أثر الأمن الوظيفي على العملية التعليمية

أثر الأمن الوظيفي على العملية التعليمية

أثر الأمن الوظيفي على العملية التعليمية

إعداد: د. يحيى أحمد القبالي

يلعب الأمن الوظيفي أو الأمان الوظيفي Job Securityوهما مترادفان لمصطلح واحد دورًا محوريًا في تطوير المؤسسات بشكل عام والمؤسسات التربوية بشكل خاص سواء الحكومية منها أو الخاصة، ويُلقي بظلاله على مخرجات تلك المؤسسات التي تسعى إلى توفير ذلك الأمن لموظفيها حرصًا منها على زيادة الانتاج وجودته والرضا الوظيفي للموظف.

فماذا يعني الأمن الوظيفي؟

تعريف الأمن الوظيفي: هو توقعات الموظف بأنّه جزء لا يتجزأ من مؤسسته وبأنه لن يفقد وظيفته ولن يُستغنى عن خدماته دون سابق إنذار.

لقد أثبتت الكثير من الدراسات بأنّ الأمن الوظيفي يُؤدي دوراً هاماً في الحياة الاجتماعية والمهنية للأفراد؛ فهو عامل أساسي في القضاء على القلق والتوتر بشأن المستقبل الوظيفي، ويسهم في الحفاظ على الاستقرار الأسري والنفسي للموظّف ، مما يسهم في الاستقرار وزيادة الإنتاجية وحماية القيم الاجتماعية في بيئة العمل وخارجها.

كيف ينشأ الأمن الوظيفي؟ :

لقد ذكرت كلّ الدراسات دون استثناء على أنّ الأمن الوظيفي سمة من سمات الإدارة الناجحة، وينشأ نتيجة لممارسات مسؤولي المؤسسة وسياساتها تجاه الموظفين من خلال توفير كآفة سبل الراحة لهم على الصعيدين المعنوي والمادي، وهو أمر منوط بالإدارة وحدها، تلك الإدارة التي تعلم حقًا أنّ هؤلاء الموظفين الذين لا يخشون فقد وظائفهم ومن المحتمل أن تحصل منهم على أفضل عمل عندما يشعرون بالأمان، ولكنّ هذه الدراسات تجاهلت ذلك الدّور الذي يقوم به الموظف من تفانٍ وجهدٍ مضاعف على حساب صحته وحقوق أسرته ووقته وجهدة ، فهو المبادر دائمًا ويثبت ذلك في كلّ فرصة تتاح له لبذل جهدٍ مضاعفٍ، فهو يحصل على أمانه الوظيفي بحرصه على ما ينفع المؤسسة التي يعمل فيها، كما يؤدي الموقف الإيجابي وأخلاقيات العمل الراسخة لديه والالتزام تجاه المؤسسة والعملاء إلى تحسين أمنه الوظيفي وبحثه الدؤوب إلى تطوير الذات، وفي هذه الحال حق للمؤسسة أن تُشعر ذلك الموظف بتمسكها به وعدم التفريط بخبراته ومراعاة احتياجاته فهو جدير بالتقدير والمكافأة ليس معنويا فقط وإنما عينيا، وعلى الإدارة أن تُبقى أبوابها مفتوحة دومًا على مصراعيها لمثل هذا الموظف دعمًا له ولتعزيز سمعة المؤسسة كصاحب عمل جيد.

وفي المقابل نجد نوعًا آخر من أنواع الأمن الوظيفي ، وهو ذلك الأمن الوظيفي المقنّع ، الذي يستظل بظل الواسطة والمحسوبية والتزلف للمسؤولين، فهي البيئة الحيوية لظهوره وبقائه في وظيفته فهو يرتبط بها ارتباطا عضويا رغم ضعف خبرته، وقلة مهاراته، ووجود من يستحق هذه الوظيفة بدلا منه، ويزول أمانه الوظيفي بزوال تلك المظلة الفاسدة التي تحميه وتتبادل معه المنفعة.

وما ينطبق على المؤسسات كآفة ينطبق على المجال التربوي، فالمعلم يستمد أمانه الوظيفي من مدير المدرسة، وكذلك مدير المدرسة يستمد أمانه الوظيفي من مدير التربية، ومدير التربية يستمد أمانه الوظيفي من وزير التربية والتعليم، وهنا تجدر الإشارة إلى أن وزير التربية والتعليم نفسه لا يشعر بذلك الأمان الوظيفي، إذن ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن خلال هذه المتوالية الرياضية يظهر لنا هشاشة النظام التربوي، من رأس الهرم حتى أساساته، ونتكلم هنا عن المؤسسات التربوية الحكومية ، أمّا المؤسسات التربويّة الخاصة المتمثلة بالمدارس والجامعات فحدّث ولا حرج. فالنخر وصل إلى العظم.

كيف نبني أمنا وظيفيا في مؤسساتنا التعليمية؟

ليس سرًا أن يكون قائد الجيش من العسكر، ووزير الصحة طبيبًا، وقائد سلاح الجو طيارًا، ووزير الزراعة مهندسًا زراعيًا، وليس سرًا أن يكون رئيس جمعية الفنانين فنانا ، وقادة المنتخبات الرياضية رياضيون، وصاحب شركة الحدادة حدادًا…الخ

لذا فمن الواجب أن يكون وزير التربية من القطاع التعليمي، فأهل مكة أدرى بشعابها، وبما أن الشعب يختار نائبه، فمن الضرورة بمكان أن يختار المجال التربوي وزيره ، ليحقق بذلك أهم مبادئ الديمقراطية فيتم التصويت من خلال عرس انتخابي من شرق الأردن إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه ، نؤصل النهج الديمقراطي ونُشعر المعلّم بأهميته، وتكون لذلك الوزير مدة قانونية محددة بسنتين مثلاً – وأن تكون الثلاثة أشهر الأولى فترة تجريبية وجس نبض للشارع التربوي، وانتقال سلس للسلطة مع عدم التفريط بخبرات الوزير السابق ليبقى مستشارًا في وزارته، وبهذا سيكون الأمن الوظيفي في أجمل صوره، وسينتقل أثره إلى العاملين في المجال التربوي قاطبة، وسيسهم هذا الوضع في تطوير العملية التعليمية وجودتها، وينعكس على العاملين في المجال التربوي الحكومي والخاص وبهذا يتعرّف العاملون في القطاع التربوي أنسب الطرق التي تضمن لهم أمنهم الوظيفي ، ويتخلى بعضهم عن شعارهم القائل : من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن.

كيف تحافظ المؤسسة على الأمن الوظيفي لموظفيها؟

تسعى بعض المؤسسات على تطبيق مبدأ الترغيب والترهيب وبناء بيئة عمل غير آمنة بالإيحاء لموظفيها بأنّ الاستغناء عن خدماتهم وارد في كلّ لحظة، ظنًا منها بأنّ هذا الأسلوب يُبقي الموظف يقظًا متحفزًا ويبذل أقصى ما يملك من قدرات ليتجنب الاستغناء عنه.

وبهذا الأسلوب ألبست بعض المؤسسات بأساليبها التعسفية الأمن الوظيفي لباس النقاء والعفاف وبرّرت لنفسها استخدام ذلك الأسلوب الذي ابتدعه (جاك ويلش) المدير السابق لشركة (جنرال الكتريك)، والذي ينص على : فصل( 10% ) من الموظفين ضعيفي الأداء، وعُرف هذا النظام ب ( صنّف واطرد) ، وقد قامت مؤسسات أخرى باتباع نظام آخر يطلق عليه ( صعود أو خروج) وهو نظام يستغني عن الموظفين الذين لا يحصلون على ترقيات أو يكون مؤشر أدائهم ضعيفّا في تقاريرهم السنويّة، وهذا بحد ذاته –من وجهة نظرنا الخاصةيشكّل نقطة ضعف لهذه المؤسسات تعود عليها بمردود عكسي على الانتاج، فنجد الموظف يتحين الفرصة لاقتناص وظيفه تؤمن له ذلك الشعور بالأمن والاستقرار.

إنّ مجال التربية والتعليم هو من المجالات الحكومية المستقرة وظيفيا نوعًا ما –إلا من أبىوقد يمضي المعلّم فترة ال ( 30) عامًا من عمره معلمًا، وهذا بحد ذاته ليس بالأمر الصحي ، وإن كان بظاهره يوحي بغير ذلك فشعور المعلّم بالأمن الوظيفي التام يوّلد لديه اتكالية ونمط تعليمي مستهلك، ويحد من إنتاجيته، لذا وجب إعادة النظر في القوانين السارية وتجويدها بما يخدم العملية التعليمية ليس بأسلوب العقاب والثواب فقط بل بالمشاركة في صنع القرار من خلال وجود مبادرات هادفة كمبادرة المعلم المثالي والمدير المثالي والمدرسة النموذجية، وتسهيل معايير تلك المبادرات لتتسع لأكبر قدر من المعلمين، ولتكن القاعدة التي تنطلق منها: ليس هناك معلم فاشل، بل هناك مهمة فاشلة يجب تصويبها، فغياب الأمن الوظيفي يعني: غياب للإنتاج وإضعاف للجودة.

إقرأ المزيد لمقالات التربويون العرب

You May Also Like