التعليم وكورونا وحقوق الإنسان بقلم الدكتور محمود المسّاد

التعليم وكورونا وحقوق الإنسان بقلم الدكتور محمود المسّاد

التعليم وكورونا وحقوق الإنسان

بقلم الدكتور محمود المسّاد

أصدر المركز الوطني لحقوق الإنسان ورقة موقف أعدها حول التعلم عن بُعد نشرها في موقع وطنا اليوم بتاريخ 1 حزيران من عام 2021، تدعو لوقفة تساؤل وليس وقفة مراجعة لما تضمنته من انتهاكات لحقوق الإنسان، حيث أشار إلى أن نص المادة السادسة من الدستور، وقانون التربية والتعليم، ونصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحديدا المواد (13)، (14)، (15)، من حيث أنه حق للجميع تكفل الدولة عدم انتهاكه، وكذلك القضاء على التميز القائم على الدخل بالأحقية في التعليم.

وأكدت الورقة أن التعليم شهد تراجع يدعو للقلق فرضته الظروف الاقتصادية الصعبة، والعوامل المحبطة، ومن أوجـــــه التراجع، ضعف المستوى التعليمي لكافة الخريجين في التعليم قبل الجامعي، وضعف المستوى العلمي والأداء العملي للمعلم الأردني، بالإضافة إلى أن الأبنية المدرسية في معظم مدارس مدن وقرى الأردن قديمة، وتفتقر للمقومات التي يمكن من خلالها إنجاز العملية التعليمية.

كما أظهرت التجربة مجموعة من التحديات تمثلت بعدم انخراط عدد كبير من الطلبة في التعليم عن بعد حسب تصريحات وزارة التربية والتعليم، كما سُجل صعوبة في توفير حزم بيانات خلوية (حزم الإنترنت) للانخراط في التعلم عن بعد.

ونبهت إلى عدم توفر الاحتياجات الخاصة للطلبة ذوي الإعاقة للتعلم عن بعد، حيث لم يتلقوا التعليم اليومي بالمستوى المناسب لاحتياجهم لأدوات خاصة، وطرق تتناسب مع إعاقتهم وقدراتهم الذهنية، والسمعية، والبصرية، والسلوكية، والتوحد، واضطراب اللغة والكلام.

وأشارت الورقة إلى أن البنك الدولي قد وافق على مشروع بقيمة 100 مليون دولار لدعم الأردن في التصدي لتحديات التعليم عن بعد الناتجة عن وباء كورونا، ويهدف البرنامج إلى توسيع سبل الحصول على التعليم وظروفه للأطفال الأردنيين، وأطفال اللاجئين السوريين، وتقديم تحويلات طارئة للأسر الفقيرة التي فقدت مصدر دخلها؛ للسماح للأردن بتعزيز عملية التعليم من خلال بناء نظام تعليمي أكثر عدالة ومرونة لفترة ما بعد كورونا، واستدامة ابتكارات التعلم التي تم تطبيقها نتيجة إغلاق المدارس.

وحقيقة الأمر أن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك حيث: تركت الجائحة (كورونا) وما زالت آثارًا كبيرة على أطراف العمل التربوي والتعليمي جميعًا،

وتُعّد هذه الآثار انتهاكًا للحقوق مثل:

1-  إن المعاناة النفسية والاجتماعية للطلبة كانت هي الأعلى تأثراً، فقد أحس الطلبة بالخوف والقلق والتوتر. ومع الأيام، بدأت الاتجاهات السلبية نحو التعليم والمدرسة بالتعاظم، خاصة وأن هناك مِن الطلبة مَن وَجد في أساليب التعليم عن بُعد عبئاً جديداً تضافر مع الإقامة الإجبارية في البيت، والتوجيهات الصارمة للأهل. ومن جهة أخرى، فقد أحس بعض الطلبة في الأطراف والمناطق التي لا تتوافر فيها خدمات التعليم عن بُعد بالحرمان والتأخر عن أقرانهم في الأماكن الأفضل حظاً.

2- أحسّت الموارد البشرية من قيادات وهيئات تعليم، بالقصور في المهارات وتحدي مجاراة ما يتم من آليات التعليم عن بعد، ومع أن بعضهم عدّها فرصةَ تعلم وإثبات وجود، إلا أن بعضهم الآخر عدّها صعبة الاكتساب، وخاصة مَن هم على أبواب التقاعد وأولئك الذين لا يملكون الأجهزة التكنولوجية المناسبة ومتطلباتها للربط على شبكة الإنترنت، وكل هذا رافقه التوترات المجتمعية التي عززت تخوفات الناس ومنهم الموارد البشريةبضرورة الاهتمام بحياتهم وحياة أسرهم، وتحسين ظروفهم الاقتصادية والمعيشية.

3- تبدُّل الأولويات التي تغيَّر بعضُها من حيث الموضوع وبعضُها الآخر من حيث الترتيب، إذ فرضت الجائحة أولويات جديدة ليس للوزارة فقط، بل للطلبة والموارد البشرية وبيئات التعلم أيضاً، كما فرضت بعض الأولويات للأهل في ما يتعلق بتوفير المكان والأجهزة اللازمة لتعلم أبنائهم، وبقي أن تعمل الوزارة على توعية الأهل في مجال دعم تعلم أبنائهم بالشكل الصحيح.

4- تبدُّل الأولويات التي تغيَّر بعضُها من حيث الموضوع وبعضُها الآخر من حيث الترتيب، إذ فرضت الجائحة أولويات جديدة ليس للوزارة فقط، بل للطلبة والموارد البشرية وبيئات التعلم أيضاً، كما فرضت بعض الأولويات للأهل في ما يتعلق بتوفير المكان والأجهزة اللازمة لتعلم أبنائهم، وبقي أن تعمل الوزارة على توعية الأهل في مجال دعم تعلم أبنائهم بالشكل الصحيح.

5- خلخلة توقيت المشاريع والبرامج، لا سيما إذا كان المشروع مرتبطاً بأجل زمني، فإنجاز طباعة الكتب المدرسية مثلاً يجب أن يتم في موعد محدد، وأيّ تأخُّر ولو لأيامقد يؤثر على سلامة بداية العام الدراسي، وهو ما ينطبق أيضاً على تدريب المعلمين قبل بداية العام الدراسي، وغير ذلك الكثير.

6- نوع التعليم ومستوى امتلاك الطلبة للمهارات المتوقعة على مستوى الصف والمرحلة، وفي إطار هذا المجال كشفت الاستطلاعات عن قصور في مستوى الاكتساب للعام الدراسي 2019/2020، وقد يتأثر العام الدراسي 2020/2021 أيضاً، بسبب الظروف التي أثّرت على سير الدراسة في بداية العام الدراسي نتيجة إضراب المعلمين، وبعدها تحولات الوضع الوبائي واستمرار الدراسة باستخدام منحى التعلم عن بُعد. ويؤكد بعضهم، ومنهم وزارة التربية والتعليم، أن هناك فجوات في نوع التعلم وفي مستوى الاكتساب الذي يقاس بالشهور. وقد بادرت الوزارة نتيجة هذا الوعي بجسامة المشكلة إلى الإعلان عن برنامج تعزيز تعويض لفاقد التعليمي قبل بداية العام الدراسي وبالتركيز على المهارات الأساسية في المباحث الأساسية.

7- البطالة وتسريح العاملين من المعلمين والإداريين في القطاع الخاص، إذ تأثرت المدارس الخاصة في الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي 2019/2020 كثيراً، وعَمدت إلى تسريح الكثير من كوادرها الإدارية والتعليمية، فضلاً عن تخفيض الرواتب، وتأخر تسليمها، إضافة إلى الخوف من إغلاق العديد من المدارس الخاصة لضعف قدرتها على تحمل عدم دفع الأقساط الدراسية من قِبل الأهالي. ولم يسلم المعلمون والإداريون في القطاع العام من وقف العلاوات التي أثرت كثيراً على معنوياتهم وأوضاعهم المعيشية.

8- البيئات المدرسية وفقرها التكنولوجي ومدى توافقها مع منحى التعلم عن بعد، فقد تبين أن نسبة تزيد عن 50% من التجهيزات التكنولوجية في المدارس قديمة، وغير صالحة، ولا تستوعب الفعل الذي لجأت له الوزارة في التعلم عن بُعد، الأمر الذي اضطر الوزارة لبرامج التحديث، والتعزيز للأجهزة والربط؛ خشية تأثر سير العمل وتدني مستوى تحقق الأهداف.

9- الثقافة المجتمعية وتأثرها باتجاهات سلبية نحو التعليم عموماً، وتحديداً نحو التعلم عن بُعد، الذي كان مفاجئاً ولم يستعدّ له الأهالي بالتجهيزات وأساليب الدعم، الأمر الذي رفع أصوات التذمر والدعوات للعودة إلى المدارس.

وفي هذا المجال، لا بد من التأكيد أن ما قامت به الوزارة يمثل تعليماً عن بعد ينقصه التفاعل المتبادل بين المعلم والطلبة، في حين أن التعلم عن بعد هو المستقبل، وهو المقصود الذي يحقق التعلم النوعي القائم على جهود الطلبة وتفاعلهم ويرفع من نسب تعلمهم على حساب نسبة التعليم التي مصدرها المعلم، وهذا ما أوضحته الوزارة واعترفت به، لأنّ هدفها الرئيس كان إنقاذ العام الدراسي واستمراره، في الوقت الذي لم تكن فيه مستعدة للتعلم عن بعد ولا تمتلك متطلباته.

ولابد من التوضيح أن التعليم عن بعد يختلف عن التعلم عن بعد، فالتعليم عن بعد – وهو ما مارسته الوزارة – يكرس دور المعلم في الشرح والتلقين عبر شاشة التلفزيون أو العرض المصور (الفيديو) دون تفاعل أو مشاركة من الطالب/ الطلبة، في حين أن التعلم عن بعد وهو الطموح والغاية يقوم على دور الطالب/ الطلبة في التعلم والبحث والاستنتاج وتقديم العروض خلال جملة المهام والمشروعات التي يكلف بها مستفيدًا من التطبيقات التكنولوجية المتنوعة بما يحقق التفاعل الحقيقي بين المعلمين والطلبة.

انضم إلينا على صفحة فيسبوك

You May Also Like