في اغتصاب السيادة!!
بقلم: الدكتور محمود المسّاد
انتابني اضطرابٌ غيرُ عاديّ وأنا أقلّب التفكير بمفهوم السيادة، وخاصة عندما أفكر به في بلدي تارة، وعندما أنظر إليه من زاوية التعليم تارات أخرى. فماذا نعني بالسيادة كونها مفهومًا أو حالة، أو بالأحرى لماذا ننتفض عندما يُنتهكُ أيُّ جزء من هذه السيادة؟ وهل التحرّش بالسيادة يختلف عند وقوعه على جزء من جسمها دون جزئها الآخر؟ ومتى يُعَدُّ التحرّشُ اغتصابًا للسيادة، وفي أي جزء من جسمها المدلّل المصون؟ وهل بالضرورة أن تنزف السيادة دمًا لتنهض من نومها بعد أن أثقلها التخدير بفعل فاعل؟ ويصحو حرّاسها دون وعي، ودون سلاح؟
أتخيل السيادة كائنًا حيّا فيه من الرجولة ما يفيض عن حاجة البشر للرجولة،(فحل)، يكاد يتمرد على الهواء الذي يداعبه، وأتنازل لنعت هذا المفهوم بالأنثى سيّدة القوم التي تترفّع عن الحديث مع أحد من البشر لكي لا يُساءَ بها الظنّ. هي الروح بهذا الكائن وشرفه وعنوانه، وهي الحبل السرّي الذي يربط جميع أفراد المجتمع، ذكوره وإناثه، كباره وصغاره، مع أن هذا الرباط يشتد ويضعف عكسيّا للأسف مع المسؤولية، والموقع الوظيفيّ، ومستوى القيادة!! فبدل أن يتمسّك قادة المجتمع ونُخَبُه ومسؤولوه بعنفوان السيادة وشرفها، والحفاظ عليها من نظرة خبيثة ولو خِلسة، نجد أن ضعف رباطها، ورخاوة عقدها يصبحان مجالَ تحضّرهم، وعنوانَ كرمهم، وكلمةَ سرّهم، بل ويدفعونها للدّلع وإظهار الزينة، والتحلّي بالإيتكيت .
نسامح – رغم قلّة الحيلة، وضيق ذات اليد – قادة السياسة، والاقتصاد، والسياحة والآثار، ودعاة التكنولوجيا والريادة أن يتزينوا ويتعطروا ويتدلعوا وهم يترنّحون أمام تحرّش الآخر بسيادتهم، ولكن لا نغفر أبدا لرجال الدين أيّا كان دينهم، وقادة التعليم والفكر الحرّ أن يؤتى التحرّش من بابهم، فهل يعقل أن يتم التحرّش بالسيادة برضاهم، وعلى مسامعهم، وأمام أعينهم؟ بل ويتمادى الآخر بتحرّشه إلى مستوى الاغتصاب وهم يضحكون ثمِلين يمدّون أيديهم لقبض الثمن، وتقديم الورود والحلوى، والسيادة تصيح نازفة أيها الفَجرَة؟!
صبرا سيدتي، فالسيادة مثلك تحتاج للقوّة لحمايتها، أو لفّها بجلباب كي لا تظهر من مفاتنها ما يغري الآخر الرخيص فيطمع بها. وعذرا سيدتي فائقة الجمال والفتنة، (هذه خلقة الله)، لماذا ربط الله والعالم بأسره الجمال بالقوّة، والرفاه بالقوّة، والثروة بالقوّة، والقوّة بالقوّة؟ ليس لتحقيق شريعة الغاب حيث البقاء للأقوى، بل لتكون القوّة للمنعة والرّدع، وإحجام الآخر عن مجرّد التفكير بالاقتراب منك، والتحرّش فيك، وأكثر من ذلك لتبقى رايتنا عالية خفاقة، ورؤسنا مرفوعة كريمة وهاماتنا تطاول السماء عزّا وكرامة؟!
أيها المخلِصون لسيادة الوطن في وطني، هل تعلمون أن مقولة ” شرّ البليّة ما يُضحك “، تصدُق بمثل هذا الأمر الجلَل. انظروا تعريف العالم الأكاديميّ لمفهوم السيادة: (هي الحق الكامل للهيئة الحاكمة وسلطتها على نفسها، دون أيّ تدخّل من جهات أو هيئات خارجيّة. وفي القانون الدوليّ تعني ممارسة الدولة للسلطة. والسيادة في الواقع الذي نعيش تعني القدرة على فعل ذلك، والقيام بذلك). وهنا لا نضحك على ضعف القدرة على فعل ذلك، أو عدم محاولة القيام بذلك، بل نضحك والدمع يسيل بحرقة أن التعدي وصل للتحرّش وتجاوزه للتعليم، فوجد حرّاسه وقادته أسهلَ عريكةً، وأكثرَ ترحيبًا، وأبخسَ ثمنًا، فتمادوا أكثر….ما أثار ذلك كله حفيظة السيادة التي انتفضت لنفسها؛ لتخرج من قيود الذل، وأسْر الهوان، ولكنها وقعت فريسة الاغتصاب!! لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم!!
صوت المملكة | التعليم وجودة المخرجات – YouTube