القيم والاتجاهات: أساليب تعلم خاصة
بقلم الدكتور محمود المسّاد
مدير المركز الوطني لتطوير المناهج
بات واضحاً أن الجانب الوجداني العاطفي من الجوانب الهامة في عملية التفكير والتفكير الإبداعي، فهو إطارها ومحركها وداعم قوتها وسبب ضعفها. وقد ثار حول الفصل بين العواطف والعقل، أو بالأحرى بين عقلانية التفكير وموضوعيتة وبين تحييد العواطف والهوى. إلا أن أبحاث الدماغ الأخيرة كشفت عن أن الجانب العاطفي هو جزء مهم من عملية التفكير فيها. لذلك من الضروري أن تؤخذ بالاعتبار في عمليات التدريس عموماً وأساليبها المتنوعة، وأن الأساليب الأنجح في التعليم هي الأساليب الأقدر على إثارة الطلبة وحفزهم نحو التعلم، والأكثر ربطاً لمضمون التعلم بإطار إيجابي مشفوع باتجاهات وقيم أخلاقية مرغوبة. إضافة إلى أن هذه الاتجاهات نحو القيم العالمية والقيم المرغوبة من المجتمع على وجه الخصوص لها طُرقها وأساليبها التعلمية الخاصة بها والتي نوردها على النحو الآتي
أولًا: منحى الاشتراط الإجرائي
يقوم تعلم الاتجاهات ضمن هذا المنحى على مبدأ مهم وهو التعزيز، أي تعزيز سلوك المتعلم المرغوب فيه، فإذا قام التلميذ مثلاً بجمع الأوراق ووضعها في سلة المهملات يقوم المعلم بتعزيزه، وطرق التعزيز كثيرة، فقد تكون بتقديم قطعة حلوى له، وقد تكون بالتصفيق أو زيادة درجات … الخ، وينبغي أن يكون التعزيز بعد قيام الطالب/ الطالبة بالاتجاه المرغوب فيه فوراً مع إعلام الجميع بأن “خالد” قد استحق قطعة الحلوى لأنه حافظ على نظافة الصف، أو كان صادقاً في قوله، أو منع زميله من إيذاء جاره، أو ساعد المحتاج، أو ساعد الضرير في قطع الشارع، أو قدم العون لجيرانه، أو ساعد والده في بعض الأعمال في حديقة المنزل
ثانيًّا: المنحى العقلي
يسير هذا المنحى في تعلم الاتجاهات ضمن الخطوات التالية
اولا – تحديد الاتجاهات المراد تكوينها أو تعديلها، كأن يحدد المعلم بعض الاتجاهات المراد تكوينها أو تعديلها كالصدق، والاحترام، والتعاون، والنظافة، ومساعدة المحتاج، واحترام المعلم، وطاعة الوالدين
ثانيا – إبراز التناقض حول إيجابيات الاتجاه المرغوب فيه، وسلبيات الاتجاه غير المرغوب فيه وذلك من خلال مساوئ الكذب ومحاسن الصدق، قد يقول الطلبة إن الكذب تزوير وحرام وأن الصدق يؤدي إلى رضا الناس ورضا الله، وإن الكذب يُضعف الشخصية ويولّد الخوف عند الإنسان، والاستمرار فيه خطر كبير، أما الصدق فيشعر صاحبه بالراحة، ويقوّي شخصيته ويحترمه الآخرين على عكس الكذاب الذي ينفر منه الناس ويبتعدون عنه
ثالثا – تعزيز الاتجاه المرغوب فيه، وكما أسلفت سابقاً على المعلم أن يمتدح الصادق ويشكره ليكرر مثل هذا السلوك المرغوب فيه
ثالثًا: المنحى الاجتماعي
يركّز هذا المنحى في تعلم الاتجاهات على التعلم عن طريق القدوة والمحاكاة والتقليد، إذ يعتبر هذا المنحى من أهم مناحي تعلم الاتجاهات، لأن الطالب/ الطالبة يتعلم عن طريق الملاحظة، ويكتسب اتجاهات جديدة من مراقبة سلوك الآخرين وتصرفاتهم فيتمثل ذلك، ويؤديه بدقة وينفس الصورة التي شاهدها، لذا يقع على المعلم /المعلمة والأسرة والجيران دور مهم في دعم تكوين الاتجاهات، وإذا أراد المعلم/المعلمة مثلاً أن يكتسب الطالب/ الطالبة اتجاهاً حول احترام الطالب/ الطالبة لجيرانه مثلاً، قد يقدّم قصة حول أحد الطلبة الذي يحترم الجيران ويتعاون معهم، أو قد يقدم فيلماً حول احترام الجيران، وإذا أراد المعلم/المعلمة مثلاً أن يُكسب الطالب/ الطالبة اتجاهاً حول الشجاعة قد يقدم قصة حول شجاعة خالد بن الوليد مثلاً، أو أي من أبطال المجتمع السابقين والمحدثين، مما يجعل الطالب/ الطالبة يتمثل الشجاعة في حياته ، وينبغي على المعلم/ المعلمة أن يكون نموذجًا للطلبة إذا أراد أن يعلّمهم الاتجاهات المرغوب فيها، فإذا أراد مثلاً أن يُكسبهم اتجاهاً حول النظافة للمحافظة على نظافة الصف، ورمي الأوراق في سلة المهملات، عليه أن يبدأ بنفسه أولاً، فيقوم هو برمي ذلك في المكان المخصص
وقد يكون أحد الطلبة قد اكتسب سلوكاً سلبياً وهو إيذاء الجيران، وهنا على المعلم/المعلمة ن يبحث عن أقران الطالب/ الطالبة ويحاول أن يغيرهم لما لهم من أثر سلبي على حياة هذا الطالب/ الطالبة
رابعًا: منحى صراع القيم ( المحاكمة العقلية )
يقوم هذا المنحى على عدد من الخطوات هي
اولا – يذكر المعلم/المعلمة الأهداف المتوخاة من وراء تدريس القيمة أو الاتجاه
ثانيا – يقوم المعلم/المعلمة بتهيئة الطلبة حول المشكلة، عن طريق عدد من الأسئلة تقود في النهاية إلى الإحساس بالمشكلة
ثالثا – يوزع المعلم/المعلمة النص المتعلق بالمشكلة القيمية على الطلبة
رابعا – يطرح المعلم/المعلمة سؤالاً على الطلبة يثير تفكيرهم ويقودهم لحل المشكلة
خامسا – يذكر الطلبة جميع البدائل والخيارات التي تقود إلى حل المشكلة القيمية
سادسا – يطلب المعلم/المعلمة من الطلبة تحديد جميع الأطراف الذين يتأثرون بالموقف ألقيمي
سابعا – يقسم الصف إلى عدة مجموعات، ويطلب إلى كل مجموعة أن تذكر النتائج المتوقعة في حال اختيارها لبديل ما
ثامنا – يطلب المعلم/المعلمة إلى كل مجموعة اتخذت بديلاً للحل أن تذكر أسباب هذا الاختيار
تاسعا – يقوم المعلم/المعلمة بمناقشة الطلبة بهذه الخيارات والنتائج المترتبة على ذلك
عاشرا – يخرج الجميع بخيار واحد صحيح مع ذكر الأسباب وراء هذا الاختيار
تطبيقات : التعلم وفق منحى تدريس القيم والاتجاهات
درس بعنوان ( الجيران )
يمكن التأكيد على الأهداف التالية في معرض التعليم والتعلم بهذه الطريقة
اولا – أن يضع الطالب/ الطالبة أعمالاً وأفكاراً بديلة يمكن أن تحل المشكلة
ثانيا – أن يتعاون الطالب/ الطالبة مع زملائه ويحترم وجهات نظرهم
ثالثا – أن يقرر بديلاً واحداً مقنعاً
يقدم المعلم المشكلة على النحو الآتي
المثال الأول: يقرأ المعلم القصة التالية
دور المعلم/ المعلمة | دور الطالب/ الطالبة |
– يطرح المعلم السؤال التالي: – ماذا على أحمد أن يفعل ؟ هل يخبر الشرطة ويسلّم أخاه إبراهيم، أم يخفي ذلك بالرغم من حبه الشديد للجيران. – يطلب المعلم/ المعلمة من الطلبة تحديد الأطراف التي تتأثر في الموقف. – يحث المعلم/ المعلمة الطلبة على أن يذكروا النتائج في حال اختيار أحمد للبديل الأول أو الثاني. – يطلب المعلم/ المعلمة من الطلبة أن يذكروا الأسباب التي دفعتهم لاتخاذ القرار. – يحث المعلم/ المعلمة الطلبة لأن يذكروا خياراً واحداً على ” أحمد ” أن يعمله ( الخيار الذي اقتنعوا به ). | – يقدم الطلبة البدائل التالية: * على أحمد أن يسكت ولا يبلغ الشرطة عن أخيه. * على أحمد أن يبلغ الشرطة عن أخيه. *يذكر الطلبة بالتعاون مع المعلم/ المعلمة الأطراف المتأثرة التالية: أحمد ، إبراهيم، الجيران، الأهل. * يذكر الطلبة بمساعدة المعلم/ المعلمة ما يلي: إذا أخبر الشرطة سيسجن إبراهيم وسيحزن الأهل على ابنهم. وإذا لم يخبر علي الشرطة يستمر بالألم لإخفاء الحقيقة، وسيتمادى أخوه في فعل الشر. قد يذكر الطلبة بمساعدة المعلم الأسباب التالية: 1 – في حال اختيار بعض الطلبة للبديل الأول « ضرورة إخبار الشرطة » ( حب الجيران، تأكيد عدم الاعتداء على الآخرين ). 2 – في حال اختيار الطلبة للبديل الثاني « عدم إخبار الشرطة » ( حبه لأخيه، خوفاً من تعريض أخيه للسجن ). – قد يذكر الطلبة أن على أحمد أن يخبر الشرطة عن أخيه حتى لا يكرر ذلك مستقبلاً وهو معتدﹴ، والمعتدي يجب أن يعاقب، واحترام الجيران واجب، والرسول r أوصى بذلك. |
المثال الثاني: موقف صفي آخر
الاتجاه: المحافظة على نظافة الصف وعدم رمي الأوراق في ساحته
يدخل المعلم/المعلمة إلى غرفة الصف، ويشاهد أحد الطلبة يقوم برمي الأوراق والفضلات في ساحة الصف
طالب/ طالبة آخر يضع الأوراق بعد أن يقوم بجمعها في سلة المهملات
يقارن المعلم/المعلمة بين الموقفين من خلال الحوار، بين محاسن الاتجاه المرغوب فيه، ومساوئ الاتجاه غير المرغوب فيه
دور المعلم/المعلمة | دور الطالب/ الطالبة |
– أيهما يعتبر سلوكاً صحيحاً مرغوباً به العمل الأول، أم العمل الثاني، ولماذا ؟ – يطلب المعلم/المعلمة من الطلبة أن يذكروا محاسن رمي الأوراق في السلة ومساوئ رميها في ساحة الصف. – يركز المعلم/المعلمة على ذكر المحاسن وذكر المساوئ. – يقوم المعلم/المعلمة برمي بعض القصاصات في سلة المهملات، ويحرص على ذلك في جميع سلوكياته ليقلده الطلبة. – يعزز المعلم/المعلمة كل عمل يقوم به الطلبة الذي يحافظ على ملابسه وعلى أدوات صفه … | – قد يقول بعض الطلبة إن العمل الثاني أفضل وهو رمي الأوراق في سلة المهملات. – يقوم الطلبة بذكر المحاسن وهي: * يكون شكل الصف أحسن ومنظره أجمل. * يتعود الطالب على أن يضع الشيء في مكانه. _ يقوم التلاميذ بذكر مساوئ رمي الأوراق بالساحة: * يكون منظره أكثر قذارة. * يؤدي ذلك إلى انتشار الأمراض. |
خاتمة
وفي ضوء هذا الاعتبار تَقدمت بالعرض السابق لكي أضع بين يدي المعلمين والمعلمات والمهتمين هذه الطائفةإن الغوص في أساليب التعليم والتعليم التي تُركّز عل تعليم مهارات التفكير والتفكير الإبداعي هي مُعيق بحد ذاتها لعملية التفكير والتفكير الإبداعي، باعتبار أن المطلوب من المعلمين أن يبتكروا ويعملوا لأنفسهم توليفات خاصة من بين مجموعات الأساليب المتاحة تتناسب مع طلبتهم وظروفهم وظروف مواقفهم التعلمية. المختارة من الأساليب التي تشحذ بدورها الطلبة للتعلم، والمعلمين/المعلمات لتيسير عمليات التعلم بتوافقية وانسجام عاليين، وبرغبة وقبول منهما، تبعث على متابعتهم التعلم الفردي المستمر. وخاصة وأن الأجواء التي نعيش تتصف بتعدد مصادر التعلم، وثورة الاتصالات، وتطور التكنولوجيا، ومهننة التعليم، وكلها حافزة ومؤكدة على أهمية المعلم الخبير متعدد الكفايات
وحرصت على عرض هذه الأساليب المقترحة التي وجدت بها تكاملية عالية، وتداخل محمود، وبنائية راقية غير مقصودة. كما حرصت أيضا على التأكيد على الخصائص الإيجابية الهامة لكل أسلوب من جهة، وان أسوق الأمثلة العملية الموضحة عليها من جهة أخرى. مع أنني لا أريد ولا أتفق مع الأخذ بالأسلوب كاملا، وخاصة في مجال التعليم الفعلي في غرفة الصف. بمعنى أن تبقى هذه المنهجية لتطبيق الأساليب مُجزأة للغايات التدريبية فقط. وبعد الإتقان لهذه الأساليب والوقوف على خصائصها وميزاتها سيجد المعلم/المعلمة نفسه وخاصة المبتكرين والمبدعين منهم، والراغبين باحتراف المهنة قادرين على الاختيار من بين هذه الأساليب ومن بين خصائصها الإيجابية توليفات إبداعية خاصة تتناسب مع مواقف التعلم بظروفها الخاصة
لكنني أود أن أُلفت النظر إلى ضرورة التسلسل– في صياغة التوليفات الخاصة– وفق متطلبات أساسية من مثل: المدخل بأسلوب القياس والمجاز، وبالذات خاصية الجذب وشد الانتباه، ومن ثم الدخول إلى الموضوع بأسلوب تعليم المفهوم، مع التركيز على الأمثلة المنتمية الحسية التي تستثير خبرات الطلبة السابقة وتكون قريبة منهم وتعني لهم حياة ومعنى واختبارهم بتمييز المفهوم عن غيره من خلال كومة الأمثلة المنتمية وغير المنتمية. وبعد ذلك التريث والتأمل ومحاكمة المضمون، والاختيار لذلك من بين الأساليب الرئيسة في التفكير الناقد وحل المشكلة أيهما يخدم الغرض، وتدعيم التفاصيل بالقياس واستراتجيات حل المشكلة بالطرق الإبداعية. مع التأكيد المستمر على المحاكمة العقلية والحوار والدعم بالحجة والبراهين وسلامة اتخاذ القرار
ولابد لسير الموقف الصفي بشكل فعّال النظر المستمر إلى أهمية الجانب الوجداني وبناء الاتجاهات المعززة للتعلم والدافعة له، كما هو النظر إلى أهمية الجانب ألقيمي الأخلاقي في محتوى مضمون التعلم وأنه الأساس في إعطاء التعلم المعنى اللازم لتوليد دافع التعلم القوي لدى المتعلمين