أنا معلّم: إذًا أنا أستحق الاحترام
بقلم: د. يحيى أحمد القبالي
تتفاوت قيمة المعلّم وتقديرة من مجتمع لآخر، وبغض النظر وبعيدًا عن الجدل القائم بين التعليم كمهنة أم رسالة، وبعيدًا عن الصياغات والتعريفات والمقاربات يبقى للمعلّم احترامه وتقديره مهما تفاوتت تلك النظرات، فالمعلّم في ضمير البشرية يحمل أمانة ثقيلة وتكليف يتخلله التشريف، ولمهنة التدريس أبعاد تعليمية واجتماعية ودينية لا يمكن أن يختلف عليها اثنان.
واحترام المعلّم قيمة أساسية تُبنى عليها أسس التعامل، وينبع ذلك من اعتزاز المعلّم بمهنته وحفاظه على شرفها وأخلاقياتها، والمعلّم حريص على أن يكون بمستوى الثقة التي منحه إياها المجتمع، فهو الرقيب على نفسه –بعد الله سبحانه وتعالى–، والحارس الأمين على عقول الطلبة، وغارس القيم في أنفسهم، وعلى ذلك يكون القدوة الحسنة لهم، فمالك الشيء يعطيه.
قال الإمام الغزالي ( حجة الإسلام): “إنّ أشرف مهنة وأفضل صناعة يستطيع الإنسان أن يتخذها حرفة له هي التعليم“.
ويقول الإمام يحيى بن شرف النووي(رحمه الله): “يجب على المعلّم أن يقصد بتعليمه وجه الله تعالى، وألّا يجعله وسيلة لغرض دنيوي “.
ومن منا لا تفيض مشاعره حنينًا حينما يمرّ بجانب هذه المدرسه أو تلك، أو تمرّ بخاطره مواقف تدريسية معيّنة عايشها أو كان طرفًا فيها؟ فتعلو على محياة ابتسامة رقيقة كسحابة صيف عابرة تلطف الجو وتنعش الذاكرة.
إنّ كلّ بناء للمجتمع لن يكون بناءً ذا قيمة إذا لم يكن التعليم أساسه، وكلّ تكريم لأفراد المجتمع لا يشمل تكريم المعلّم فهو تكريم أبتر، وكلّ مركز قيادي ينكر قيمة وفضل المعلّم فهو مركز واهن لن يخدم المجتمع جملةً وتفصيلًا بل هو عبء وورم خبيث يجب التخلّص منه، فمن أنكر حقّ المعلّم فمن باب أولى أن ينكر فضل ما سواه، ومن أراد أن يُنقص من قدر المعلّم فسيصيبه سهمه –سواء كان يعلم أو لا يعلم– لأن ذلك يُنقص من قدر أمته التي هو أحد أفرادها.
ومن خصائص الأمم المتقدّمة تقديرها للمعلّم وبذل كلّ ما من شأنه رفع قيمته وتبجيله من أجل تمهيد الطريق لتعلّيم أبنائها والأخذ بأيدهم لعلمها الأكيد أنّ التعليم هو الطريق الأقصر لرفعتها ومنعتها، وإن صلح الغرس طاب الثمر، والأمثلة الواقعية كثيرة في هذا المجال.
التوجه المهني في المرحلة الجامعيّة:
كلما زادت المعلومات عن مهنة المستقبل كان النضج المهني واضحًا وكذلك الاستقرار المهني ، واتخاذ القرار نابع من التبصّر والوعي وسعة الأفق، إنّ للتوجّه المهني المناسب فوائد عديدة تنبع من خلال الانعكاسات الايجابية للاختيار على كلّ من المعلّم والطلبة، ومنها:
1-إنّ الاختيار المهني المناسب يؤدّي إلى تحسين العلاقات الإنسانية نظرًا لممارسة الفرد العمل الذي يناسبه فيساعدعلى زيادة ثقته بنفسه ورفع معنوياته ورضاه وسعادته فيسهل تعامله مع الآخرين.
2-زيادة نسب النجاح عند المعلمين وتقليل الأخطاء وزيادة الكفاية الانتاجية. ( عبدالهادي، والعزة،1999م) .
3-كما وأنّ سوء الاختيار سيكون مصدرًا للمتاعب، وفي الاختيار المناسب للمهنة المناسبة سنتفادى هذه الأمور(الخطيب، 1995م).
وهنا تبرز قيمة إرشادات المرشد التربوي في المدرسة حيث يتوفر لديه عدد من الركائز، فالعملية الإرشادية عملية مشتركة تقوم على مساهمة شخصين أحدهما يملك معلومات حول المهن والأفراد، وآخر بحاجة لها حتى تساعده في قراراته وتوافقه المهني مستقبلًا، من هنا يجب النظر إلى الفرد كحالة مستقلة بذاتها، واحترام كرامته وحريته في الاختيار.
وذكر هاملتون(1962م) عددًا من العوامل المؤثّرة في عملية التأهيل المهني ، منها: الطاقة البدنية، والمستوى العقلي والتعليمي، والعوامل النفسية، والاستعداد والميول والقدرات والمهارات، والتقبّل الاجتماعي، ومدى توفّر فرص العمل.
وكماجاء في(سلطان، 1993م) :إنّ الاختيار المهني لانكوص فيه ولا رجعة.
أنا معلم: إذًا أنا أستحق الاحترام:
ليس الاحترام مقصورًا على مهنة دون أخرى أو شريحة من المجتمع دون سواها، فالاحترام قيمة متاحة يمكن تمثّلها في كلّ وقت ٍوفي كلّ مكان، وكل المهن وأصحابها لهم تقديرهم واحترامهم فهم حلقة من حلقات تقدّم المجتمع، ومهنة التعلّيم تتصدّر تلك المهن وتحظى بالاحترام الأكبر بينها لما لها من قدسيّة وتأثير في بناء المجتمع الذي يحتضن بذاكرته الجمعية تلك القدسية.
وعلى مدى عمر البشريّة كان احترام المعلّم مقدّم على ما سواه ، ولطالما تغنّى أفراد المجتمع بمهنة التعليم شعرًا ونثرًا، وكان للمعلّم حضورًا يغبطه عليه من سواه ، فهو بحكم هذه المهنة المكرّمة يستحق الاحترام.
اجعل لنفسك قيمة فالأصفار كثر:
إنّ لحظة انخراط المعلّم بممارسة مهنة التعليم هي لحظة فارقة في حياته، فبمجرد وطئ قدميه باب المدرسة يستجمع ذكرياته وينتابه الشعور بالمسؤولية والتوجس من الإخفاق لثقل حمل الأمانة، ويغمره الفخر والاعتزاز بالوقت نفسه كونه حامل لراية التنوير والتجديد، ويسعى للتكيف مع الواقع الجديد ، فالتكيف عملية ديناميكية مستمرة يستهدف فيها الفرد تعديل سلوكه ليحدث توافقًا أكثر مع بيئته ، ومن أهم العوامل التي تحدث التكيف كما جاء في (الداهري، 2024م) :
1-توفر المهارات اللازمة لدىا لمعلّم لإشباع حاجاته الأساسية.
2-أن يعرف المعلّم نفسه فيعرف الإمكانيات والحدود التي يستطيع بها إشباع حاجاته، وأن يدرك قدراته واستعداداته ومهاراته.
3-أن يتقبّل ذاته بموضوعية.
4-المورنة والتوافق للمؤثرات المختلفة.
5-المسالمة وتجنب الصراع .
وعلى المعلّم المتطلع إلى النجاح أن يسعى لتطوير ذاته مهنيًا ونفسيًا؛ ليتمكن من تأدية واجباته على أتمّ وجه واقتدار، فمنذ اللحظة التي يخطط فيها المعلّم لتطوير ذاته تنطلق شرارة الدافعية للإرتقاء ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ ليجعل لنفسه قيمة بمنافسة شريفة وذلك من أبسط حقوقه المشروعة، فهو على علم ودراية بأنّ سكون الماء يُفسده.
تطوير الذات حقّ مشروع للمعلّم:
لا يمكن لأحد أن يغلق أبواب تطوير الذات أمام كلّ معلم طموح، وللمعلّم الحق بتطوير قدراته وأدائه بأقصى ما يملك من طاقات، ومن أنسب الطرق في ذلك:
1-الالتحاق بدرجة علمية جامعية (دبلوم عالي، ماجستير، دكتوراه).
2-الالتحاق بالدورات التي تطرحها وزارة التربية والتعليم، والجهات الخاصة.
3-الإطلاع على كلّ جديد في مجال تخصصّه.
4-الاستفادة من خبرات الزملاء وتبادل الخبرات معهم.
5-التنويع بالأساليب والطرق التعليمية في تقديم المادة التي يدرّسها.
6-فتح قنوات من الحوار مع الطلبة وأخذ التغذية الراجعة ومعالجة نقاط الضعف,
7-حثّ الطلبة على البحث وإجراء المشاريع الهادفة والاستفادة من تجاربهم.
8-استغلال المناسبات الرسميّة للمساهمة في إعداد الندوات واللقاءات التي تسهم في تطوير تخصصّه.
9-إعداد الوسائل التعليمية والنشرات التوعويّة في مجال تخصصّه.
10-الدخول في المنافسات التي تطرحها وزارة التربية والتعليم للترقيات الوظيفيّة.
11-الاعتزاز بمهنة التعليم وتطوير تقديره لذاته؛ لما لذلك أهميّة في تشكيل صورة ناصعة له في أعين الطلبة.
الاحترام ليس قيمة مضافة بل قيمة أصيلة:
يسعى أفراد المجتمع بكافة أطيافه لكسب احترام الآخرين وليس ذلك بالأمر السهل، فالاحترام لا يأتي بيوم وليلة أو بوصفة طبيّة يمكن صرفها، بل هو مجموعة من المكتسبات حرص الفرد على تطبيقها قولًا و فعلًا ، ويقول د . محمود المسّاد : الاحترام قيمة عظيمة إيجابية ، تتضمن جملة من الأخلاقيات التي لا تنفصل عنها، كما أنها أي قيمة الاحترام ثنائية المصدر تنبع من الذات كما تنبع من الآخرين.
من هنا كان لزامًاعلى المعلّم أن تكون قيمة الإحترام قيمة أصيلة في شخصيته غير متصنّعة يحترم عقول الطلبة ويسعى إلى كسب ودّهم باحترام متبادل ليفتح لهم ذلك الاحترام آفاق التعلّم والمعرفة ويبني جسورًا من الثقة والمحبة الدافعة لبناء مجتمع تسوده القيم.
وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)