التعليم ما قبل المدرسي بقلم الدكتور يحيى القبالي

التعليم ما قبل المدرسي

التعليم ما قبل المدرسي

     يبدأ الّتعلّم المقصود في حياة الطّفل بعد سن الثّالثة، وهي بداية سنوات الطفولة المبكّرة (3-6) سنوات حيث يتطور إدراكه ويبدأ بتفحّص كلّ ما حوله، وقد اتفق علماء النفس على أهميّة هذه المرحلة في حياة الطّفل واعتبروها السّنوات التكوينيّة الّتي تُغرس فيها البذور الأولى لعوامل الشّخصيّة الإنسانيّة السويّة المتكاملة بمراحل نموها الجسمي والعقلي والاجتماعي، حتى أن علماء علم نفس النّمو أطلقوا على هذه السن ( سن السؤال) ، حيث يبدأ فيها الطّفل بالسّؤال عن كل ما يحيط به، ويكرّر السؤال عدة مرات وربّما على أكثر من شخص، وبطبيعة الحال تكون الأمّ هي المستقبل  والمرسل ومصدر الاجابات المقنعة له وأولى محطات السّؤال وأكثرها استقبالا لأسئلته ، وقد تقع الأمّ تحت وطأة الاحراج لعجزها عن تكييف إجابة لسؤال لم يكن في الحسبان، فتحاول تأجيل الإجابة بقولها : ستعرف ذلك حينما تكبر، عندئذ سيتوجه الطّفل لشخص آخر وآخر في حال تشابهت إجاباتهم مع إجابة أمّه

ولكن كيف الخلاص من إلحاح الطّفل لمعرفة الإجابة عن سؤاله المحرج؟

بكل سهولة نقول لأولياء الأمور عند تلقيهم أي سؤال من طفلهم بهذا العمر بأن يقوموا برد السّؤال نفسه على الطّفل ليتعرفوا على رصيده من الإجابات وما لديه من توقعات وتخيلات، فلربما يكون الطفل قد طرح السؤال نفسه على شخص من قبل وحصل على إجابة لم تكن مقنعة له، ولربما أراد تأكيد تلك الإجابة، وحينها يمكن معرفة ما لدى الطّفل من رصيد حول  موضوع سؤاله والبناء عليه بما ينسجم مع مدركاته

وتحضرني دعابة في هذا الشأن كان محتواها حوار بين طفل وأمّه

الطّفل: أمّي ، من أين أتينا؟

الأم: ( يظهر عليها الارتباك ولا تدري من أين تبدأ)…تعرفت على أبيك، وتزوجنا، و.. ومن ثم رزقنا الله إياك

الطفل: لماذا صديقي في الصّف يقول: أنّهم جاؤوا  من عمّان؟

وعلى ذلك يمكننا القياس على ما جاء في هذه المقدّمة

إذا يدخل الطفل إلى الروضة( بستان، KG1Kkg2)  ولديه حصيلة كبيرة من الأسئلة والإجابات الجاهزة، وليس ورقة بيضاء كما يحلو للبعض تكرار هذه العبارة

قد تتاح لبعض الأطفال الفرصة للتّعليم ما قبل المدرسي، وقد يكون محظوظًا إذا ما تلقى التهيؤ السليم لدخول المدرسة، فمرحلة رياض الأطفال وجدت لهدف رئيس هو: التهيؤ النفسي والجسدي لدخول المدرسة

ولن نتطرق لكافة الممارسات الحقيقية على أرض الواقع التي تسير بعكس التيار وتفرض على الطفل تعلّم مالا يجب تعلّمه، وتتجاوز الهدف الذي وجدت رياض الأطفال من أجله  وتترك خبرات سيئة في نفس الطّفل وترخي بظلالها على مرحلة دخول المدرسة، فيكون قد فقد الدافعيّة وكوّن تصورًا سلبيًا عن التّدريس بسبب تلك الممارسات الخاطئة،  ونعني بالممارسات الخاطئة 🙁 اجتهد فأخطأ)

ويمكننا هنا عرض أهم هذه الممارسات و أخطرها على الإطلاق، ألا وهي ترحيل منهاج الصّف الأول الأساسي إلى مرحلة الرّوضة وما يترتب على هذا السلوك من أخطار نفسيّة وجسديّة على الطّفل، فمعظم رياض الأطفال تتسابق على فرض وجودها من خلال المنافسة الشريفة فتقوم باستعراض خدماتها ونتائج تجربتها وكيف نجحت بتعليم الأطفال لديها القراءة والكتابة والحساب، وباقي مواد المنهاج

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل المطلوب من رياض الأطفال تعليم الأطفال المناهج التعليمية؟

أما الأسئلة الفرعية: ماذا سيفعل الطفل عند دخوله الصّف الأول الأساسي إذا كان يقرأ ويكتب و… وماذا سيتعلم؟

والسؤال الفرعي الثاني: كيف يمكننا التّعامل مع الأطفال في الصّف الأول الأساسي إذا كان بعضهم قد دخل الرّوضة والبعض الآخر لم تتح له فرصة التّعليم ما قبل المدرسة وكانوا في الصّف نفسه؟

والسؤال الفرعي الثّالث: لما الاستعجال بتعليم الأطفال القراءة والكتابة والحساب في الرّوضة  ولدينا متسع من الوقت في الصّف الأول الأساسي؟

ويجب ألا نقيس ما فات من تجارب محليّة على تجارب بعض الدّول، ويجب أيضًا الابتعاد عن المقارنات، فالجميع يعلم مدى التّفاوت بين الدّول وإمكانياتها، بالإضافة إلى وجود الفروق الفرديّة بين الأطفال

نقول: إنّ الطّفل باستطاعته أن يقرأ ويكتب ويحسب قبل سن المدرسة ولكن ببذل جهدًا مضاعفًا لدرجة أن يصل به هذا الجهد لتلاشي دافعيته للتعلم والانجاز،  ووقوع الطفل بالكثير من الأخطاء تكون كفيلة بتشكيل خبرة سيئة بالتدريس.

أهداف إنشاء رياض الأطفال

جاء في كتاب المربي الكبير ( فروبل) والذي كان عنوانه:” تربية الإنسان” يجبّ أن يعيش الطّفل في البيئة بصورتها الحيّة ، يلاحظ كلّ كبيرة وصغيرة تدور من حوله وأن يجد فيها ما يقوّي عزمه ويصقل نفسه ويؤهّله ليؤدّي دوره كفرد قائم بذاته وكفرد في المجتمع .. ولن يحصل ذلك إلاّ إذا كان الطّفل في بيئة فيها مجال واسع للملاحظة والتجريب ، ولن يتوفر ذلك إلاّ في وسط طبيعي يتمثل بحديقة تضم فناءً واسعًا تتوفر فيه كلّ أسس رياض الأطفال”

لا تختلف رسالة رياض الأطفال عن رسالة التّعليم المدرسي أو الجامعي، فهي امتداد له و تهدف إلى تكوين الشّخصيّة المتكاملة للطّفل وإعداده ليكون مواطنًا صالحًا ، ورعاية نموه الجسمي والعقلي والاجتماعي

الدوافع الأساسية لإنشاء رياض الأطفال

دافع اجتماعي: توفير بيئة اجتماعية متفاعلة للأطفال، وفي الوقت نفسه تعمل بديلا لدور الأسرة العاملة

دافع نفسي: العمل على تكوين شخصية متزنة للطفل تترك أثرها على مسار سنين حياته القادمة

دافع تربوي: تهيئة الطّفل للدّخول إلى عالم التعلّم المدرسي

إن ّسن السّت سنوات الذي حدّده التربويون لدخول المدرسة لم يأت جزافًا بل عن دراسات مستفيضة وخبرات متراكمة عميقه وتجارب واقعيّة والتّجريب على أرض الواقع، إذ افترض علم النّفس التربوي بأنّ الطّفل قادر على التّعلّم في سن الست سنوات أمّا قبل ذلك فهو قادر على التدريب – ولكل قاعدة شواذ – فقنواته الإدراكية ( السّمع ، البصر، الذّوق، الشّم، اللّمس)  شارفت على الاكتمال فيصبح تركيزه أكبر ونمّوه الجسمي كذلك، حيث أثبتت الدراسات بأنّ آخر العضلات التي يمكن للطّفل التّحكم بها هي عضلات رؤوس الأصابع التي يُطلق عليها العضلات الدقيقة، أي أنّ الطّفل في هذه السّن قادر على مسك القلم والتحكّم فيه بشكل طبيعي دون ضغط خارجي، وإذا ما أجبرنا الطّفل على مسك القلم قبل هذه السّن فإنه سيعاني من مشكلات جسديّة ونفسيّة، وقد يتعلّم هذا السّلوك بشكل خاطئ مما يضطر معلّم الصّف الأول الأساسي على إعادة تأهيل مسكته للفلم بشكل سليم، عدا عن كم الواجبات الكتابية المزعجة بالنسبة للطفل، فتتكوّن لديه خبرة سيئة نحو التعلّم

 هذا بالنسبة للكتابة وما يرافقها من مهمات، وتزداد الحالة سوءًا حين لا يتدرج معلمو رياض الأطفال بالمهارات ما قبل الكتابة، وهي مجموعة من المهارات غير المحدودة التي تعتبر تهيئة للكتابة، ومن المفترض أن يطبّقها الطّفل ويتقنها فبل الانتقال إلى مهارات الكتابة ومسك القلم، بأسلوب ( ألعب وأتعلم) في السّنة الأخيرة له في الروضة، لتقوية العضلات الوظيفية المسؤولة عن الكتابة والتّحكم بالأصابع وكفّة اليد، ومنها

المرحلة الأولى

الّتشكيل بالصلصال

الرّسم بالتراب

تحليل وتركيب الأشكال

تقطيع الأوراق بالمقص

الضغط على الكرات المطاطية

ألعاب تحريك الأصابع

تشكيل الورق( صنع قوارب، وسيارات… الخ

ألعاب اللّضم( استخدام الخيط وإدخاله في الثقب( خرز، مكعبات، الخ)

ألعاب تجديل الحبال والصوف….الخ

المرحلة الثانية

تتبّع الأشكال بالأصابع

مسك فرشاة الألوان وتعبئة الفراغات ، وليس بالضرورة الانتظام في بداية الأمر

التوصيل بفرشاة الألوان بين الأشكال

التدرب على مسك القلم وتثبيت الورقة باليد الأخرى

الخربشات العشوائية بالقلم على الورقة

تعبئة الأشكال الهندسيّة بالقلم

التوصيل بين النقاط بقلم الرصاص

 التوصيل بين الأشكال بالقلم( بخط متعرج، ومن ثم خط مستقيم)

السير بالقلم على أضلاع الأشكال الهندسة المنقطة

10-السير بالقلم لتوصيل النقاط لتشكيل صور حيوانات ونباتات وأشكال أخرى

قص ولصق الأشكال…الخ

وفي الشهر الأخير من وجود الطفل في الرّوضة نقوم بتعريفه بالحروف والأرقام من خلال الأناشيد والألعاب المختلفة دون الضغط عليه بحفظها أو كتابتها، وعرض هذه الحروف على جدران الغرفة الصفيّة والسّاحات، ويمكن تلوين الحروف وإجراء المسابقات للتعرف على الحروف دون أي ضغوط

وكما يوجد هناك مهارات ما قبل تعلّم الكتابة، هناك أيضا مهارات ما قبل القراءة، ومهارات ما قبل الإملاء، ومهارات ما قبل الحساب

وعودة على بدء، ففي السنوات الأولى لدخول الروضة، فيجب التركيز على  المهارات الوظيفيّة الحياتية: ( الاستيقاظ مبكرًا، ترتيب السرير، استخدام أدوات الطّعام، الرّكوب في حافلة الرّوضة، الجلوس في مكانه المخصص في الحافلة وفي غرفة الصّف، التّعامل مع المعلّم والزّملاء، لبس الملابس بمفرده، وعادات النّظافة الشخصيّة( تنظيف الأسنان، استخدام سلة المهملات، نظافة الملابس،… الخ، مع التركيز على  الجانب الاجتماعي والترفيهي حيث يتضمن البرنامج اليومي ما يلي

الرّحلات المتنوعة ( حديقة الحيوانات، والتعرف على أنواع الحيوانات وتصنيفاتها( مفترس، أليف…) ، حديقة الطيور( التعرف على مكونات أجسام الطيور وطريقة عيشها…)، المناطق الزراعية بأنواعها( الحرجية، والمثمرة )، رحلات البحر ، المدن الترفيهية، المناطق الصحراوية، المناطق السهلية… دور العبادة، الجامعات … الخ

التدريب الرياضي( سباحة، كرة قدم، كرة سلة.. الخ)

الألعاب الاجتماعية وتمثيل الأدوار( المسرح المدرسي)

مشاهدة الأفلام( قصص اجتماعية، ودينية، وسير الناجحين، ورسوم متحركة، ..الخ)

وكلمة أخيرة: إنّ برامج رياض الأطفال من أكثر البرامج تكلفة في المجال الأكاديمي ، ومن وجهة نظري الخاصة، من المفترض إتاحة الفرصة للقطاع الخاص للتنافس الشريف فالاستثمار في هذا المجال واسع جدًّا، وعدم الزام المدارس الحكومية بالتّعليم ما قبل المدرسي، عندئذ ستكون المنافسة على أشدها، فوزارة التربية والتعليم لديها ما يشغلها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فكثير من القرى النائية يصعب تطبيق برنامج رياض الأطفال فيها

انضم إلينا على صفحة فيسبوك

You May Also Like