الأسئلة مفتوحة النهايات وتعلم مهارات التفكير
بقلم الدكتورة وفاء الدجاني
مقدمة
التفكير نشاط طبيعي لا يستغني عنه الإنسان في حياته اليومية، وعندما نتحدث عن تعليم المستقبل، فإن الحد الأدنى الذي يمكن قبوله هو تهيئة المتعلم للتكيف مع التغيرات المتسارعة في كل مناحي الحياة العامة؛ إذ من الضروري أن يكون الاستعداد لمواجهة هذه التغيرات مبنياً على أسس علمية ومنهجية تستثمر قدرات المتعلم وطاقاته الفكرية. ووفقاً لعلماء النفس فإن غالبية الناس يستخدمون 10 % فقط من قدراتهم العقلية بمعنى أن 90 % من قدراتنا العقلية غير مستخدمة، وإذا كانت كل تلك الإنجازات الحضارية والاختراعات في مجالات الحياة المختلفة ناتجة عن توظيف 10 % فقط من إمكانات البشر العقلية، فكيف سيكون الحال لو أننا وظفنا 20 %منها مثلاً؟ هذه الحقيقة تقودنا لتساؤل آخر حول حاجة الإنسان ليتعلم كيفية التفكير وطرقه والتدريب على مهاراته، فهل يحتاج الإنسان فعلاً لتعلُّم التفكير كما يحتاج إلى أن يتعلم كيف يتكلم وكيف يُعامل الناس؟ وهل يمكن القول بأن تعرض الإنسان إلى سيل من المواد الإعلامية التي تنقلها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة على اختلاف أنواعها يوميّا تسبب بحدوث لبس على الكثيرين في التمييز بين الحقيقة والرأي كون الأفراد تتناقل الكثير من الأخبار والحوادث في مجالات الحياة المختلفة وتتداولها على أنها حقائق مؤكدة، وعندما تثار تساؤلات أو شكوك حول صحتها لا تجد في ردودهم ما هو مقنع للسامع فيكون في أغلب الأحيان الرد “هذا مكتوب في الجرائد” أو “هذا الخبر أذاعته محطة كذا “. وبالطبع كما يُلاحظ هذا الأمر في الحياة اليومية وبين الأفراد البالغين يظهر جليّا بين الطلبة على اختلاف المراحل الدراسية؛ فهم يقرأون المواد المقررة ويتعاملون معها وكأنها حقائق مُسلم بها دون نقاش وفي أغلب الأحيان عند سؤالهم أو مناقشتهم حول أمر ما يأتي الرد منهم ب“هذا ما قاله الأستاذ
ولأن الطفل يتعلم طرق التفكير من أسرته قبل أن يدخل المدرسة بحكم أنه يتعلم بالقدوة والمحاكاة في هذه المرحلة، كان لا بد على التربويين والعاملين في قطاع التعليم من إيجاد الظروف التي تعمل على تطوير مهارات التفكير لدى الأطفال منذ سنوات دراستهم الأولى إلى أن تصل إلى حد الإتقان والاستخدام الفعال للمعلومات. فالتعلُّم الفعال لمهارات التفكير حاجة تفرضها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي غزت شتى مناحي حياة الإنسان؛ إذ إن النجاح في مواجهة التحديات العديدة التي فرضتها يعتمد على كيفية استخدام المعرفة وتطبيقها والتكيف معها، الأمر الذي يستدعي تعلُّم مهارات جديدة، واستخدام المعرفة في مواقف واقعية ليتعلم الفرد كيفية التفكير وطرقه ويتدرب على مهاراته خاصةً في وقتنا الحالي وذلك ليمتلك الأدوات الضرورية التي تساعد على التعامل والعيش في عالم سريع ومتغير، ولكن قبل الحديث عن ذلك لا بد أولاً من التعرف على مفهوم التفكير ومكوناته لبيان أفضل الوسائل المستخدمة كطرق للتدريب والكشف عن قدرات التفكير الحقيقية لدى الإنسان
تعريف التفكير
التفكير في أبسط تعريف له هو سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمسة : اللمس والبصر والسمع والشم والذوق. والتفكير بمعناه الواسع عملية بحث عن معنى في الموقف أو الخبرة. وقد يكون هذا المعنى ظاهراً حيناً وغامضاً حيناً آخر، ويتطلب التوصل إليه تأملاً وإمعان نظر في مكونات الموقف أو الخبرة التي يمر بها الفرد. والتفكير كمفهوم يتألف من خمسة مكونات كالآتي
مكونات التفكير
العمليات المعرفية الأقل تعقيداً ( كالاستيعاب والتطبيق والاستدلال) –
العمليات المعرفية المعقدة (مثل حل المشكلات) –
عمليات التوجيه والتحكم فوق المعرفية –
معرفة خاصة بمحتوى المادة أو الموضوع –
الاستعدادات والعوامل الشخصية، مثل: (الاتجاهات، الموضوعية، الميول) –
ومع تزايد الاهتمام بمنهجية الحل الإبداعي للمشكلات في المجالات التربوية عموماً وفي برامج تعليم الموهوبين أو المتفوقين على وجه الخصوص، تناول العديد من الباحثين في مجال التفكير موضوع الحل الإبداعي للمشكلات؛ وهنا تبرز أهمية عملية التقييم في مختلف المراحل كونها تلعب دوراً مهماً في الكشف عن قدرات الفرد الإبداعية التي تتطلب تقليص البدائل من أجل الوصول إلى فكرة أصيلة أو حل جديد. غير أن مفهوم حل المشكلات أكثر اتساعاً وشمولاً من التفكير الإبداعي مع أن كلاً منهما يُسهم في الوصول إلى نهاية ناجحة فليس من الممكن الوصول إلى حلول للمشكلات دون خطوات أو نشاطات تفكيرية إبداعية بشكل أو بآخر
والحقيقة أن المتعلمين بشكل عام بحاجة إلى تدريب وممارسة حتى يكتسبوا المهارة اللازمة التي تمكنهم من التعرف على الأقوال أو التعبيرات التي تعد حقائق ثابتة، وتعبر عن وجهات نظرهم أو آرائهم. وحتى يكون التدريب فعالاً، لا بد من استخدام طرق عديدة تكشف عن قدرات المتعلمين الحقيقية. والتقييم الموثوق يُعتبر أحد الطرق التي يُركن إليها وتكشف عن القدرات لدى أي من الطلبة، ويوظفها في معالجة المواقف بمهارات عالية، و التقييم المتمركز حول الطالب/ الطالبة الذي يأخذ بصياغته شكل الأسئلة ذات النهايات المفتوحة – أي التقييم الموثوق – يتيح للطالب/ الطالبة الفرصة لتوظيف المهارات التفكيرية العليا المركبة من خلال نماذج متنوعة للمهام الكتابية التي تتطلب الكتابة المنبثقة من فكره ومعاناته وبحثه واستخلاصاته، بمعنى الكتابة التي يمزج بها المعرفة المنتجة مع شخصيته وقناعاته وقيمه
الأسئلة ذات النهايات المفتوحة –
تُعد الأسئلة ذات النهايات المفتوحة المدخل الحقيقي الذي يحفز الطالب/ الطالبة ويهيئه لأن يكتب و يحدد بوعي اتجاهاته؛ فعندما يتعرض لسؤال من هذا النوع يتأهب للعمل بيقظة فورية وكأنه يقوم بنشاط قبلي للكتابة بشكل يلخص جولة فكرية سريعة متعمقة في موضوع السؤال وحوله ويخلص من ذلك برسم أو توضيح مختصر يُمثل مجموعة من الأفكار العامة على هيئة مخطط أو اقتباسات أو حتى استحضار بصري “شكل” يحدد من خلاله اتجاهات الكتابة التي تحفظ له تركيزه و تحدد نمط كتابته
تعريف الأسئلة ذات النهايات المفتوحة
هي أسئلة تتطلب إجابة كاملة يستخدم فيها المستهدف مشاعره ومعرفته الخاصة، بحيث تتيح الفرصة له للتعبير عن نفسه وأفكاره بما يُمَكن المعلم/ المعلمة من الكشف عن قدراته المعرفية والمهارية المختلفة والكشف أيضاً عن قدراته في التركيب، وربط العلاقات، واستنتاج الآثار وصياغة الاستخلاصات مثل: التعميمات والمبادئ، إذ أن الإجابة في الغالب تتطلب التخيل والتأمل والبحث في المصادر وإثارة التساؤلات العميقة والتفكير السابر من جهة وتحكيم المنطق والقدرة على الكتابة المركزة الملتزمة بالتوجهات المحددة بالسؤال من جهة أخرى
فوائد الأسئلة ذات النهايات المفتوحة
اولا – بدء المحادثات مع الأشخاص الهادئين أو من تتعرف عليهم لأول مرة مما يساعد على الشعور بالارتياح والشجاعة للحديث باسترسال
ثانيا – التعرف بشكل أكثر على الشخص الآخر؛ فمن مميزات الأسئلة ذات النهايات المفتوحة أنها تشجع الأفراد على الحديث عن أنفسهم بشكل يُسهم في اكتشاف الكثير من الأشياء عن من تتحدث معه
ثالثا – إظهار الاهتمام والتقدير للطرف الآخر؛ فعند السؤال بصيغة “كيف تشعر؟” أو “لماذا تبكي؟” فأنت تدعو الطرف الآخر إلى مشاركة مشاعره معك. بينما السؤال بـ “هل أنت بخير؟” يتطلب منه فقط مجرد الإجابة بـ “نعم” أو “لا“ وبالتالي، فإن الأسئلة ذات النهايات المفتوحة تتطلب أجوبة شخصية وعاطفية أكثر
رابعا – استخدم الأسئلة ذات النهايات المفتوحة لتجنب الضغط أو التأثير على إجابة الطرف الآخر إذ أن غالبية هذا النوع من الأسئلة تكون محايدة، فعلى سبيل المثال قد يكون السؤال: “ما رأيك في هذا الكتاب؟“- مع تجنب إضافة صيغة سؤال مذيل وإضافة جملة مثل:”أليس كذلك؟” لأنها قد تُسبب تحول السؤال إلى سؤال موجه– بشكل يقترح على من تطرح عليه السؤال أن يوافقك الرأي. لذلك تجنب استخدام الأسئلة المذيلة؛ لأنها تفسد تأثير الأسئلة ذات النهايات المفتوحة
ومع أن الأسئلة المفتوحة تتيح المجال لتوظيف مهارات التفكير العليا من خلال أنواع مختلفة من الكتابة، إلا أنها هي المجال الأرحب لتعبير الطلبة عن أفكارهم الخاصة. وهنا يقف الطالب والمعلم أمام الحقيقة، فالمعلم يعرف بدقة درجة تَمكُّن الطالب/ الطالبة من المهارات المختلفة، ومدى تنوع هذه المهارات لديه، وهل سيقف الطالب عند مستوى التفكير البسيط الاستهلاكي، أم يتجاوزه إلى مستويات التفكير المعقدة المنتجة ، وهل هو قادر على مواجهة المواقف والمشكلات بمهارات عالية وما الذي يحتاجه لتقويتها؛ فالأسئلة ذات النهايات المفتوحة التي تحتاج إلى شكل من أشكال الكتابة من مثل : التقرير ، والمقالة ، والقصة ، وتلخيص القصة مع إبداء الرأي عليها ، وتأليف القصة أو المشهد أو الخاطرة ، وعقد المقارنات وتوضيح أوجه الشبه والاختلاف، ومناقشة مشكلة ما والخروج بحلول وتوصيات عملية عليها ، ….. إلخ؛ تُعلّم الطلبة بطريقة محفزة ومثيرة للاهتمام وتُتيح لهم المجال للتمكن من مهارات تفكيرية متعددة أبرزها إدراك المفاهيم، والقدرة على التحليل، والتركيب، والتقويم، وحل المشكلات، والتخيل والتأمل، والإبداع . فضلاً عن أن الكتابة بحد ذاتها تعدّ وعاءً مستقطباً لتفكير الطالب وكاشفاً لِما تَمَخض عنه هذا التفكير، وشاهداً على نقاط قوته ونقاط ضعفه
وقد كشفت المقابلات العديدة مع الطلبة عن ميلهم وتفضيلهم لهذا النوع من الأسئلة فكانت استجاباتهم مفاجئة؛ فلقد عبروا عن الموضوع بأمانة وموضوعية وأحبوا هذا النوع من الأسئلة لأنه يدفع بهم للاندماج بالمواقف والمشكلات والتفكير بها وفهمها، والإحساس بالرضا لإسهامهم ببلورتها وتطويرها ووضع الحلول لها، فقد قال أحدهم: “إنني أفضلها لأنها تعبر عني وعن مشاعري أكثر مما تعبر عن الحقائق، فهي لم تعد إجابة كما يريدها المعلم، إنها تجعلني أفكر بعمق حول ما أعرف
خطوات صياغة الأسئلة ذات النهايات المفتوحة
حتى تنجح في صياغة الأسئلة ذات النهايات المفتوحة عليك أن تتبع الخطوات الخمس التالية وتتدرب على إعداد نماذج من الأسئلة كما في الأمثلة المرفقة
الخطوة الأولى: استعرض المحتوى المطلوب (حدد المفاهيم والعناوين الأنسب للأسئلة المفتوحة، اكتب قائمة من ثلاث أو أربع أفكار، اختر أماكن توظيف الأسئلة المفتوحة خلال الوحدة ونوع الأسئلة المناسبة لها مثل : (اختبار قبلي ، اختبار بعدي ، تقرير ، بحث)
الخطوة الثانية : ركّز على مهارات التفكير الناقد التي ترغب في تقييمها من مثل: التركيب و التحليل والمقارنة والتقويم والتخيل وحل المشكلة
الخطوة الثالثة: اختر الجزء الأول من المتطلب القبلي للكتابة (وصف الموقف، وما يحفزهم على الكتابة )
مثال: إذا تم تعيينك في لجنة مهمتها التخفيف من تلوث الضجيج في وسط العاصمة عمان، ما تصورك الذي تقدمه للجنة حول المفهوم والأسباب ومقترحات الحل، مع التفكير بجدّية الحلول من جهة، وأن تكون الحلول قليلة الكلفة من جهة أخرى.
الخطوة الرابعة: اكتب اتجاهات الكتابة، كن محدداً حول الموضوع من حيث المفاهيم والمحتوى و الأبعاد
مثال : أكتب خطة لتطوير زراعة الكرمة في المنطقة الجبلية في الأردن ( جبال عجلون ) ، مع أخذ متطلبات السوق بالأهمية
الخطوة الخامسة: طوّر قواعد مبسطة تركز على العمليات بحيث تعكس الفهم والمعرفة للموضوع وعمليات التفكير الناقد ومهارات الاتصال
مثال: وضوح المفاهيم، تعريف الصعب منها في الهامش، اعتماد المقارنات وتقديم الأدلة القوية واتخاذ القرارات، واللغة السليمة مع الأمثلة
أهمية الأسئلة متعددة الأنواع والأشكال في السياق التربوي
تجدر الإشارة هنا إلى أهمية الأسئلة متعددة الأنواع والأشكال في السياق التربوي والتي لا تنحصر فقط بتعليم التفكير والحث عليه وتقييمه خاصةً عندما تأخذ شكل النهايات المفتوحة فهي بهذا الصدد تُشكل إستراتيجية لتشكيل النقاش تبدأه بشكل مثير وقوي وتوضح حدوده وترابطاته مع تقديم المعلومات الجديدة بطريقة مركزة وجاذبة؛ ومن جانب آخر تكشف عن تفكير الآخرين واستنتاجاتهم ومبرراتهم وعن خططهم الدفاعية، وتستمر العملية بشكل دائري بحيث أن انكشاف كل طرف للآخر يتيح له وضع الخطط البديلة، وفي هذا الكثير من الحوار الساخن المثمر الذي يقود للاقتناع وقبول الرأي الآخر
* المصدر الرئيسي: دليل المعلم في تعليم التفكير والتفكير الإبداعي (د. محمود المساد، 2007)