، أو المهندس، أو أي مختص – كي لا يغضب منا هؤلاء – لا يعدو أن يكون حرفيا أداتيا تطبيقيا، ينفذ ما تعلمه فقط، يسر بخط مستقيم لا يحيد عنه، ولا يسائل نصوصه، ولا يشك بها، فالحلالعنده – الصحيحمحدد مسبقًا، وخلاف ذلك خاطئ.

إن دراسة العلم لن تقود إلى الوعي والفهم والثقافة، دون دراسة فلسفة العلم ومنهج العلم، وهذا ما ينقص أي علمي مختص سواء كان أستاذ جامعة أو طبيبًا. ومنهج العلم المطلوب هو:

البحث عن الحقيقة وليس الانطلاق منها كما يفعل الملتزمون بالتراث وحده، فشتان بين عالم يضع الفروض بحثًا عن حقيقة قد لا يصل إليها، وبين خطيب ينطلق من الحقيقة المطلقة، ويحاول تسويقها.

الشك المنهجي القائم على فحص المسلمات وتقليب البديهيات بحثًا عن مسلمات جديدة أو تأكيدًا لمسلمات أو نفيًا لها، وهنا أيضًا نجد الفرق بين مؤمن بمسلمات لا يحيد عنها، وبين باحث عن حقائق.

الدقة بما تعنيه من ملاحظات تجريبية رقمية، ونتائج يمكن تكرار الحصول عليها وإثباتها إذا ما خضعت لنفس الظروف.

النسبية بمعنى البعد عن اليقينية والحتمية المطلقة، فالعلم لا يعرف ثباتًا حتى في حقائقه.

الحتمية العلمية والتي تنص على أن الأسباب تقود إلى نتائج بدرجة عالية من التوقعات.

التراكمية، بمعنى البناء على ما سبق، وليس التوقف عنده، فالباحث يضيف جديدًا، وقد يلغى قديمًا وغالبًا ما يفعل ذلك فلا ثبات بل نسبية، ولا حتمية بل تقريبية في جميع الحقائق العلمية.

إذن! المختصون – الذين لا يدرسون فلسفة العلم هم بالضرورة غير مثقفين، وبالتالي يسهل انتاؤهم إلى التطرف، وهذا ما يفسّر سيطرة التطرف على أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات!!

الملاحظة الثانية: إن هناك فروقًا بين العلم وتاريخ العلم، فالرازي وابن سينا وابن الهيثم هم علماء قدموا للإنسانية كل جديد في عصرهم، ولكنهم ليسوا علماء اليوم! إنهم تحولوا إلى تاريخ العلم، كان علمهم حديثًا ولكن لا أحد إطلاقًا هذه الأيام مستعد للالتزام بنظرياتهم العلمية، وهنا نعود أيضًا إلى رجال عظماء في مجال التراث والفقه، كانوا ملهمين للإنسانية منهم جزء من التاريخ، وليسوا نماذج معاصرة للشرح والتفسير فاللجوء للتراث لا يمكن أن يعني التطبيق الحرفي سواء كان هذا التراث معماريا ام فنيا ام ثقافيا ام سياسيا..إلخ فإذا لم نكن قادرين على النقد والشك والتنفية والغربلة لأسباب ليست علمية أو لإرهاب يمارسه متطرفون، فإننا لا نستطيع التوقف عند سور صنعاء وجماله المعماري، أو عند قصائد المتنبي والمعري وغيرهم.

إن إهمال ثقافة المعلم، وفلسفته ستجعل منا مستسلمين قابلين، مقتنعين بالسير على خط مستقيم يجعل منا مرددين مستسلمين لأي فكر متطرف سواء كان فكرًا تراثيا أو حداثيا!

فالعصمة من التطرف تتطلب غنى روحيا كما تتطلب منهجًا علميا هل في هذا تفسير كافٍ لانتشار التطرف في بيئات يعتقد أنها متعلمة؟

(2)

التطرف والفكر التحويلي والتعليم

يقوم الفكر التحويلي على قيم التجدد والتغير المستمر. فلا ثبات في المعرفة، فالعلم كما عرفه د. عمار يسعى إلى إكمال نقص معرفي أو إنتاج معرفة جديدة أو تنظيم شتات معرفي، أو تضيف أو كشف الزيف في أنماط معرفية، أو كشف قوانين تنظيم، أو التنبؤ بما سيحدث وهذا كله تحويل وتجديد وتغيير في مقابل التطرف الذي يسعى إلى استحضار القديم وتطبيقه رغم تغير الظروف تحت عنوان الصلاحية الدائمة.

وقد قدم د. عمار بعض المفاهيم التي توضح ارتباط السلطة السياسية، وعشقها لرجال علم ودين تمكنوا من تحويل معارفهم إلى:

تجارة رابحة

عصاب مرضى

أبديولوجيا سياسية

اساطير

تقديس اشخاص عاديين

فولكور

إن السياسة والسلطة احتاجت إلى التفكير السلطوي المتمثل بالثبات والجمود بدءًا من توظيف التدين في السياسة بعيد وفاة الرسول العظيم، ومرورًا بالدولة الأموية، والسياسية وحتى العثمانية قد ربطت التدين بالعدل وصارت تتحدث عن الحاكم العادل في أحسن الظروف ونسيت قيمة الرحمةوهي أساس الدين الإسلامي فبرز عندنا الحاكم العادل حتى لو بطش بالآلاف!!

إن قيمة الحاكم العادل طغت على الحاكم الرحيم وبذلك خسرنا العدل وخسرنا الرحمة، وانتشر التطرف سعيا لتحقيق العدل وغابت الرحمة وانتحرت الرحمة مع العدل. فلم نعد نرى لا العادل ولا الرحيم!!

وهنا يتجدد دور التعليم في البحث عن الرحمة، وعلى التعليم أن يسعى لإنتاج لاعب الشطرنج الذي يفكر مستقبليا وليس لاعب السلطة الذي يحاول انتاج الماضي.

كم نحن بحاجة إلى التفكير المستقبلي!!

(3)

التعليم أولًا وأخيرًا

يقول الدكتور عمار: من لديه قدرًا من الفن أو الثقافة الفنية، وأقول من سمع أغنية او قرأ قصيدة أو استمع إلى لحن موسيقى أو زار معرضًا فنيا، لا يمكن أن يكون فريسة للتطرف، ومن قرأ الفلسفة، أو من درس مساقًا في التربية الأخلاقية وتمكّن من قواعد المنطق وفلسفة التجريب، لن يكون متطرفًا بسهولة!

فالنماذج أو نتاجاتنا التعليمية التي تميزت:

بحشو الشرايين بالكولسترول المعرفي الذي حرم حتى الكبار المتعلمين من الوعي الثقافي والانفتاح الفكري واحترام الآخر هو ما جعل من نتاجاتنا التعليمية مشروعات متطرقة حتى لو كانوا أطباء وأساتذة!!

فالمتطرفون استقطبوا كثيرًا من ذوي الثقافة المتخصصة، كالمهندسين والأطباء ورجال دين وأساتذة جامعات.

فهؤلاء جميعًا تخصصوا في علم أداتي، ينفذون ما تعلموا دون وعي ثقافي.

د. ذوقان عبيدات

انضم إلينا على صفحة فيسبوك

You May Also Like