هل ما زال البناء المدرسي صالحاً للتعليم؟

هل ما زال البناء المدرسي صالحاً للتعليم؟

هل ما زال البناء المدرسي صالحاً للتعليم؟

بقلم: د. يحيى أحمد القبالي

هل ما زال البناء المدرسي صالحاً للتعليم؟ تعالت الأصوات التربويّة لاستغلال كلّ ما يمكنه رفد العملية التعليمية وتطويرها في ظل هذا التحوّل التكنولوجي السريع، وإزالة العقبات من طريق هذا التطوّر في ضوء التّقدّم العلمي والانفجار المعرفي وفرض تكنولوجيا التّعليم واقعًا افتراضيًا غير مألوف، ودخول الطّلبة عالم التّعليم الرّقمي، ، وقد اتفقت هذه الأصوات على أنّ البناء المدرسي الحالي غير قادر على الوفاء بمتطلبات المرحلة، حيث يُعتبر وجود هذا البناء الذي تطاول عليه العهد ضربًا من الماضي.

لقد ظهر أوّل نموذج للبناء المدرسي المعاصر على يد الأمريكي ( هوراس مان) (Horace Mann)  سنة( 1873م ) صاحب فكرة ( المدرسة) ، والذي يُطلق عليه المؤرخون التربويون: مؤسس حركة المدرسة المشتركة( المنهاج الدراسي المتنوّع)، وقام بتطوير نظام دراسي حقيقي لأوّل مرة، ومنذ ذلك الحين تم اعتماد بناء مدرسي – ياباني ، بريطانيلتنفيذ تلك الفكرة الرائدة ، وبقي ذلك البناء حتى وقتنا الحاضر شاهدًا على تلك الحقبة الزمنيّة ولم يطرأ عليه أيّ تغّير يُذكر .

وبدأت الحكومات في باقي الدّول تعتمد منذ ما يزيد عن(140) سنة تقريبا نظامي بناء محددين لا ثالث لهما :

1-نموذج المدرسة اليابانية، وهو على شكل مستطيل ثلاثي الأبعاد وتكون الغرف الصفيّة فيه متقابلة، كبناء مدارس وكالة الغوث الدّولية.

2-نموذج المدرسة ( البريطاني الأمريكي)، وهو على شكل حرف (U) بالإنجليزية أو حدوة الفرس بالعربية، لا تتقابل فيه الغرف الصفيّة.

وفي كلا النموذجين أصبح من الصعوبة تنفيذ خطوات التعليم القائم على التكنولوجيا داخل الغرف الصفيّة الحالية، وضاقت جدرانها بالكم الهائل من المدخلات الجديدة، إنّ فضاء المعرفة اتسع وتفرّع وانطلق بعيدًا خارج تلك الأسوار، وأصبحت رؤية التربويين ترنو إلى ابتكار تصميم مرن للبناء المدرسي يتلاءم مع ظروف ومتطلبات المرحلة ، وأصبحوا على قناعة تامّة: أنّ أي تغيير يهدف إلى الارتقاء بالعملية التعليمية وتطويرها إذ لم يأخذ بالحسبان تظوير البناء المدرسي سيكون غير ذي بال ولن يُكتب له النجاح، فالبناء الحالي قد أكل عليه الدهر وشرب ولم يطرأ عليه أي تغيير منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، فرتابته تدعو إلى الملل والجمود، علمًا بأنّ هناك الكثير من التغيرات تخللت العملية التعليمية وحاولت احتواء كلّ جديد فيما يخص الطّالب، والمعلّم، والمدير، والمناهج ، وأساليب التّعليموبقي البناء المدرسي على حاله.

إنّ مدرسة المستقبل التي ننشدها تُمثّل ( المدرسة الفاضلة) على غرار تصورات أفلاطون للمدينة الفاضلة في كتابه (الجمهورية ) مدرسة جاذبة للطلبة والمعلمين والإداريين، وتلبي رغبات أولياء الأمور، ويرى فيها المجتمع تحقيقا لآماله وطموحاته، فالمبنى المدرسي بخصوصيته التعليمية يعتبر أوّل مبنى حكومي يتعامل معه الطّلبة ضمن قانون الملكية العامة، فتنمو في نفوسهم قيم المحافظة على الأموال العامة، والانتماء للوطن، وتشرّب المواطنة الصالحة التي هي الهدف الأسمى للتربية والتعليم.

لقد اهتمت كلّ الدراسات التي عنيت بالعملية التعليمية بتحسين مخرجات الوضع التعليمي القائم – على علّاتهو بقيت كلّ الجهود حبيسة أسوار البناء المدرسي التقليدي – لعدم قدرته على استيعاب تلك التحسينات وكانت بمجملها تعالج جزئيات لم تستطع تغيير الواقع بالرغم من الميزانيات المرتفعة التي تم صرفها والبرامج التي تم تطبيقها؛ لأنّها في حقيقة الأمر لم تجرؤ على تصور آخر للبناء المدرسي يتابع كلّ تطور ويحتويه، وعايشنا وما زلنا نعايش تلك المقاربات التي صدرت على شكل مصطلحات للتخلص من الواقع المأزوم للعملية التعليمية فكانت هذه المفاهيم والمصطلحات تارة تتمحور حول الإدارة المدرسية: أعطني مديرًا مميزًا أعطك مدرسة مميزة، وأخرى تتمحوّر حول المعلّم: الّمعلم محور العملية التعليميّة، وتدريبه وتأهيله، وأخرى حول الطالب: الطالب محور العملية التعليميّةالخ ، ومنها من لخّص تلك الشعارات ب: المدرسة الشاملة، ومدرسة الجميع، ومدرسة المستقبل، وبعضها ركّز جلّ اهتمامه على أساليب التّعليم: التّعليم التعاوني، التّعليم المتمايز، والتعلم بالاكتشاف، والتّعلم بالنمذجة، والتّعلم للمستقل، تعلّم الأقران…الخ وفي كلّ يوم يزداد عدد الغاضبين على وضع العمليّة التعليميّة، فالنتائج لا تكافئ ما بذل من جهد، والكلّ يتبادل التّهم، ويُلقي باللائمة على الآخر.

ومن وجهة نظرنا المتواضعة : إذا أردنا تطوير العمليّة التعليميّة لا بدّ من التّخلي عن نموذج البناء المدرسي الحالي واستبداله بنظام جديد مبتكر يسهم مساهمة فعّالة في احتواء كلّ جديد ويمثّل حجر الزاوية لهذه الانطلاقة، والعمل على تغيير اتجاهات المجتمع والقبول بالنموذج الجديد وتجاوز الذاكرة الجمعية وما تحتويه من أحداث لها ارتباطات بهذا البناء، فلا ينكر عاقل دور واسهامات البناء المدرسي في العملية التعليمية، وكلما توفّر في ذلك المبنى وسائل الترفيه كلّما تعلّق الطلبة بمدرستهم وازدادت دافعيتهم، لقد ورد في إحدى الدراسات التي اهتمت باتجاهات الطّلبة نحو المدرسة( عبيدات، فاتن،2021م) طبّقت هذه الدراسة على عينة من طالبات المدارس الحكومية في الأردن من مراحل دراسية مختلفة( أساسية، وثانوية) فقد كانت نتيجة الدراسة: أنّ اتجاهات الطالبات نحو المدرسة سلبية ويعتبرنها بيئة غير محفزة للتّعلم، واللافت للنظر في هذه الدراسة: أنّ العينة كانت من الطالبات المجتهدات والملتزمات بقواعد السلوك والمواظبة على الحضور. وهناك دراسات ومقاييس أخرى تهتم بقلق الطالب داخل المدرسة، ومقاييس بعنوان رفض الذهاب إلى المدرسةوغيرها من الدراسات.

إن النموذج الحديث المقترح للبناء المدرسي يتكوّن من بناء مدرسي ثماني الأضلاع يحتوي على ثمان قاعات تتسع كلّ قاعة ل( 75) طالبًا بوجود معلّم ومساعده، بحيث تكون هذه القاعات موزّعة على مواد المنهاج المدرسي، و تكون كلّ قاعة عبارة عن مختبر متكامل من الوسائل التعليميّة المتعلّقة بكلّ مادة، ويتوفر فيها مظاهر تكنولوجيا التعليم من: جهاز عرض وسماعات مناسبة، وألواح ذكية…ومسرح مصغّر، يدور الطلبة عليها كلّ حسب الحصة المقررة له، وبهذه الحال يكون الطّابق الواحد من البناء المدرسي قد استوعب ( 625 ) طالبًا، وتكون قاعة التربية الرياضية والتربية الفنية خارج ذلك البناء ضمن أسوار المدرسة، وكذلك مبنى الإدارة، والمقصف المدرسي، ويصطف الطلبة في الطابور الصباحي حول سارية العلم ( المتحركة) وترديد النشيد الوطني برمزيته الوطنيّة ، وتُنفذ فقرات الإذاعة الصباحية على أتمّ وجه، وهذا البناء يناسب الصفوف من الرابع الأساسي حتى الصف الثاني عش ( التوجيهي).

إنّ تغيير النمط الحالي يؤدي إلى تغيير النظرة التقليدية للمدرسة إلى الأفضل، ويسهم في رفع الدافعية لدى الطّلبة، ويزيد ثقة المجتمع بالتغيّير الجذري الذي سيطرأ على البناء.

مسوغات وجود تصميم حديث للبناء المدرسي:

1-الخروج عن المألوف وتجديد الخطاب التربوي.

2- الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا وتقنينها داخل مختبرات المنهاج، واستيعاب هذا التطور باستخدام الوسائل السمعية والبصرية والحركية واللمسية داخل القاعات المخصصة لكل مادة دراسية على حدة.

3-تهيئة الطلبة للحياة الجامعية اللاحقة.

4-سهولة السيطرة على سلوك الطّلبة داخل المدرسة.

5-استيعاب النموذج الجديد لكافة أنواع الترفيه مما يسهم في زيادة الدافعية للطلبة إلى التعلّم.

6-تقنين استخدام تكنولوجيا التعليم على قاعات دراسية محدودة مما يسهّل عملية الصيانة وتوفير الوقت والجهد والمال.

*لنكن في الأردن السباقين لتنفيذ هذا المشروع – مجرّد اقتراح ونترك بصمة مميزة في مسيرة التّعليم.

إقرأ المزيد لمقالات التربويون العرب

You May Also Like