أثر التعليم الرقمي على الذكاء الانفعالي/العاطفي للمعلّم
بقلم: د. يحيى أحمد القبالي
لا يختلف اثنان على أنّ المعلّم يشكّل ركيزة أساسية في تعليم الأجيال، وركن أساسي من العملية التعليمية وعليه تبنى الآمال في تربية فلذات أكبادنا وبناء المجتمعات، و يدرك المعلّم دون أدنى شكّ مدى تأثير شخصيته على طلبته من خلال تفكيره الملهم الذي يرمز إلى المعرفة والحكمة والتوجيه، ومن خلاله يتشكل لدى الطلبة الاتجاهات نحو العلم والتعلم والمدرسة بالإضافة إلى مهنة المستقبل، وعلى يديه تتحقّق المواقف التعليمية الهادفة وانتقال أثرها إلى المواقف الحياتية الوظيفية، ومع وجود التقدم التكنولوجي واتساع فضاءاتها وتعدّد مصادر المعرفة تضاءل دور المعلم كمقدم للمعلومات والمصدر الوحيد لها ؛ لذا كان لزامًا على المعلم تنمية ذكائه الانفعالي (Emotional intelligence) ليحافط على مكانته وتقديره، ونعني بالذكاءالانفعالي : القدرة على الوعي الذاتي ، وإدارة الانفعالات والعواطف الشخصيّة، والمشاعر الخاصة بالآخرين.
ويوجدهناك تقاطعات كثيرة بين أربعة أنواع من الذكاء وقد تكون متطابقة
ولقد رجّح بعض العلماء الذكاء الانفعالي على معدّل ذكاء الفرد، وبرهنوا على ذلك بقولهم: إنّ الذكاء وحده لا يساعدك على إدارة التوتر والعواطف عند مواجهة التحديات الكبيرة ، وعندما يعمل معدّل الذكاء جنبًا إلى جنب مع الذكاء الانفعالي/العاطفي تكون الأمور أكثر فعالية.
لا تنفصل المدرسة بأيّ حال من الأحوال عن محيطها الاجتماعي فهي تمثّل مجتمع مصغّر(Micro-community) للمجتمع الذي تعيش فيه، وبالتالي فما يؤثّر على المجتمع سيؤثّر بطبيعة الحال على المدرسة، وما تركه التقدّم التكنولوجي من بصمات على أفراد المجتمع انتقل إلى داخل أسوار المدرسة، وكان لهذا التقدّم آثار على سير العملية التعليمية التعلّميّة، ومن هذه الآثار ما طال شخصية المعلم وأسلوب نقله المعلومات إلى طلبته، حيث لم يعد المعلّم المصدر الرئيس للمعلومات ، وباتت شبكات التواصل الاجتماعي تعج بالمعلومات وتفاصيلها ، مما ترك عبئًا مضاعقًا على المعلّم اضطر على ضوئه من تطوير نفسه والبحث عما يسهّل عليه عملية التواصل مع طلبته من خلال إثبات وجوده وإدارة الأزمات والتحلّي بالصبر والمرونة والبحث عن أفضل الوسائل التي تنمي ذكاءه الانفعالي، مثل:
1-كسب احترام الطلبة: Earn the respect of students
ليس من السهل بمكان فرض احترام المعلّم على طلبتة في زمن التطور التكنولوجي بالرغم مما تختزنه ذاكرتنا الجمعية من احترام وتقدير لمكانة المعلم لما اكتنزه من معلومات من الصعوبة بمكان الحصول عليها من مصدر سواه ، لذا توجب على المعلم أن يبقى دائم التقدير لجهد طلبته في بحثهم عن المعلومة ويحثّهم على ذلك بعد أن أصبح فضاء المعلومات متاح للجميع، وعليه التمسّك بقيم الالتزام وتحمل المسؤولية .
2-مهارات فن القيادة: Leadership skills
المعلّم قائد بحكم وظيفته في غرفة الصف، وعليه أن يبحث كيف يكون مؤثرًا بطلبته من خلال تفهمه لطبيعة شخصياتهم واحتياجاتهم من ناحية ولاحتكاكه اليومي معهم من ناحية أخرى، ولابدّ من وجود أواصر من المحبة و الثقة تعمل كمفاتيح للتواصل بينه وبين طلبته بأريحية وسلاسة لتسهيل تقبّل أوامره ونواهيه.
3-إدارة الغضب:Anger management
وهنا تظهر قيمة وفعالية الذكاء العاطفي فالمعلم إنسان فهو لا يقرر متى سيغضب أو متى يخاف ومتى يكره .. ولكنه يستطيع أن يقرّر كيف يتعامل مع هذه المشاعر، فالابتعاد عن التعصّب والتسرّع في إطلاق الأحكام واتخاذ القرارات هي الآلية التي تعمل عليها مهارة إدارة الغضب، فطبيعة مزاج البشر متقلّبة، وتظهر هذه الصّفة في الطلبة أكثر من غيرهم لما يمرّون به من تغيرات جسدية ونفسية ولكل مرحلة عمرية متطلباتها، وعلى المعلّم معرفة هذه المتطلبات وتفهمها، والحرص على أن لا يكون طرفًا في صراع الطلبة بل حكمًا منصفًا ولو بحق نفسه، وعليه تجفيف منابع الغضب قبل وقوعه.
4-إدارة الأزمات:Crisis Management
من المتوقع أن يكون هناك أزمات داخل المدرسة بشكل عام وفي الغرفة الصفية بشكل خاص، وكلما كان المعلّم متسلحًا بالذكاء الانفعالي كلما كان قادرًا على تشخيص الأزمات وتقييمها ووضع الحلول المناسبة والاحاطة بها ومحاصرتها داخل الغرفة الصفية قبل استفحالها وخروجها من الغرفة الصفية.
5-محاسبة النفس: self-accounting
تعمل هذه المهارة على استكشاف الانفعالات في المواقف المختلفة السابقة وتحليلها وتحصين النفس من ردود الفعل السلبية في المواقف المستقبلية المشابهة، والتعلّم من الأخطاء الشخصيّة، والحرص على عدم تكرارها من خلال إعادة تخيّل سيناريو تلك الخبرات التي مرّت به ومحاسبةنفسه بشكل دائم.
6-لغة الجسد: body language
لا تقل لغة الجسد عن التعبير اللفظي فهي تعبّر عن الانفعال الداخلي للفرد ، فالإشارة الجسدية والايماءات توحي بما في داخل الفرد من مشاعر وهي لغة تواصل فعّالة قد يكون تأثيرها أبلغ بكثير من الكلمات والجمل، فلباس المعلّم الأنيق وحركته ورائحة عطره، وتبسمه … لها عمل السحر لدى طلبته، فاحرص أن تكون بأجمل صورة في عيون طلاّبك.
7-عدم التحيّز:Impartiality
لطالما كان للتحيز المعرفي آثارًا سلبية على صاحبه، فالنظر إلى الأمور من زوايا مختلفة يجعلك ترى الواقع مختلفًا، وتبادل الأدوار يوضح الصورة أكثر، والإصرار على الرأي والتقليل من قيمة رأي الآخرين يعمل على تشويه الموقف، فكن موضوعيًا وابتعد عن التحيز الشخصي، تبقى صورتك ناصعة في عيون طلّابك.
8-الانفتاح العقلي: Open -mindedness
إن تقبّل آراء الآخرين والانصات إليهم يفتح قلوبهم و عقولهم لك، ويتيح فرصًا جديدة للتواصل معهم، فكن مستمعًا جيدًا ، فهناك الكثير الكثير مما سيقوله لك طلبتك ، وقد تتفاجأ بحجم ما سيخبرونك به، وعليك تقبل الآراء المختلفة واعمل على التقارب بينها من خلال التقاطعات الإيجابية.
9-المشاركة الفاعلة:Active participation
من الجميل أن تكون مشاركًا لطلبتك داخل وخارج غرفة الصف، فالأنشطة اللاصفية تؤكد مدى تواضعك وتفاعلك معهم، كالنشاط الرياضي، والنشاط الكشفي، والرحلات المدرسية، ومشاركتهم دون قيود مدرسيّة تتيح المجال لك للتعرّف أكثر إلى شخصياتهم وبالتالي تقديرك لاحتياجاتهم، وتحّين المناسبات الاجتماعية للطلبة ، فسيكون لوجودك طعم مختلف عما اعتاده الطلبة من رسميات.
10-لا تيأس:Do not give up
قد يظن من هو خارج إطار العملية التعليمية بأن وظيفة المعلّم سهلة والتعامل مع الطلبة كما هو التعامل داخل المنزل، وقد يغيب عن تفكيرهم بأن غرفة الصف عبارة عن فسيفساء وبوتقة تجمع بداخلها مشاعر متناقضة ومختلفة وفروق فرديّة قد يكون بعضها متطرفًا، وعلى المعلم التعامل مع كلّ هذه الأمور تحت ضغط واحتراق نفسي يجعله كالشمعة يفني حياتع من أجل إسعاد الآخرين، واعلم أنّ لكلّ مشكلة حل، ولكلّ عقل مفتاحه، فلا تيأس.
لقد كان لتداعيات انتشار وباء (كورونا) أثره البالغ على جودة التعليم وأفرز مصطلح ما يطلق عليه الفاقد التعليمي، والذي تمخّض عنه فقر التعلّم، حيث أصبح التعلّم عن بعد بمتناول اليد ويغني عن التعلّم الوجاهي، مما أدّى إلى ذوبان شخصية المعلّم وتوحّدت مشاعر الطلبة نحو الحاسوب الناقل للمعلومات ولم يعد هناك هامش للتواصل الجسدي بين المعلّم وطلبته، وكانت هذه التجربة كفيلة بإعادة الحسابات وتهيئة المعلم لعصر جديد من التعلّم الرقمي، وأخذ الحيطة لتكرار مثل هذه الحالة والوقوف على نقاط الضعف فيها، وتبين حينها مدى تأثير شخصية المعلم على الطلبة وضرورة تنمية ذكائه العاطفي ليبقى حاضرًا في ذهن الطلبة ووجدانهم والولوج إلى العصر الرقمي بكفاءة واقتدار. وقد بدا ظاهرًا للعيان خصائص المعلّم الذي يتمتّع بذكاء إنفعالي عن غيره من المعلمين وذلك من خلال حبّ الطلبة للمادة التعليمية التي يدرّسها ذلك المعلّم، وهذا القول نفسه ينطبق على المدرسة التي يتمتّع معلّموها بذكاء انفعالي نجد الطلبة يتسابقون إلى التعلّم ويقاومون الغياب والتسرب منها.
وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)