الاحترام: الحلقة المفقودة د.بلال الجيوسي

الاحترام الحلقة المفقودة د.بلال الجيوسي

الاحترام: الحلقة المفقودة

د.بلال الجيوسي

قرأت كتاب د. المساد الجديد المعنون: الاحترام قيمة أساسية لفعالية التطوير التربوي، وشدني أن الاحترامُ –في جوهَرِهقيمةٌ أخلاقيةٌ مُطلقةٌ تُشتقُّ مُباشرةً من إنسانيَّةِ الإنسانِ بغضِّ النَّظرِ عن أيِّ شروطٍ، أو عواقبّ. إذ ليس لهذه القيمة علاقةٌ بالثروةِ، أو الجاه، أو المَنصب، أو الذَّكاءِ أو الجمال، أو أيِّ صفةٍ أخرى، وإنما يتوزَّعُ الاحترامُ بين الناسِ كسائلٍ في أوانٍ مُستطرقةٍ، وكلُّ اضطِرابٍ في هذا السائلِ يعود إلى عبثٍ بشريٍّ بهذه الأواني، وهو اضطرابٌ لا يخلُّ بالمبدأ الرَّئيس

ليست قيمةُ الاحترامِ قيمةً أخلاقيةً مُطلقةً ذاتَ أساسٍ فلسفيٍّ فحسب، فها هو الأخُ الصّديقُ الدكتور محمود المسّاد في كتابه: (الاحترامُ، قيمةٌ أساسيةٌ لفعاليّة التطوير التّربوي) يُحلل المتضمّناتِ التّربوية لهذه القيمة، ويذهب بها إلى ما هو أبعد من مجرّد التهذيب وحسن التعامل، إلى آفاقٍ أوسع وأعمق، فالاحترام عنده هو واسطة عقد التطوير التربوي، بل إنه هو “الحلقةُ المفقودةُ” في أي تطويرٍ تربويّ ممكنٍ. إنه كتابٌ في التربية الأخلاقية والتطوير التربويّ، يقومُ المؤلفُ فيه بعقد الأواصر بين هذين المجالين بتؤُدةٍ وأناةٍ في جهدٍ صبورٍ مثمر. والكتاب –بهذا المعنىليس مجرد كتابٍ نظريّ في الفلسفة الأخلاقية، ولا هو كتابٌ في التطوير التربويّ، وإنما هو مزيجٌ من نظرٍ حصّله المؤلفُ بوصفه أكاديمياً وباحثاً وتربوياً وعملٍ اكتسبه من خبرةٍ تربويةٍ انخرَطَ فيها من أصغر الوحدات معلّماً في الصّف المدرسّي إلى أعلى المستويات الاستراتيجية، إذ إنه يعمل الآن مديراً للمركز الوطني لتطوير المناهج في المملكةِ الأردنيةِ الهاشميةِ

يصوغُ الدكتورُ المسّاد سؤاله الرئيس: كيف يمكنُ بناءُ البيئةِ التحتيةِ، أو الحاضنةِ اللازمةِ لتفتّح وإغناء قيمةُ الاحترامِ؟ ذلك أن الاحترام لا ينمو في أرض جرداء، وإنما يتطلبُ –كما يذهبُ المؤلفبيئة تعلّم جامعةً شاملةً تربويةً واجتماعيةً ونفسية، تتضافر كلّها كي تنمو في ثناياها هذه “الحالةُ الذهنيةُ الانفعاليةُ التي يتشرّبُها الفردُ [ومصطلحُ التشرُّبِ مهمّ للغايةِ عند المؤلِّف] عبر فترةٍ زمنيةٍ بشكلٍ متراكم، فتتحولُ لديه إلى قناعاتٍ راسخةٍ ضمن أطره التفكيريةِ المتمثلِ بها، والمستبطنِ لها والمتبني لها؛ لتوجه سلوكَه وتحدِّد قوالبَ تَمظهُرِه”

لا يدّخرُ المؤلفُ مَجالاً من مجالات التطوير التربويّ إلا ويسعى لربطه بالاحترام، وتبيان أهميةِ الاحترام فيه، سواء أكان هذا المجالُ مكوناً من مكوِّنات العملِ التربويّ، أو مَعبراً لبناءِ الاحترام أو آليةً لبنائِه وتحقيقِه. وإنك لتجدُ في الكتابِ عُصارةَ خِبراتِ كثيفة، ودراساتٍ وأبحاثٍ سابقةٍ جديرةٍ بالقراءةِ والتمعُّنِ والإفادة. ولم يترك المؤلفُ باباً لشواهدهِ إلا وطرقه: كتباً وأبحاثاً ومقالاتٍ وصُحُفٍ، ومواقعً إلكترونيةٍ وغير ذلك، مما أغنى الكتاب بتنوّعٍ وواقعيةٍ تدعمُ مِصداقيته

يمكنُ قراءةُ هذا الكتاب بصفته وحدة تنتظم جوانبُها حولَ قيمةِ الاحترام، كما يُمكن قراءتهُ أجزاء منفصلةً. فكلُّ بابٍ من أبوابهِ يصلحُ أن يكون بحثاً بحد ذاتِه، ودراسةً متقوّمة وحدها

وأخيراً فإني أنصحُ بتوفير هذا الكتابِ في كل مدرسةٍ أردنيةٍ وعربيةٍ، وتحويله إلى وُرش عمل يُعدُّها المشرفون والمديرون والمعلمون، بل ويشاركُ فيها الطلبةُ، وأولياءُ الأمور

وكذلك بثّ موضوعاتهِ في المناهجِ الدراسية، فلا يبقى الكتابُ حبيسَ صفحاته، أو بعضَ قُرّاءٍ له، بل تعُّم فائدته وتنتشر فيتفتّح الاحترامُ وروداً تزهو بها التربيةُ في كل جانبٍ من جوانبها

انضم إلينا على صفحة فيسبوك

jo11

You May Also Like